إعلان بوتين الحرب على أوكرانيا

Russian President Vladimir Putin chairs a meeting with members of the Security Council via a video link at the Novo-Ogaryovo state residence outside Moscow, Russia February 18, 2022. Sputnik/Mikhail Klimentyev/Kremlin via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY.

كان ﻻفتةً جداً في اليومين الماضيين مواقف اﻻعتراف والإقرار الروسي بالضعف وعلى رأسها تصاريح الجنرال سيرغي سوروفيكين، القائد المعين حديثاً من الكرملين لإدارة العملية الخاصة في أوكرانيا كما ﻻ تزال موسكو تصفها، والأدهى من ذلك أن يأتي الإقرار من القيادي البارز الذي علّقت عليه موسكو الآمال ﻻنتشال جنود الكرملين من الورطة العسكرية التي يواجهها الرئيس فلاديمير بوتين والتي يتحمّل بالدرجة الأولى مسؤوليتها، فإذ بهذا القائد الذي نُسجت حوله أساطير البطش والدموية يظهر للإعلام بمظهر مَن يكاد يتحسر على جيشه المنهَك والمتراجع.تصريح سلوفيكين بأن الوضع متوتر وصعب يستوقفنا ملياً، وهو الجنرال الذي استخدم كل أدوات القتل البشعة في سوريا، والذي لم يأتِ تعيينه أخيراً إﻻ لرفع معنويات الجيش الروسي في أوكرانيا.تصريح سلوفيكين يمكن اعتباره أول اعتراف رسمي رفيع المستوى بفشل العملية العسكرية في أوكرانيا أمام بسالة الأوكرانيين وشجاعتهم من جيش وشعب وقيادة في الدفاع عن أرضهم وشرفهم وكرامتهم في وجه أوقح وأخطر عملية احتلال يعرفها العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية،فقائد القوات العسكرية الروسي باعترافه هذا إنما يعكس حقيقة ما تعانيه القيادة السياسية في موسكو، ومن خلالها القيادة العسكرية، من وهنٍ لم يكن ليحسب على الرئيس بوتين لو تمكن من الإيفاء بوعده باحتلال أوكرانيا خلال أيام وإسقاط نظام كييف وتنصيب حكومة موالية له بسهولة.واللافت أكثر أن أقوال سوروفيكين جاءت لتتقاطع مع التصاريح الكاذبة المنطلقة من ماكنة البروباغاندا الروسية منذ اليوم الأول لدخول الجيش الروسي الأراضي الأوكرانية والتي كانت تشير كلها الى معلومات ميدانية مغشوشة وكاذبة من رأس القيادة الروسية في موسكو الى أدنى مراتب القرار العسكري الروسي، والتي كانت تشيع أجواء ومعطيات تعاكس الحقيقة تماماً،فمع الجنرال سوروفيكين ظهرت الحقيقة : حقيقة الصعوبات الكبرى التي يلقاها جيش بوتين في مواجهاته مع الجيش الأوكراني.والمعلوم أن موسكو شعرت بإحراجات كثيرة خلال سير العمليات العسكرية بفعل ما تناقلته وسائل إعلام العالم من حاﻻت تقهقر وتراجع وانسحاب الجنود الروس تاركين وراءهم اللأسلحة والعتاد والغذاء والمؤن، بما ﻻ يليق ﻻ بثاني أقوى جيش في العالم وﻻ بمعنويات سيد الكرملين الذي يحلم منذ سنوات وسنوات بإعادة الهيبة السوفياتية وفرضها على العالم.اليوم في أوكرانيا بإمكان الجيش الروسي أن يقصف ويدمر البنى التحتية في الطاقة واﻻقتصاد لكنه ﻻ يستطيع أو لم يعد يستطيع ولو أراد، أن يتابع زحفه كما كان منطلقاً في الأسابيع الأولى من غزوه للأراضي الأوكرانية.