إسرائيل تتولّى تنفيذ الشق العسكري من خطة إضعاف الوجود الإيراني في سوريا

444630

توسّع إسرائيل يوماً بعد يوم من رقعة استهدافاتها لقواعد النظام السوري والقواعد الإيرانية في سوريا بوتيرة متسارعة ومكثّفة، بحيث لم يعد يمرّ أسبوع من دون شنّ أكثر من غارة أو هجوم صاروخي إسرائيلي على سوريا والقواعد العسكرية، ولا سيما قواعد الدفاع الجوي الإيرانية وتلك التابعة للنظام السوري، في آشارة سياسية واضحة الى سقوط كل التفاهمات السابقة التي كانت مبرمَة بين موسكو وتل أبيب لجهة تحييد قواعد النظام السوري من الهجمات وعدم استهداف القواعد العسكرية في المطارات، إلا أن كل هذا الخطوط الحمر في سوريا أسقطتها إسرائيل، وقد أعادت إخراج مطار دمشق عن الخدمة منذ ساعات مع نسفها الدفاعات الجوية الإيرانية في سوريا.

هدف التقليل من فعالية الضربات الإسرائيلية

في الهجوم الصاروخي الأخير منذ ٤٨ ساعة، استهدفت إسرائيل قاعدة رئيسية للدفاع الجوّي جنوب سوريا في منطقة تل الصحن في محافظة السويداء، بالتزامن مع تكثيف طهران جهودها لتزويد النظام السوري بأنظمة دفاع جوّي يمكن، بنظر الإيرانيين، أن تقلّل من فاعلية الضربات الإسرائيلية
لكن مصادر عسكرية مطّلعة تربط تزويد النظام بهذه الأنظمة بحسابات حرب غزة في حال اتساع نطاق الصراع المتوقّع حصوله مع بداية العام المقبل.

إشغال مطار سوريا مقابل إنهاء حرب غزة

إسرائيل كانت قد استهدفت الشهر الفائت أيضاً النظام الدفاعي المضاد للطائرات في تل أبيب وتل المسيح في جنوبي سوريا.
و الجديد في الضربات الإسرائيلية رسالة سياسية واضحة مفادها بأن لا مطار في سوريا يجب أن يكون صالحاً للخدمة مهما طالت حرب غزة، فأي قاعدة جوية أو دفاعية إيرانية منذ العام ٢٠٢٠ في سوريا يجب أن تكون خارج الخدمة معطّلة و غير قادرة على تشكيل أي تهديد عسكري لإسرائيل انطلاقاً من المناطق السورية القريبة جغرافياً منها.

الأراضي السورية والمنظومات الدفاعية الإيرانية

المعلوم أن طهران أدخلت الى سوريا منظومات بطاريات دفاع جوّي متطوّرة لمدى حوالي ١٥٠ أو ٢٠٠ كيلومتر، مع صواريخ ومناطق رادار تم نشرها في بعض المناطق السورية الحساسة،
فالمنطقة جنوب سوريا باتت شبه تابعة لإيران ما يشكّل تهديداً مباشراً لإسرائيل لا تقبل به تل أبيب، ومن هنا إصرار إسرائيل على تركيز هجماتها على المواقع الإيرانية للمنظومات الدفاعية والصاروخية جنوب سوريا، وقد تدخّلت تلك المنظومات ضد الغارات الإسرائيلية عندما قصفت إسرائيل مطار دمشق وضواحيه ما حدى بإسرائيل الى مهاجمة تلك القواعد الإيرانية ومنظوماتها الدفاعية في تل الصحن ومناطق في السويداء لإبعاد الخطر عن تل أبيب.

مَن هي الساحة التالية للصراع بعد غزة؟

سوريا تتحوّل أكثر فأكثر الى الساحة التالية للصراع الإقليمي الدولي بعد غزة، ما يصبّ في خانة ما يُحضّر لسوريا والنظام السوري من تغييرات سبق لنا أن تكلمنا عن خططها في مقالات سابقة، ولا سيما حول اجتماع واشنطن السرّي لتقرير مصير النظام السوري وخطة التحالف الدولي شرقي الفرات والتنف والجنوب السوري لمحاصرة مناطق نفوذ النظام وحول وجود قرار أميركي- أوروبي- غربي بإضعاف الوجود الإيراني تمهيداً لإضعاف نظام الأسد وسقوطه.

