كتب عماد حداد
ما دخل المال مجالاً في لبنان إلا وأفسده، ويبدو أن المنظومة الفاسدة لم تعد تقتصر على السياسيين، بل تخطتهم إلى مواقع كانت تشكّل ضمانة للرأي الحر وانعكاساً جدياً للمزاج العام كي يُبنى على الشيء مقتضاه كما يحدث في سائر الدول والأنظمة حتى تلك المصنّفة من العالم الثالث وما دون.
ضمن هذا السياق تقبع ذليلة بعض شركات الإحصاء سعياً خلف "الفريش" على حساب المصداقية والموضوعية، وطبعاً لا يجوز التعميم هنا، ولكن هناك حدّ أدنى من الحفاظ على السمعة من أجل الإستمرارية وحدّ أقصى من التلاعب في النتائج يمكن للعقل والمنطق أن يستوعبه ويعتبره من ضمن هامش الخطأ، إنما عندما تصل الأمور إلى قلب النتائج رأساً على عقب فهذه إشارة إلى أفول لبنان الذي نعرفه ووصول شيء آخر لا يمكن أن ندعوه وطناً وحتماً ليس لبنان.
أحد الأمثلة عن التلاعب بالأرقام في عملية خداع منظّمة ومدفوعة سلفاً لنتيجة معروفة سلفاً قبل الإستطلاع المفترض أن يكون عشوائياً، طلب مسؤولون من المجتمع المدني من إحدى شركات الإستطلاع إجراء إحصاء في مدينة زحلة بعيداً عن المهنية والإختيار العشوائي للمستطلَعين واللجوء إلى عيّنة مختارة بعناية للوصول إلى نتيجة على طريقة ما يطلبه المستطلِعون.
جرى هذا الإستطلاع في زحلة عبر إحدى الشركات المعروفة بهدف تكبير حجم المجتمع المدني للتأثير على الشخصيات المستقلة التي تهافتت على التحالف مع التيار الوطني الحر خلال انتخابات العام ٢٠١٨ لأسباب عديدة منها مبدئية داعمة للعهد ومنها مصلحية للتقرّب من العهد في بداياته حين كان مجرد التواجد في صورة مشتركة مع "رجال العهد" يُعتَبَر إنجازاً وشهرة، بينما الوضع اليوم أصبح معكوساً تماماً وباتت الشخصيات التي لها حيثيتها تتحاشى العلاقة مع تيار العهد نظراً للمآل الذي وصلت إليه شعبية التيار بعد سلسلة الإخفاقات التي مُني بها وانعكست وبالاً عليه وعلى كل من أيّده في السابق.
هذا التقهقر في التيار الوطني الحر داخل صفوفه وعلى هامشه، إنعكس تلقائياً إلى المعسكر المقابل له حيث تتحصّن "القوات اللبنانية" التي تشير أرقام الإحصاءات في زحلة إلى تقدّمها ورسوخها في زحلة المدينة والقضاء نتيجة وقوفها الدائم في طليعة المدافعين عن مصالح الزحليين وخصوصاً في دعم شركة كهرباء زحلة لناحية تجديد العقد والتظاهر لتأمين المازوت للمولدات.
هذا شعبياً، أما تشريعياً فكان لنائبها القاضي السابق جورج عقيص في تكتل "الجمهورية القوية" صولات وجولات، وشكّل قيمة قانونية وقضائية والإحاطة العميقة بالدستور مكّنته من لعب دوره النيابي التشريعي وردم هوة كان يعاني منها المجلس النيابي طيلة سنوات في غياب هذا المستوى الأكاديمي عن المجلس حتى أطلق عليه أحد زملائه النواب من غير خطه السياسي والسيادي لقب "الصيد الثمين" الذي حظيت به "القوات اللبنانية".
هذا إضافة إلى أن "مربى الأسودي" تختزن تاريخاً بطولياً في خط المواجهة والنضال والعنفوان ينتمي إلى أجيال لا يمكن أن تمثّلها في المدينة إلا القوات اللبنانية.
"المجتمع المدني" من ناحيته، وإدراكاً منه لصحّة الأرقام التي تؤكّد تقدّم القوات في دائرة زحلة، يحاول الإيحاء بمشهد آخر مختلف تماماً لا يمكن أن ينطلي على أبناء المدينة، فطلب لهذه الغاية من إحدى شركات الإحصاء المعروفة إجراء دراسة مدفوعة الأجر بسخاء لتأتي بالنتيجة المتوخاة التي تقول بسقوط الأحزاب عن بكرة أبيها بهدف استقطاب الشخصيات الزحلية المستقلة للدخول في لوائح "المجتمع المدني" الحصان الجامح في الإنتخابات النيابية المقبلة بناءً على دراسات غب الطلب، ونتائج مغلوطة.