في 21 نيسان 1994، كانت الساعة الصفر لإعتقال قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع وهي جاءت نتيجة اشهر وسنوات من التضييق والاضطهاد من جهة ورفضه القاطع للخنوع والخضوع لرغبة نظام الاسد وملحقاته ونظامه الامني في لبنان او لعدم أخذه بنصيحة الرئيس الراحل الياس الهرواي بالخروج وزوجته من البلاد على شاكلة نظيره على الساحة المسيحية ميشال عون من جهة أخرى.
يومها قرأ جعجع جيداً المتغيّرات في المنطقة التي أدت الى الانقلاب على "الطائف" فحاول ان يبعد عنه الكأس لكن ليس على حساب قناعاته وهوية "القوات" التاريخية وتلمّس حجم الخطر الذي يشرع له ذراعيه إذ:
- إرتفعت أسهم قطار السلام في المنطقة منذ مؤتمر مدريد خريف العام 1991 الى اتفاقية اوسلو في ايلول 1993 بعدما تمّ التمهيد لها منذ إنتفاضة الحجارة في ايلول 1987 التي خلقت توازناً صورياً ومعنوياً وعزّزت مشروعية قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
- تم تلزيم لبنان الى سوريا بقرار عربي وغربي عربون شكرٍ على مسارعة رئيسها حافظ الاسد للمشاركة العسكرية في التحالف الدولي لتحرير الكويت في حرب الخليج الثانية أو ما عرف بـ"عاصفة الصحراء" في خريف 1990. فكان الاسد شرطياً للمنطقة وضبط اي ردة فعل ضد اوسلو في لبنان ومخيماته الفلسطينية.
- بدأ الانقلاب على "الطائف" عبر تعطيل تطبيق بنوده أو تطبيقها محرّفة او مجتزأة من أجل فرض الاسد قبضته على لبنان بعدما نجح بكسر الخطوط الحمراء وإجتياح المنطقة المحررة في 13 تشرين الاول 1990 جراء تعنّت العماد ميشال عون ورفضه تسليم مقاليد السلطة. فراح الاسد يحقق اهدافه التي تم صدها خلال اجتماعات الطائف كرفع عدد النواب الى 128 .
- تضييق الشام الخناق على "القوات" دون سواها من الميليشيات، فالاسد لم يغفر يوماً للصفعة التي لقنه إياها جعجع عبر إطاحته بالاتفاق الثلاثي في 15 كانون الثاني 1986. تجلى ذلك عبر حصر حجم تمثيلها بوزير واحد ما دفع جعجع الى الاستقالة شخصيا وتسمية روجيه ديب الى التدخل في انتخابات حزب "الكتائب" وقطع الطريق على وصوله الى الصيفي، من تسليمها سلاحها مقابل عدم المس بسلاح الاخرين الى إلزامها على إرجاع ممتلكات الدولة كمقرها في الكرنتينا او مقر محطة الـlbc في جونية مقابل بقاء الافرقاء الآخرين في مواقع تابعة للدولة كقصر بيت الدين.
كذلك، تعرضت "القوات" لمسلسل اغتيالات استهدف كوادرها بشكل سافر من سامي ابو جودة الى ايلي ضو وسليمان عقيقي وصولاً الى نديم عبد النور في رسائل دموية موجهة لجعجع بين 1990 و1992. بالتزامن، كانت فبركة الملفات او فتح ملفات من زمن الحرب مشمولة بالعفو العام او تفجير بيت الكتائب المركزي عشية ميلاد 1993 وصولاً الى تفجير كنيسة "سيدة النجاة" في شباط 1994.
يومها نفّذ الامر، حلّت "القوات" وإعتقل جعجع – قضى 4114 يوماً إنفرادياً في زنزانة تحت ثالث ارض - واحكم الاسد قبضته عبر النظام الامني اللبناني السوري وسيطر على مفاصل الحياة السياسية والامنية والاقتصادية والادارية في البلاد وقمع "صوت النشاز" السيادي الذي شكّله جعجع. فكانت فبركة "مرجعيات" سياسية مطيعة وكان حشو الادارة بالمحاسيب وضرب البنية المجتمعية والتوازن الديمغرافي بالمجنسين وتعميم الزبائنية والرشاوى والفساد ونخر الادارة واستباحة الدستور والقوانين وتسخير القضاء.
