إقتراح الحريري لتعديل الدستور تعليقاً لكل الحصانات: هروب الى الأمام سياسياً وطرح ميت قبل الولادة قانونياً

إقتراح الحريري لتعديل الدستور تعليقاً لكل الحصانات: هروب الى الأمام سياسياً وطرح ميت قبل الولادة قانونياً

كتب المحرر القانوني في Lebtalks:

في محاولة لرد الهجوم الذي طاله وأعضاء كتلته عقب توقيعهم على العريضة النيابية المطالبة بإحالة الملف على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وفي ما يُشبه الهروب إلى الأمام، عقد الرئيس سعد الحريري في 27/7/2021 مؤتمراً صحافياً لشرح موقف كتلته من مسار التحقيقات في جريمة إنفجار مرفأ بيروت، معلناً عن تقديم كتلته اقتراحاً يقضي بـ “تعليق كل المواد القانونية التي توفر الحصانات لرئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات والنواب ‏والوزراء وحتى المحامين والقضاة” بما يتيح الإدعاء عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت. وبموجب هذا الاقتراح، وإضافة إلى تعليق العمل بمواد بعض القوانين كقانون الموظفين وتنظيم مهنة المحاماة وأصول المحاكمات الجزائية، فهو يقترح تعليق العمل بالمواد 40/ 60/ 61/ 70/ 71 / 72 و80،
فما هي إمكانية تطبيق طرح الحريري؟ وما هو أثره على طلبات رفع الحصانة عن النواب الثلاثة المشتبه بهم والموجّهة من المحقق العدلي طارق البيطار؟.
بمعزل عن قابلية التعديل الدستوري للمواد المذكورة أعلاه في الظروف الحاضرة، في ما يلي قراءة قانونية للإقتراح تُفنّد العوائق الموضوعية، الدستوية والقانونية، أمام قابلية الطرح للحياة:

