على خطورة مضي إسرائيل في نهج الاغتيالات في استهداف كوادر وعناصر “حزب الله” الذي تمدد أمس مجدداً إلى الحدود اللبنانية – السورية واستهداف رجل اعمال سوري وثيق الصلة بالنظام و”حزب الله”، بما يبقي الجبهة الميدانية عند الحدود اللبنانية – الإسرائيلية في حال اشتعال قابلة للتطور الأعنف والأوسع في أي لحظة تخرج فيها المواجهات عن الحسابات الباردة، لم تثر التطورات الميدانية خشية استثنائية مختلفة عن سياق ما سبقها طوال تسعة أشهر منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
بل لعل العامل اللافت في هذا السياق تمثّل في “يقظة” أممية حيال لبنان مع اقتراب موعد التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) في آب (أغسطس) المقبل، تمثلت في إجراء مداولات في مجلس الأمن الدولي تمهيداً لاصدار بيان صحافي عن المجلس حول الوضع في لبنان. وهو أمر عكس تصاعد الاهتمام الدولي بالوضع في الجنوب والضغط بقوة على فريقي المواجهة، إسرائيل و”حزب الله”، للامتناع عما يمكن أن ينزلق بالوضع المتفجر في الجنوب إلى إشعال حرب واسعة.
ولكن الأهم من ذلك هو أن أوساطاً ديبلوماسية واسعة الاطلاع عكست معطيات تستبعد اشتعال حرب واسعة في لبنان، ولكنها تستبعد أيضاً التوصل الى تسوية قريبة المدى في غزة بما يتيح وقف المواجهات وقفاً تاماً في جنوب لبنان. وتبعاً لذلك تتوقع هذه الأوساط أن يبقى الوضع القائم في الجنوب عالقاً بين استبعاد الحرب الواسعة واستبعاد التسوية في حرب غزة بما يطيل أمد الاستنزاف في الجنوب لوقت غير قصير وفق موجات متفاوتة في وتيرة المواجهات.
وكان آخر فصول هذا الاستنزاف تمثّل في هجوم بطائرة مسيّرة استهدف سيارة على الحدود اللبنانية – السورية قرب نقطة المصنع، إذ أشارت المعلومات إلى مقتل شخصين باستهداف السيارة، أحدهما قيادي في “حزب الله”. ولكن المعلومات كشفت لاحقاً اغتيال رجل الأعمال السوري براء القاطرجي الذي جرى تعريفه بأنه رجل أعمال مقرّب من الرئيس السوري بشار الأسد وعلى صلة بـ”حزب الله” وإيران ومدرج على لائحة العقوبات الأميركية. وأشارت المعلومات إلى أن القاطرجي كان إلى جانب شخصٍ آخر داخل السيارة التي تم قصفها بواسطة طائرة مُسيّرة.
سبق ذلك إعلان “حزب الله” أنه استهدف تجمعاً للجنود الإسرائيليين في محيط ثكنة برانيت والتجهيزات التجسسية في موقع الراهب، وموقع السماقة في تلال كفرشوبا. وفي المقابل، استهدفت غارة إسرائيلية محيط بركة ميس الجبل. كما شنّ الطيران الإسرائيلي غارتين على بلدة مروحين الحدودية في القطاع الغربي.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي “أن لدينا مهمة واضحة في الشمال وهي إبعاد “حزب الله” عن السياج الحدودي”.
على صعيد المشهد الداخلي ووسط جمود سياسي يتعاظم تباعاً، بدا أمس أن ملف التطويع في الكلية الحربية قد انتهى إلى خواتيمه إذ دُعي مجلس الوزراء، بهيئة تصريف الأعمال، إلى عقد جلسة عند الساعة الثامنة والنصف من صباح الخميس المقبل في السرايا الحكومية، وعلى جدول أعمالها بند وحيد يتعلق بطلب وزارة الدفاع الوطني تطويع تلامذة ضباط في الكلية الحربية ليتم الحاق الناجحين منهم في المباراة التي أجريت تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء 7/8/2023. وهذا الحل تم التوصل إليه بعدما كلّف مجلس الوزراء وزير الثقافة بالقيام بوساطة بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون لإنهاء خلافهما حول هذا الملف، وهذا ما تحقّق فعلاً.
