بعدما وثِق وآمن اللبنانيون – وللمرة الاولى - بعهد جديد قادر على إعادة هيبة الدولة وسيادتها، وبعدما وعد هذا العهد بقطع أوصال الدويلات والميليشيات، وأغرق الشعب بأوهام لا متناهية، جاءت حادثة صخرة الروشة التي حملت صورة الامينين العامين لحزب الله أمس، كصفعة ايقظت اللبنانيين من ثباتهم ووجهت التُهم للدولة ومؤسساتها.
فماذا بعد أمس؟
أمس كانت الدولة أمام استحقاق لم نعرف قيمته الا عندما تجرأ حزب الله وكسر كلمة وقرار رجالها، لم تكن المرة الأولى التي يتطاول بها حزب الله على الدولة، بل هذا هو منطق الحزب: فائض قوة، فائض سلطة.
فبكل وقاحة وتحدٍّ قال رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا من أمام صخرة الروشة: "جايين نضويها".
وبهذه الطريقة يكسر حزب الله ومناصروه تعميم الحكومة ويخرج من الساحة "منتصراً على الدولة".
فشل الجيش والقوى الأمنية
لقد اعتدنا على تجاوزات الدويلة للدولة، لكن لم نعتد قط على تجاوز المؤسسات العسكرية للدولة أيضاً. فأين كان الجيش والقوى الأمنية من كل ما جرى يوم أمس؟ أين كانوا عند ادخال منصة الانارة الى صخرة الروشة؟ فمنصة الانصارة دخلت المنطقة بتسهيل من الامن المتمثل بالجيش وقوى الامن. الذي كان من المفترض ان يمنع اضاءة الصخرة تماشياً مع تعميم الحكومة وليس العمل ضضها.
ولصفا وقاحة أخرى حين شكر قائد الجيش رودولف هيكل والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبدالله على إنجاح فعاليات إضاءة صخرة الروشة.
أوليس من واجب الجيش وقوى الامن الداخلي أيضاً تنظيم هذا التحرك من الناحية الأمنية عبر التفتيش الاجباري لكل المشاركين في التحرك ومنع ادخال الأسلحة وغيرها من الأدوات؟ كما والالتزام بإدخال 500 مشارك فقط، هذا العدد الذي تجاوز الـ 1500 شخص.
وفي هذا السياق أعلن رئيس الحكومة نواف سلام عن "احالة الفاعلين الى التحقيق لينالوا جزاءهم إنفاذاً للقوانين المرعيّة الإجراء".
بعد فشل المؤسسات العسكرية بأوّل مهام لهم والذي يمكن تصنيفه المهام الابسط أمام المهام الأكبر وهو سحب سلاح "الحزب" والمليشيات في لبنان. فكيف للجيش الذي لم يتمكن من مصادرة منصة انارة أن يتمكن من مصادرة سلاح المخيمات الفلسطينية، وسلاح حزب الله المدعوم ايرانياً؟
بهذا الإطار، قال الصحافي ألان سركيس في حديث لـ"LebTalks": "ما حدث يوم أمس سابقة خطيرة جداً وتمرّد على قرار الحكومة، وهذا القرار لم يطبق بسبب خوف قسم من الدولة من حزب الله".
وتساءل سركيس: "لو حصل هذا التحرك في منطقة أخرى ومن قبل جهة أخرى هل كان تم تطبيق القرار أم تهاون الامن كما أمس؟".
أضاف سركيس: "ما حصل امس اكّد ان وفيق صفا لازال متحكماً باللعبة والساحة، وهذه رسالة واضحة للخارج قبل الداخل، الذي يحاول على مساعدة لبنان، وأكبر افشال لخطة الدولة والجيش على سحب السلاح".
كما دعا سركيس الى "تحرك الحكومة في اتخاذ الإجراءات ومحاسبة الوزاراء وقادة الأجهزة".
التطاول على سلام
لم يكتف "الحزب" بتحدّ الدولة وكسر كلمتها، الا انه ذهب الى أبعد من ذلك باستخدام قوته الشعبية. فلا دولة يخافون منها ولا قانون يلتزمون به، فراح مناصرو "الحزب" وبهتفاتهم التي لا تمت للوطنية بصلة يهتفون ويتطاولون على رئيس الحكومة نواف سلام، ونعته بعبارات لاسيما تمثل شريحة من الناس تؤمن ان الدولة والسيادة يندرجان تحت اسم حسن نصرالله وحزبه.
ألم يحن الوقت للصد لكل هذه التجاوزات الأخلاقية في وجه الدولة ورجالها؟
وفي هذا السياق قال سركيس في حديث لموقعنا: "بدأ هذا التطاول من 9 كانون الثاني 2024 من بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون حيث تعرض الرئيس عون والرئيس سلام للتجريح والاهانة والتخوين، وللأسف القضاء لم يتحرك".
وتابع: "المطلوب اليوم عملية تطهير للقضاء والدولة وأجهزتها لقطع أوصال الحزب فيها وتغيير عقلية البعث السوري السائدة، والتي يمكن من بعدها بناء دولة سيادية مستقلة".
كما واعتبر سركيس أن "الدولة تشرع أبواب حزب الله وتفتح الساحة أمام حرب إسرائيلية".
وختم: "فإما ان يتخذ المسؤولون قرارات حازمة، أو على الدولة السلام".
أمس تخلّت الدولة عن الدولة، وسقطت هيبتها أمام اللبنانيين. واليوم كل تأخير في المحاسبة هو تأكيد على الفشل والتبعية. فإما ان تستعيد الدولة قرارها وسيادتها، أو أن تستسلم لسلطة حزب بأجندة إيرانية.
المرحلة لم تعد تحتمل تسويات وتهاون، فإما الدولة أو الدويلة.