شيء ما تبدّل في الكرملين، شيء ما من نوع فقدان الأمل والتقبّل الخبيث لحقيقة الفشل، وهنا المشكلة الأكبر لأن بوتين الخاسر أشرس وأخطر من بوتين المنتصر، لذا فإننا ﻻ نرى بعين الإطمئنان الإقرار الروسي العسكري بالصعوبات والفشل لأن هذا الموقف قد يكون التمهيد لعملية أكبر وأخطر مثل اللجوء الى السلاح النووي التكتيكي أو ربما السلاح الكيميائي، وقد أثبت الرئيس بوتين أنه ﻻ يتوانى، في سبيل دحر خصمه في ساحة المعركة، عن استعمال أي سلاح يساعده على حسم المعركة لصالحه، والشاهد القريب على ذلك ما فعله في سوريا في سياق دعمه لنظام الأسد المتهاوي.ربما سلوفيكين- سوريا ﻻ يستطيع أن يكون سوروفيكين- أوكرانيا، بمعنى أنه وإن تمكن في سوريا من الفتك بالشعب السوري بأطفاله ونسائه وقصف الأفران والمستشفيات والمدارس والمساجد، فقد كان ذلك سهلاً عليه نظراً لوجود ميليشيات إيران التي كانت تتولّى العمليات البرية، فيما كان الروس يسندونها من الجو، أما اليوم في أوكرانيا فإن الجيش الروسي هو المعني مباشرة لأنه المتورط في مواجهة مع الجيش الأوكراني القوي الذي ﻻ يتوانى عن تسديد الضربات الموجعة والقاتلة للجنود الروس، سواء في مقاطعة خرسون أو زابوروجيا أو الدونباس (لوغنسك ودونتسك ).المواجهة مع الأوكرانيين شرسة ومدمّرة للجيش الروسي خاصة في ظل الدعم الأميركي والأوروبي العسكري المتواصل والتدريبات التي يتلقّاها الأوكرانيون في دول حلف شمال الأطلسي ﻻستخدام أعتى الأسلحة الغربية تدميراً وفعاليةً.من هذا المنطلق، يمكن رسم ما يجري اليوم في أوكرانيا على أنه بداية نهاية الغزو الروسي لها، لكن هذه البداية لن تكون خالية من تضحيات كبيرة سيدفعها الشعب الأوكراني من لحمه الحي بما أنه المعني الأول والأخير بالحفاظ على أرضه وسيادته وسلامة دولته.هذه البداية التي ﻻ تقاس بالأسابيع بل بالأشهر، ما لم يطرأ أي تطور مفاجىء وغير متوقع، تجعل كل اﻻحتماﻻات واردة بما فيها اللجوء الى الكيميائي أو النووي التكتيتكي.ما يجب التحسّب له هو أن موسكو ما انفكت تراهن على تطور ما قد يأتي من واشنطن، مع نتائج اﻻنتخابات النصفية الشهر المقبل، في ظل ما يمكن أن يحصل في حال سقوط الكونغرس بيد الجمهوريين وتراجع الديمقراطيين،فالجمهوريون هم ضد مواجهة الرئيس فلاديمير بوتين ومحاربته ولسان حالهم يقول إن ما أقدمَ عليه في أوكرانيا يمكن حله بالتفاوض والحوار ﻻ بالقتل والحرب والتدمير المتبادل أي مبدأ التسويات الذي يخفي في طياته التسليم لبوتين بأحقية له في القرم والدونباس في مقابل ضمانات روسية بعدم الاعتداء بعد اليوم على أوكرانيا وعدم معارضة انضمامها للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي بدأت أوروبا تفقد وحدة موقفها المثابر الى جانب أوكرانيا مع اقتراب الشتاء وتحوّل اهتمامات الحكومات أو بعضها للتركيز أكثر على الملفات الداخلية وأهمها تداعيات أزمة الطاقة وكيفية مواجهة الرئيس بوتين، بين مَن يدعو لمحاورته وعدم إغضابه ومَن يدعو الى عدم اﻻتكاء كلياً على الأميركيين عملاً بقول الرئيس المصري الراحل حسني مبارك إن ” المتغطي بأميركا عريان”، خاصة اذا ما توقفنا قليلاً عند ما نقلته صحيفة ” بوليتيكو ” الأميركية من رسالة سلام أميركي تجاه روسيا في توقيت دقيق مع إعلان بوتين حالة الحرب في الأقاليم الأربعة.