في 21 نيسان 2022، كثر يحنّون ويصرخون "إعتقلوا جعجع" او اقله "إرجموه" و"شيطنوا" القوات. في طليعة هؤلاء، امين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي إستلم صولجان "محور الممانعة" في لبنان مع جلاء الاسد الابن وجيشه في 26 نيسان 2005 ويقود بحرفية وصرامة قوى "8 آذار" وخير دليل جمعه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ورئيس "تيار المردة" النائب السابق سليمان فرنجية.
عادوا اليوم الى نغمة "الآمر الناهي" كما عام 1994 بناء على رواية شخص على خصومة تاريخية مع "القوات" من أجل استدعاء جعجع للتحقيق في غزوة "عين الرمانة". لكن فاتهم أن المشهدية السياسية الدولية والاقليمية والداخلية اليوم تختلف عن العام 1994 وأن الرأي العام الذي ضلّل بشكل كبير يومها لم تعد تنطلي عليه مسرحياتهم.
انهم يدركون جيداً ان اعتقال جعجع غير وارد لذا يستفيدون من ذلك لـرجمه و"شيطنة" "القوات". كيف لا ونحن عشية الانتخابات النيابية. من هنا نشهد حملة مبرمجة ضد "القوات" وجعجع لأنهما كما عشية العام 1994 حين شكلا رأس حربة ضد الهيمنة السورية يشكلان اليوم رأس حربة في القوى السيادية ضد هيمنة إيران بواسطة ذراعها في لبنان والمنطقة، لا بل والعالم، "حزب الله".
"السرايا السياسية" لـ "حزب الله" يرجمون سمير جعجع زوراً لتشويه صورته في الشارع السني على انه قاتل الرئيس رشيد كرامي – إذ إن الاحكام في ظل الاحتلال لا قيمة قضائية لها – ويدافعون عن من إغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ويقدّس القتلة لا بل يتحالفون معه. كما يستحضرون صفحة الحرب في صيدا وينسون ان لقرى شرق صيدا وجزين ايضاً شهداء ومفقودين على يد من كان يحكم قبضته على المدينة وان استحضار القضايا الانسانية موسمياً هو جريمة مضاعفة بحق الضحايا. كذلك، "يستغشمون" اللبنانيين حين يتهمون جعجع بأنه وراء مشاكل بعض قادتهم مع السعودية وطبيعة ادائه السياسي.
"سرايا اتفاقية مار مخايل" يرجمون سمير جعجع زوراً باتهامات بالية وممجوجة كان إستخدمها الجنرال عون شخصياً في ثمانيات القرن الماضي منها قول جبران باسيل ان جعجع "صاحب الاقدام التهجيرية"، فيما في زمن الحرب والتهجير وقع لظروف واسباب شتى عند اطراف كثر. أما اكبر تهجير تعرض له اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً ففي العامين 1989 و1990 واليوم في ظل عهد عون وخصوصاً منذ 17 تشرين 2019.
أما "حزب الله" فيرجم سمير جعجع ويخوّن من قد يصوت للقوات مرة عبر نغمة "العمالة لإسرائيل" فيما كل من اوقف للتواصل معها او تم إخراجه من السجن هم إما من كوادر "الحزب" أو من بيئته الحاضنة أو من صفوف حلفائه ومرة عبر إتهامه بأحداث الطيونة فيما "الحزب" بالتكافل والتضامن مع "أمل" هما من غزيا عين الرمانة حيث استخدم المئات من جمهورهما الاسلحة المتوسطة والصاروخية وتسببوا بوقع الدماء.
فيا ليتهم يتعظون ان بعد كل "21 نيسان" هناك "26 تموز" وان وراء كل ظلم وظلام هناك شمس حرية ستشرق وان رجم جعجع بالاتهامات زوراً يزيد من رقعة المتعاطفين معه والمقتنعين بمساره.