وقال الوزير سليم إن حلّ ملف الحربيّة جاء بعد وساطة من الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري عبر وزير الثقافة محمد مرتضى. وفي هذا الملف، اعتبر سليم أن “قائد الجيش كان قد تخطّى القانون بإجراء مباراة وإصدار نتائج من دون توقيع الوزير، ولكن التسوية جاءت بفتح دورة ثانية وتوسعة العدد الى مئتي طالب للحربيّة”، مضيفاً، “وجّهتُ كتاباً إلى مجلس وزراء وطلبت منه أن نرفع العدد إلى 200 بدلَ أن يكون 173 لفتح فرص أوسع، والتوسعة ليست لإدخال متبارين بالوساطة أو بالمحسوبيات، أنا لا اسمح بهذا، ولو أردنا اعتماد المحسوبيات لكنّا اعتمدناها في كل الارقام”. وقال سليم: “تمّ حلّ موضوع الحربيّة على القاعدة التي أنا وضعتها”.
في غضون ذلك، التقى وفد نواب المعارضة، غسان حاصباني، ميشال الدويهي، أشرف ريفي وبلال الحشيمي أمس في مكتبة مجلس النواب، مع وفد من “كتلة التوافق الوطني” ضم النائبين حسن مراد ومحمد يحي، وجرى البحث في المبادرة التي أطلقها نواب المعارضة بشأن الاستحقاق الرئاسي.
وفي الملف الرئاسي قال رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، “نحن نحاول أن نقوم بواجباتنا في هذا الموضوع، وكمعارضة علينا أن ندفع بالاتجاه الذي يجب أن يكون، ولكننا نعلم أن “حزب الله” لا يريد رئيساً اليوم لأنه لا يريد في ظل هذه المعركة الكبيرة التي يخوضها أن يكون هناك محاور آخر غيره، فإذا كان هناك رئيس سيكون هو المحاور الوحيد و”حزب الله” لا يريد أن يشاركه أحد في هذا التفاوض الذي سيقوم به لمصلحته ومصلحة إيران”.
وأشار الى “أننا اليوم في حالة مقاومة لحالة التعطيل التي يقوم بها “حزب الله” في لبنان من خلال منع الانتخابات الرئاسية وخطف القرار السيادي ومنع الحكومة من القيام بواجبها السيادي والوطني تجاه اللبنانيين عبر المجلس النيابي والاعلام، وعلى المجتمع الدولي أن يعي مسؤولياته تجاه لبنان وأن يضغط على إيران من أجل رفع الضغط على لبنان والسماح للشعب اللبناني أن يعيش الحياة الكريمة ويستعيد عافيته الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية”.
بدورها، “القوات اللبنانية” وفي سياق ردها على “المغالطات التي ينشرها محور الممانعة”، لفتت “الذين يُبدون حرصهم على مبدأ الحوار ويدعون المعارضة إلى القبول بهذا الحوار، إلى أن المعارضة تقدمّت باقتراحين للحوار من دون المس بالدستور، وما على الممانعة سوى أن تختار المقاربة التي تريدها من هاتين المقاربتين”. وقالت “للذين يسألون عن الدوافع وراء رفض طاولة الحوار الرسمية نقول لهم إن الناظم للانتخابات الرئاسية هو الدستور، والخروج عنه مرفوض، والدستور لا ينص على أي طاولة حوار رسمية، بل على العكس يفرض عند شغور سدّة الرئاسة التئام المجلس النيابي فوراً حتى من دون دعوة رئيسه، وممارسة واجبه الانتخابي حتى انتخاب الرئيس العتيد”.