كما يجب أن ﻻ يغيب عن بالنا أن معادلة “الردع النووي” بين القوى الكبرى يؤدي الى استمرار الحرب على أرض أوكرانيا بالدرجة الأولى والأخيرة، وﻻ يمكن أن تتسع الى خارج الحدود ما لم يقع الجميع بالمحظور في لحظة خطأ استراتيجي أو خطأ في التقدير غير محسوب.وأمام كل هذه التطورات، توصّل الرئيس الروسي الى قرار بإعلان الحرب والأحكام العرفية على ٤ مناطق أوكرانية ﻻ تزال وستبقى أوكرانية مهما حاولت موسكو تزوير التاريخ وتغيير الجغرافيا باعتبارها زوراً أراضٍ روسيةٍ ذات سيادة إذ ﻻ سيادة إﻻ لأرضٍ وشعبٍ ودولةٍ.واللافت أيضاً أن إعلان الرئيس بوتين الحرب في الأقاليم الأربعة المحتلة تزامن مع انتهاء لقاء عُقد على وجه السرعة بين وزيري الدفاع الأميركي أوستن والبريطاني وولس تميز بعلنيته خلافاً لما جرت عليها العادة بأن تكون لقاءات وزراء دفاع القوى الكبرى سرية أو أقله غير معلنة،فما إن انتهى اللقاء الثنائي حتى أعلن الرئيس بوتين الحرب على الأقاليم المشار اليها في أوكرانيا، كما أعلن الأحكام العرفية، مانحاً حكام الأقاليم أوسع الصلاحيات مع دعوته مجلس الأمن الروسي للاجتماع.وبحسب صحيفة بوليتيكو الأميركية فإن إدارة الدفاع الأميركية ضغطت بشكل كبير على شركة تصنيع راجمات الصواريخ ” هايمارس “، وهي الأكثر دقة في العالم و كان لها دور أساسي في قلب موازين القوى في ساحات الحرب لصالح الأوكرانيين بحيث أبطأت تقدّم الجيش الروسي وكبّدته خسائر فادحة.منذ شهرين، كان الجيش الأوكراني يمتلك سبع منظومات هايمارس فيما باتت كييف تمتلك حالياً عشرين منظومة هايمارس في أوكرانيا وتحارب بها الجيش الروسي.الشركة المصنعة لوكهيد مارتن تلقّت طلباً أميركياً بتصنيع ٩٦ منظومة جديدة للهايمارس لهذا العام، ما يشير الى قرار استراتيجي أميركي حيال حرب أوكرانيا بتصعيد المواجهة ضد الروس وتمكين الأوكرانيين من التفوّق الميداني على الجيش الروسي، بخاصة في منطقة ” خرسون ” لكسر درة تاج الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد سقطت المنطقة من دون قتال تقريباً بيد الروس، علماً أن لها موقع استراتيجي تجاه شبه جزيرة القرم،فسيطرة الجيش الأوكراني على خرسون والتقائه بالجيش الأوكراني الزاحف من الشمال ( من العاصمة كييف ) سيضع القوات الروسية في أوكرانيا بين فكّي كماشة، وهذا ما حلله الجنرال سوروفكين حيث تحدث عن إصرار أوكراني على استعادة خرسون، ما اضطُر الرئيس بوتين الى إعلان الأحكام العرفية في الأقاليم الأربعة والعين على خرسون.حالياً تم نقل بين ٥٠ و٦٠ ألف مدني من خرسون الى قرب الحدود الروسية، والجيش الأوكراني قصفَ كل الجسور التي تصل خرسون بكافة الأنهار من الحدود الروسية،وفي معطيات ميدانية جديدة أُفيد في الساعات القليلة الماضية بأن القوات الروسية أعادت بناء جسرين جديدين للربط مع خرسون، ما يؤشر فعلاً الى استعدادات متبادلة وإصرار متبادل بين الأوكرانيين والروس على الظفر بخرسون لأهميتها اﻻستراتيجية والميدانية وموقعها الحاسم للصراع الميداني في جنوب أوكرانيا.