حرب غزة أعادت خلط الكثير من الأوراق

الأمور بالطبع ليست ب”كبسة زر”، والمراحل المطلوبة للوصول الى الخطة الكبرى تتطلب أولاً الانتهاء من ملف حرب غزة التي أعادت خلط الكثير من الأوراق الإقليمية والدولية مع مراجعة العديد من الحسابات من منطلق تهديد أمن آسرائيل ووجودها في المنطقة.

سوريا ورقة ضاغطة في يد طهران

لطالما كانت إيران تريد ورقة سورية ضاغطة عبر زرع وكلائها في منطقة الجولان مع حزب الله السوري وحزب الله اللبناني، لكن اتفاق ٢٠١٨ الذي قضى بإبعاد الوجود الإيراني عن الجنوب السوري الحدودي القريب من إسرائيل أحبط الى حين الخطة الإيرانية الى أن عادت بلباس “الفرقة الرابعة”، واليوم عادت إيران لتتموضع في القنيطرة وفي درعا، واللواء ١١٢ الذي دمّرته إسرائيل منذ حوالي ٤ أسابيع كان خير دليل على تغلغل هذا الوجود من خلال الفرق العسكرية السورية.
هذا الوجود الإيراني في سوريا، والذي عاد على مقربة من الحدود مع إسرائيل يشكّل إخفاقاً آخر لإسرائيل وحكوماتها التي تزعّم معظمها بنيامين نتانياهو منذ العام ٢٠١١، وكما أخطأ هذا الأخير في تقويته “حماس” في القطاع ومدّها بالمال ومقوّمات حكم غزة لاستمرار التفتّت والانقسام الفلسطيني بين قطاع وضفة، ها هو نفسه يدفع ثمن خطأه، وكذلك أخطأ حين استسهل وتسامح في دخول إيران وحزب الله الى سوريا منذ العام ٢٠١١، وها أن الإيراني بات يتهدّد أمن إسرائيل من الجنوب السوري مباشرة، أما الخطأ العسكري الأخير الذي ارتكبته إسرائيل، فكان التهاون مع تركيز إيران لمنظومات صاروخية ودفاعية متطوّرة في جنوب سوريا.

الوجود الإيراني في سوريا في عين الاستهداف الإسرائيلي

الوجود الإيراني اذاً في سوريا بات في عين الاستهداف الإسرائيلي بغطاء أميركي عسكري بحري وجوّي ضاغط من خلال الأساطيل والقطع البحرية المدمّرة والمتطوّرة للأطلسي في البحر الأبيض المتوسط، ما يعيدنا الى التحضيرات لخطة إغلاق معبر التنف والبوكمال وتوابعها في ظل مجموعة القطع البحرية الضاربة.
إيران تغلغلت بعمق في سوريا، وعلى المستويات العسكرية والأمنية والديمغرافية والدينية والاجتماعية والمذهبية كافة، وباتت مناطق النظام مناطق حكم إيراني مباشر يلعب فيها بشار الأسد دوراً ثانوياً منفذاً، ومن هنا أيضاً يمكن فهم استهداف إسرائيل للقيادي في الحرس الثوري رضى الموسوي الذي كان بمثابة المفوض السامي الإيراني في حكم سوريا، وقد أتى استهدافه من ضمن خطة استهداف وإضعاف الوجود الإيراني في سوريا، لكن السؤال يبقى : ألم يتأخر موعد إنهاء الوجود الإيراني في سوريا وقد أصبح حالياً أصعب مما كان عليه منذ أشهر الى الوراء؟
الإجابة تبقى رهن التطورات في الأسابيع المقبلة، ومع بدايات العام الجديد الذي لن يكون سهلاً على المنطقة على الإطلاق، لكن الأكيد أن العدّ العكسي لإنهاء الوجود الإيراني ليس في سوريا فقط بل في المنطقة قد بدأ، والمتوقّع بعد انتهاء حرب غزة ” قصقصة ” أذرع إيران في المنطقة انطلاقاً من سوريا.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: