كتب جورج أبو صعب
يعتبر الفيلسوف افلاطون في تحليله للمعرفة الإنسانية – مستندا الى مثال اهل الكهف – ان الذين اعتادوا على رؤية ظلال الحقائق او المحسوسات لن يستطيعوا النظر الى هذه الحقائق او المثل بحد ذاتها لانها ستبهر ابصارهم …
باسقاط هذا التحليل على القيمين على تأليف الحكومة حاليا – وبخاصة العهد وفريقه سرعان ما نستخلص المعطيات التالية :
أولا : ان بعبدا في عملية التأليف – ترى من الدستور ما يناسبها ليس صونا لحقوق المسيحيين وصلاحيات الرئيس – وهو كلام حق يراد به باطل – بل تأمينا لحقوق الوراثة السياسية وتعبيد الطريق امام فريق الحكم وعلى راسهم جبران باسيل لتولي دفة البلاد – غير ابهين بما يكلف ذلك من اثمان يسددها الوطن والشعب ويضاعف من التدهور والانهيار .
ثانيا : المؤسف ان فريق الحكم وتيار باسيل اعتاد على رؤية ظلال الحقائق واعتبارها بحد ذاتها حقائق – ولا يمكنهم القبول او التسليم بحقائق دامغة ليس اقلها حقيقة انكشافهم امام الشعب والمجتمع الدولي وتسليمهم مقدرات البلاد والقرار السيادي فيها لحزب الله في مقابل حماية مكتسباتهم وتغطية مخالفاتهم وفساد فريقهم – حقيقة ادعاءهم بانهم يلتزمون دستور الطائف فيما يمعنون طعنا بالدستور وبالطائف فالرئيس وفريقه يتصرفون على أساس دستور الجمهورية الأولى وكأن لا طائف ولا دستور منبثق عنه .
هذا الفريق مصمم على الانقلاب على الدستور بمباركة حزب الله ما يحملنا على الخشية الجدية على مصير الانتخابات النيابية ومنها الرئاسية .
رابعا : ليس صحيحا ان عقدة التأليف تعكس صدام مسيحي – سني – لان الخط السياسي للعهد وفريقه لا يمثل قسم كبير من المسيحيين … ولم يعودوا يمثلون فريق كبير من المسيحيين منذ اللحظة التي ارتضوا ان يلتحفوا بعباءة الإيراني واجندته وان يتواطؤا معه على حساب سيادة الدولة ولقمة عيش وكرامة اللبناني ويتحالف السلاح مع مافياتهم – كما ليس صحيحا ان العهد وفريقه يعملون من اجل استرداد حقوق المسيحيين بل الصحيح انهم يعملون على تثبيت وتدعيم مواقعهم الحزبية والسياسية في المعادلة الوطنية المستقبلية .
وليس صحيحا ان المشاورات تجري باسم الدستور بل تتلطى خلف الدستور وتحرفه وتجتزؤه لتعيدنا الى مشروع حرب أهلية كانت كلفتها باهظة – اذ انه وبموازاة المادة
( 53) التي تنص على اصدار مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق بين الرئيس ورئيس مجلس الوزراء هناك أيضا المادة ( 64 ) التي تنص على ان رئيس مجلس الوزراء يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها – ما يفترض التعاون وليس الفرض والعرقلة والتسويف .
ثم كيف يمكن لرئيس الجمهورية وهو بموجب المادة ( 60) من الدستور غير مسؤول الا في حالتي خرق الدستور او الخيانة العظمى – ان يكون له الحق في تعيين وزراء له او يعتبر نفسه صاحب حق في تعيين وزراء مسيحيين وهو من جهة الحكم الأعلى ورئيس كل الوزراء وكل الدولة فضلا عن اننا وبموجب مقدمة الدستور في نظام برلماني تكون فيه الحكومة مسؤولة امام الشعب وليس الرئيس؟
فهذا النهج ليس سوى محاولة التفاف على مبادئ اللامسوؤلية الدستورية عندما يكون للرئيس وزراء يمثلونه ويعينهم هو اللامسؤول – حتى اذا اخطأوا او خضعوا للمساءلة ارتد الخطأ عليه وعلى مقامه واعتبر خطأهم خطأ الرئيس مما يضعف الرئاسة ويعرضها بصورة غير مباشرة للمساءلة واضعاف هيبتها السياسية والوطنية.
فريق مسيحي يخدم اجندة محور إقليمي متقاطعة مع طموحاته – حيث ان طهران ليست في وارد تسهيل امر التأليف كما ليست في وارد تقديم أي تنازل سياسي في لحظة التوتر الإقليمي وتعثر طاولة فيينا واتفاق إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية على القيام بكل ما يمكن لمنع بلوغها السلاح النووي … ومنطقة شرق اسيا تتخبط في القلاقل والاضطرابات من بوابة أفغانستان وعودة داعش وتوقع انفلاشها مجددا مما يهدد بالاطاحة بالاستقرار الإقليمي وتفجر الحروب الاهلية والطائفية والعرقية على نطاق أوسع واخطر .