وفي معطيات ديبلوماسية غربية، يبدو أن هناك ثمة دفع أميركي للأوكرانين لحسم معركة خرسون في حد أقصاه ٨ تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، موعد إجراء اﻻنتخابات النصفية في الكونغرس الأميركي وذلك تحسباً ﻻنتصار الجمهوريين بالغالبية بحيث أن أول ما سيقوم به الجمهوريون هو إيقاف مد أوكرانيا بالسلاح، ما يعني توقّف الحرب ضد مصلحة الأوكرانيين، فيما التوجه الديمقراطي الحالي هو في محاصرة شبه جزيرة القرم في حال استعاد الأوكرانيون خرسون وضواحيها ما سيُضطر بوتين الى طلب التفاوض.الحرب الروسية على أوكرانيا مرّت بمراحل عدة تغيّرت خلالها خطط وخرائط عدة : فبعد الفشل الروسي في احتلال كييف، وبعد التراجع الروسي الى الشرق والجنوب بحجة حصر العمليات بمقاطعات الشرق والجنوب، ثم مطالبة روسيا بمقاطعات الشرق فقط من دون الجنوب، وصوﻻً الى مرحلة تفجير الأوكرانيين الباسل لجسر كيرتش، تغيّر التكتيك العسكري الروسي بتوجيه الضربات على مراكز الطاقة الأوكرانية إخضاع الأوكرانيين خلال شتاء قاس.إعلان بوتين الحرب يعني في ما يعنيه اﻻستعانة بجنود اﻻحتياط ومحاولة إدخال الجيش النظامي الروسي تحت شعار حماية أراضيه في أوكرانيا وبخاصة منطقة خرسون.وتبقى، في نفس الوقت، الأنظار شاخصةً الى بيلاروسيا شمال أوكرانيا حيث يمكن أن تحصل مفاجأة يتحسب لها الأوكرانيون والغرب في ظل التوتر السائد على الحدود بين البلدين لاسيما وأن الرئيس بوتين أبلغ نظيره اليبلاروسي لوكاشنكو نفير الإلتحاق به في حرب أوكرانيا.إعلان بوتين الحرب على أوكرانيا بقلم جورج أبو صعب كان ﻻفتةً جداً في اليومين الماضيين مواقف اﻻعتراف والإقرار الروسي بالضعف وعلى رأسها تصاريح الجنرال سيرغي سوروفيكين، القائد المعين حديثاً من الكرملين لإدارة العملية الخاصة في أوكرانيا كما ﻻ تزال موسكو تصفها، والأدهى من ذلك أن يأتي الإقرار من القيادي البارز الذي علّقت عليه موسكو الآمال ﻻنتشال جنود الكرملين من الورطة العسكرية التي يواجهها الرئيس فلاديمير بوتين والتي يتحمّل بالدرجة الأولى مسؤوليتها، فإذ بهذا القائد الذي نُسجت حوله أساطير البطش والدموية يظهر للإعلام بمظهر مَن يكاد يتحسر على جيشه المنهَك والمتراجع.تصريح سلوفيكين بأن الوضع متوتر وصعب يستوقفنا ملياً، وهو الجنرال الذي استخدم كل أدوات القتل البشعة في سوريا، والذي لم يأتِ تعيينه أخيراً إﻻ لرفع معنويات الجيش الروسي في أوكرانيا.تصريح سلوفيكين يمكن اعتباره أول اعتراف رسمي رفيع المستوى بفشل العملية العسكرية في أوكرانيا أمام بسالة الأوكرانيين وشجاعتهم من جيش وشعب وقيادة في الدفاع عن أرضهم وشرفهم وكرامتهم في وجه أوقح وأخطر عملية احتلال يعرفها العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية،فقائد القوات العسكرية الروسي باعترافه هذا إنما يعكس حقيقة ما تعانيه القيادة السياسية في موسكو، ومن خلالها القيادة العسكرية، من وهنٍ لم يكن ليحسب على الرئيس بوتين لو تمكن من الإيفاء بوعده باحتلال أوكرانيا خلال أيام وإسقاط نظام كييف وتنصيب حكومة موالية له بسهولة.واللافت أكثر أن أقوال سوروفيكين جاءت لتتقاطع مع التصاريح الكاذبة المنطلقة من ماكنة البروباغاندا الروسية منذ اليوم الأول لدخول الجيش الروسي الأراضي الأوكرانية والتي كانت تشير كلها الى معلومات ميدانية مغشوشة وكاذبة من رأس القيادة الروسية في موسكو الى أدنى مراتب القرار العسكري الروسي، والتي كانت تشيع أجواء ومعطيات تعاكس الحقيقة تماماً،فمع الجنرال سوروفيكين ظهرت الحقيقة : حقيقة الصعوبات الكبرى التي يلقاها جيش بوتين في مواجهاته مع الجيش الأوكراني.والمعلوم أن موسكو شعرت بإحراجات كثيرة خلال سير العمليات العسكرية بفعل ما تناقلته وسائل إعلام العالم من حاﻻت تقهقر وتراجع وانسحاب الجنود الروس تاركين وراءهم اللأسلحة والعتاد والغذاء والمؤن، بما ﻻ يليق ﻻ بثاني أقوى جيش في العالم وﻻ بمعنويات سيد الكرملين الذي يحلم منذ سنوات وسنوات بإعادة الهيبة السوفياتية وفرضها على العالم.اليوم في أوكرانيا بإمكان الجيش الروسي أن يقصف ويدمر البنى التحتية في الطاقة واﻻقتصاد لكنه ﻻ يستطيع أو لم يعد يستطيع ولو أراد، أن يتابع زحفه كما كان منطلقاً في الأسابيع الأولى من غزوه للأراضي الأوكرانية.شيء ما تبدّل في الكرملين، شيء ما من نوع فقدان الأمل والتقبّل الخبيث لحقيقة الفشل، وهنا المشكلة الأكبر لأن بوتين الخاسر أشرس وأخطر من بوتين المنتصر، لذا فإننا ﻻ نرى بعين الإطمئنان الإقرار الروسي العسكري بالصعوبات والفشل لأن هذا الموقف قد يكون التمهيد لعملية أكبر وأخطر مثل اللجوء الى السلاح النووي التكتيكي أو ربما السلاح الكيميائي، وقد أثبت الرئيس بوتين أنه ﻻ يتوانى، في سبيل دحر خصمه في ساحة المعركة، عن استعمال أي سلاح يساعده على حسم المعركة لصالحه، والشاهد القريب على ذلك ما فعله في سوريا في سياق دعمه لنظام الأسد المتهاوي.ربما سلوفيكين- سوريا ﻻ يستطيع أن يكون سوروفيكين- أوكرانيا، بمعنى أنه وإن تمكن في سوريا من الفتك بالشعب السوري بأطفاله ونسائه وقصف الأفران والمستشفيات والمدارس والمساجد، فقد كان ذلك سهلاً عليه نظراً لوجود ميليشيات إيران التي كانت تتولّى العمليات البرية، فيما كان الروس يسندونها من الجو، أما اليوم في أوكرانيا فإن الجيش الروسي هو المعني مباشرة لأنه المتورط في مواجهة مع الجيش الأوكراني القوي الذي ﻻ يتوانى عن تسديد الضربات الموجعة والقاتلة للجنود الروس، سواء في مقاطعة خرسون أو زابوروجيا أو الدونباس (لوغنسك ودونتسك ).المواجهة مع الأوكرانيين شرسة ومدمّرة للجيش الروسي خاصة في ظل الدعم الأميركي والأوروبي العسكري المتواصل والتدريبات التي يتلقّاها الأوكرانيون في دول حلف شمال الأطلسي ﻻستخدام أعتى الأسلحة الغربية تدميراً وفعاليةً.من هذا المنطلق، يمكن رسم ما يجري اليوم في أوكرانيا على أنه بداية نهاية الغزو الروسي لها، لكن هذه البداية لن تكون خالية من تضحيات كبيرة سيدفعها الشعب الأوكراني من لحمه الحي بما أنه المعني الأول والأخير بالحفاظ على أرضه وسيادته وسلامة دولته.