  • العائق الأول: زمن النظر في الاقتراح.
    یحقّ لمجلس النواب خلال عقد عادي وبناءً على اقتراح عشرة من أعضائه على الأقل أن یبديَ اقتراحه بأكثریة الثلثین من مجموع الأعضاء الذین یتألف منهم المجلس قانوناً بإعادة النظر في الدستور (المادة 77 من الدستور)، ولا ينعقد المجلس عقداً عادياً إلّا في دورتين سنوياً، تكون الأولى بين یوم الثلاثاء الذي یلي 15 آذار وتتوالى جلساته حتى نهایة شهر أیار، أما دورة الانعقاد الثانية فهي تبدأ من یوم الثلاثاء الذي یلي 15 تشرین الأول وتخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصویت علیها قبل أيّ عمل آخر وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة.
    وعليه، بأحسن الأحوال، لا يُمكن النظر في الاقتراح المذكور إلا ابتداءً من 19 تشرين الأول المقبل، علماً أن المادة 32 من الدستور تمنع البحث في هذا العقد في أي موضوع سوى قانون الموازنة حتى إقراره ما سيؤجل البحث في هذا الاقتراح لمدة أطول.
    من هنا فإن مجرد مناقشة هذا الاقتراح لا يمكن أن تحصل قبل مدة ثلاثة أشهر من الآن.
  • العائق الثاني: لا يُقبل الاقتراح إلا بموافقة ثلثي مجلس النواب.
    إن تحويل اقتراح عشرة نواب إلى اقتراح للمجلس النيابي وإرساله للحكومة يتطلب توفر ثلثي النواب، وهو أمر مستعصٍ جداً في ظل التناحر السياسي القائم حالياً، وهو يفتح الباب لجميع أنواع المساومات والإبتزازات والفيتوات.
  • العائق الثالث: الحاجة الى حكومة عاملة وليس حكومة تصريف أعمال.
    يتمثل ذلك في وجوب عرض الاقتراح الذي وافق عليه ثلثا مجلس النواب على الحكومة. وعليه، يجب أن يبلغه رئیس مجلس النواب إلى الحكومة طالباً منها أن تضع مشروع قانون في شأنه. فإذا وافقت الحكومة المجلس على اقتراحه بأكثرية الثلثين وجب عليها أن تضع مشروع التعدیل وتطرحه على المجلس خلال أربعة أشهر (المادة 77 من الدستور).
    وكما هو معلوم، لا توجد حكومة حالياً، وهي الممر الإلزامي كما هو مذكور في المادة 77 لأي تعديل دستوري. فإذا لم تتألف حكومة، لا يُمكن بأي شكل من الأشكال وصول مشروع التعديل الدستوري إلى مجلس النواب للبت به أصلاً، حيث أنّ تعديل الدستور يخرج عن مهمة تصريف الأعمال المنوطة بحكومة حسان دياب الحالية.
  • العائق الرابع: الحاجة إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء.
    ما يزيد من إمكانية عدم حصول التعديل هو أنّ أكثرية الثلثين مطلوبة في الحكومة للموافقة على المشروع وهو أمر صعب المنال وفق التوازنات السياسية ومواقف كل منها في ما خص هذه القضية.
    وفي حال عدم تأمين الثلثين، أي إذا لم توافق الحكومة على الاقتراح، فعليها أن تعيد القرار إلى المجلس لیدرسه ثانية، فإذا أصر المجلس علیه بأكثرية ثلاثة أرباع مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، فلرئیس الجمهوریة حينئذ إما إجابة المجلس إلى رغبته أو الطلب من مجلس الوزراء حلّه وإجراء انتخابات جديدة في خلال ثلاثة أشهر، فإذا أصر المجلس الجديد على وجوب التعدیل وجب على الحكومة الانصياع وطرح مشروع التعديل في مدة أربعة أشهر.
    هذه العملية وبغض النظر عن استحالة تحققها نظراً لتطلّبها لإرادة ثلاثة أرباع أعضاء المجلس، أي 96 نائباً من أصل 118 باقون فيه، وبغض النظر عن تعقيداتها واستحالتها لجهة حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات، فهي قد تأخذ أكثر من سنة للانتهاء منها وهو ما يعني المماطلة والتسويف، وما يعني تجاوز مدة ولاية المجلس الحالي أصلاً.
  • العائق الخامس: لمجلس الوزراء أن ينظر في الاقتراح خلال 4 أشهر من إبلاغه.
    يمنح الدستور مهلةً طويلةً (4 أشهر) للحكومة قد تستخدمها بأكملها في حال كانت النيّة هي المماطلة أكثر في التحقيق، وهو ما يتبدّى من مناورات القوى السياسية في الأسابيع الأخيرة.
  • العائق السادس: تعديل يتطلب ثلثي مجلس النواب.
    في حال تخطّي المشروع لكل هذه العقبات، سيجد عقبةً جديدة أمامه في المجلس النيابي، فعندما یُطرح على المجلس النيابي مشروع يتعلق بتعديل الدستور لا یمكنه أن یبحث فیه أو أن یصوت علیه ما لم تلتئم أكثرية مؤلفة من ثلثي الأعضاء الذین یؤلفون المجلس قانوناً ویجب أن یكون التصویت بالغالبیة نفسها (المادة 79 من الدستور)، وأكثرية الثلثين هذه يُصعب تأمينها في ظروف عادية، فكيف بمجلس منقوص من 10 من أعضائه أصلاً.
    في المحصلة
    تقف عوائق كبرى أمام أي تعديل دستوري يستشف منها أنه لا يمكن بدء أي إجراء لتعديل الدستور قبل منتصف تشرين الأول 2021 وأنه لا يمكن إكمال مسار أي تعديل من دون حكومة فعلية وأن الموافقة على التعديل تتطلب موافقة غالبية كبرى من القوى السياسية، وأن مهلاً طويلة معطاة لمختلف الإجراءات، ويرجح تالياً وعلى فرض حصول توافق سياسي أن لا يتمكن مجلس النواب من النظر في التعديل قبل انتهاء ولايته.
    لذا، يُعتبر هذا الاقتراح مجرد مناورة سياسية تهدف الى عرقلة النظر في طلبات رفع الحصانة وجعلها شبه مستحيلة.
المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: