يشكّل ٣١ كانون الأول ١٩٩٠ تاريخاً دموياً مشؤوماً في وجدان اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، يوم رفع جنرال بعبدا ميشال عون شعار “توحيد البندقية” لإلغاء “القوات اللبنانية” الوحيدة حينها التي كانت تناصر الشرعية وحافظت على ما تبقى من مؤسساتها في المنطقة التي تسيطر عليها أي المنطقة المحرّرة من كل غريب أكان جيشاً نظامياً سورياً أو جيوش عصابات مسلحة ومرتزقة من جنسيات عدة.
صحيح أن لكل طائفة حروب إلغائها من ضرب “المرابطون” الى مسلسل ثنائية “حزب الله” – “امل” الدموي من الليلكي الى إقليم التفاح، لكن مغامرات عون الالغائية تبقى الاعنف لأنها تخطت البعد الدموي الى ضرب روح المقاومة اللبنانية في عزّ صعودها المؤسساتي والتسليحي وإستعادتها لدورها في الوقوف الى جانب نسيجها المجتمعي مع وصول سمير جعجع الى رأس “القوات اللبنانية” من جهة وضرب ما تبقى يومها من شرعية المؤسسة العسكرية عبر تحويلها الى فصيل مسلح في خدمة طموح سلطوي لا بل “جنون العظمة”.
المشهد يتكرّر اليوم ولو بأدوات وآليات مختلفة ولكن لغاية واحدة تحقيق الطموح لا بل الجشع السلطوي أياً يكن الثمن. الفاتورة الباهظة نفسها، “التراجيديا” الجماعية نفسها والشعارات الفارغة المقيتة الممجوجة نفسها. سلّم الجنرال عون مشعل “الإلغاء” لصهره النائب جبران باسيل كما أسلمه رئاسة تياره.
بدأ باسيل إلغاءه داخل تياره حيث تهاوت وجوه عونية عدة ليس آخرها الثلاثي النيابي زياد أسود وماريو عون وحكمت ديب أو روّضت تحت عناوين كثيرة من الاولوية لوحدة الصف مروراً بالحفاظ على الموقع الشخصي وصولاً الى عدم تكافؤ القوى داخل “التيار” وإنتظار الوقت المناسب”.
كرّر باسيل محاولات إلغاء “القوات اللبنانية” بعد إنقلابه وعمّه على إتفاق معراب عبر قطع الطريق على وجودها الفعلي في مؤسسات الدولة من خلال هيمنته على التعيينات المسيحية وضربه إندفاعتها الوزارية المؤسساتية وإمساكه بمفاصل الحكم في العهد العوني.
اليوم مجدداً، وبهدف الوصول الى السطة، يشنّ باسيل حرب إلغاء على قائد الجيش الجنرال جوزف عون لقطع طريق بعبدا عليه غير آبه بتداعيات ذلك على المؤسسة العسكرية الوحيدة الصامدة فيما السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تتخبط، كما لم يأبه عون عام 1988 بتداعيات طموحه على المؤسسة العسكرية يومها.
لكن يا ليت باسيل يتعظ من تجربة عون ويتذكّر ان حروب إلغائه تكللت بـ”13 تشرين” يوم الهزيمة التاريخي حين سقطت آخر معاقل الشرعية وسقط الهيكل.