هذه البداية التي ﻻ تقاس بالأسابيع بل بالأشهر، ما لم يطرأ أي تطور مفاجىء وغير متوقع، تجعل كل اﻻحتماﻻات واردة بما فيها اللجوء الى الكيميائي أو النووي التكتيتكي.ما يجب التحسّب له هو أن موسكو ما انفكت تراهن على تطور ما قد يأتي من واشنطن، مع نتائج اﻻنتخابات النصفية الشهر المقبل، في ظل ما يمكن أن يحصل في حال سقوط الكونغرس بيد الجمهوريين وتراجع الديمقراطيين،فالجمهوريون هم ضد مواجهة الرئيس فلاديمير بوتين ومحاربته ولسان حالهم يقول إن ما أقدمَ عليه في أوكرانيا يمكن حله بالتفاوض والحوار ﻻ بالقتل والحرب والتدمير المتبادل أي مبدأ التسويات الذي يخفي في طياته التسليم لبوتين بأحقية له في القرم والدونباس في مقابل ضمانات روسية بعدم الاعتداء بعد اليوم على أوكرانيا وعدم معارضة انضمامها للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي بدأت أوروبا تفقد وحدة موقفها المثابر الى جانب أوكرانيا مع اقتراب الشتاء وتحوّل اهتمامات الحكومات أو بعضها للتركيز أكثر على الملفات الداخلية وأهمها تداعيات أزمة الطاقة وكيفية مواجهة الرئيس بوتين، بين مَن يدعو لمحاورته وعدم إغضابه ومَن يدعو الى عدم اﻻتكاء كلياً على الأميركيين عملاً بقول الرئيس المصري الراحل حسني مبارك إن ” المتغطي بأميركا عريان”، خاصة اذا ما توقفنا قليلاً عند ما نقلته صحيفة ” بوليتيكو ” الأميركية من رسالة سلام أميركي تجاه روسيا في توقيت دقيق مع إعلان بوتين حالة الحرب في الأقاليم الأربعة.كما يجب أن ﻻ يغيب عن بالنا أن معادلة “الردع النووي” بين القوى الكبرى يؤدي الى استمرار الحرب على أرض أوكرانيا بالدرجة الأولى والأخيرة، وﻻ يمكن أن تتسع الى خارج الحدود ما لم يقع الجميع بالمحظور في لحظة خطأ استراتيجي أو خطأ في التقدير غير محسوب.وأمام كل هذه التطورات، توصّل الرئيس الروسي الى قرار بإعلان الحرب والأحكام العرفية على ٤ مناطق أوكرانية ﻻ تزال وستبقى أوكرانية مهما حاولت موسكو تزوير التاريخ وتغيير الجغرافيا باعتبارها زوراً أراضٍ روسيةٍ ذات سيادة إذ ﻻ سيادة إﻻ لأرضٍ وشعبٍ ودولةٍ.واللافت أيضاً أن إعلان الرئيس بوتين الحرب في الأقاليم الأربعة المحتلة تزامن مع انتهاء لقاء عُقد على وجه السرعة بين وزيري الدفاع الأميركي أوستن والبريطاني وولس تميز بعلنيته خلافاً لما جرت عليها العادة بأن تكون لقاءات وزراء دفاع القوى الكبرى سرية أو أقله غير معلنة،فما إن انتهى اللقاء الثنائي حتى أعلن الرئيس بوتين الحرب على الأقاليم المشار اليها في أوكرانيا، كما أعلن الأحكام العرفية، مانحاً حكام الأقاليم أوسع الصلاحيات مع دعوته مجلس الأمن الروسي للاجتماع.وبحسب صحيفة بوليتيكو الأميركية فإن إدارة الدفاع الأميركية ضغطت بشكل كبير على شركة تصنيع راجمات الصواريخ ” هايمارس “، وهي الأكثر دقة في العالم و كان لها دور أساسي في قلب موازين القوى في ساحات الحرب لصالح الأوكرانيين بحيث أبطأت تقدّم الجيش الروسي وكبّدته خسائر فادحة.منذ شهرين، كان الجيش الأوكراني يمتلك سبع منظومات هايمارس فيما باتت كييف تمتلك حالياً عشرين منظومة هايمارس في أوكرانيا وتحارب بها الجيش الروسي.الشركة المصنعة لوكهيد مارتن تلقّت طلباً أميركياً بتصنيع ٩٦ منظومة جديدة للهايمارس لهذا العام، ما يشير الى قرار استراتيجي أميركي حيال حرب أوكرانيا بتصعيد المواجهة ضد الروس وتمكين الأوكرانيين من التفوّق الميداني على الجيش الروسي، بخاصة في منطقة ” خرسون ” لكسر درة تاج الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد سقطت المنطقة من دون قتال تقريباً بيد الروس، علماً أن لها موقع استراتيجي تجاه شبه جزيرة القرم،فسيطرة الجيش الأوكراني على خرسون والتقائه بالجيش الأوكراني الزاحف من الشمال ( من العاصمة كييف ) سيضع القوات الروسية في أوكرانيا بين فكّي كماشة، وهذا ما حلله الجنرال سوروفكين حيث تحدث عن إصرار أوكراني على استعادة خرسون، ما اضطُر الرئيس بوتين الى إعلان الأحكام العرفية في الأقاليم الأربعة والعين على خرسون.حالياً تم نقل بين ٥٠ و٦٠ ألف مدني من خرسون الى قرب الحدود الروسية، والجيش الأوكراني قصفَ كل الجسور التي تصل خرسون بكافة الأنهار من الحدود الروسية،وفي معطيات ميدانية جديدة أُفيد في الساعات القليلة الماضية بأن القوات الروسية أعادت بناء جسرين جديدين للربط مع خرسون، ما يؤشر فعلاً الى استعدادات متبادلة وإصرار متبادل بين الأوكرانيين والروس على الظفر بخرسون لأهميتها اﻻستراتيجية والميدانية وموقعها الحاسم للصراع الميداني في جنوب أوكرانيا.وفي معطيات ديبلوماسية غربية، يبدو أن هناك ثمة دفع أميركي للأوكرانين لحسم معركة خرسون في حد أقصاه ٨ تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، موعد إجراء اﻻنتخابات النصفية في الكونغرس الأميركي وذلك تحسباً ﻻنتصار الجمهوريين بالغالبية بحيث أن أول ما سيقوم به الجمهوريون هو إيقاف مد أوكرانيا بالسلاح، ما يعني توقّف الحرب ضد مصلحة الأوكرانيين، فيما التوجه الديمقراطي الحالي هو في محاصرة شبه جزيرة القرم في حال استعاد الأوكرانيون خرسون وضواحيها ما سيُضطر بوتين الى طلب التفاوض.الحرب الروسية على أوكرانيا مرّت بمراحل عدة تغيّرت خلالها خطط وخرائط عدة : فبعد الفشل الروسي في احتلال كييف، وبعد التراجع الروسي الى الشرق والجنوب بحجة حصر العمليات بمقاطعات الشرق والجنوب، ثم مطالبة روسيا بمقاطعات الشرق فقط من دون الجنوب، وصوﻻً الى مرحلة تفجير الأوكرانيين الباسل لجسر كيرتش، تغيّر التكتيك العسكري الروسي بتوجيه الضربات على مراكز الطاقة الأوكرانية إخضاع الأوكرانيين خلال شتاء قاس.إعلان بوتين الحرب يعني في ما يعنيه اﻻستعانة بجنود اﻻحتياط ومحاولة إدخال الجيش النظامي الروسي تحت شعار حماية أراضيه في أوكرانيا وبخاصة منطقة خرسون.وتبقى، في نفس الوقت، الأنظار شاخصةً الى بيلاروسيا شمال أوكرانيا حيث يمكن أن تحصل مفاجأة يتحسب لها الأوكرانيون والغرب في ظل التوتر السائد على الحدود بين البلدين لاسيما وأن الرئيس بوتين أبلغ نظيره اليبلاروسي لوكاشنكو نفير الإلتحاق به في حرب أوكرانيا.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: