جورج العاقوري
لطالما إستفاد محور الممانعة من بعض "الحزازيات" العربية وتحديداً القطَرية مع معظم الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية ليستثمرها سياسياً ومالياً. كما انه راح يعوّل في الآونة الأخيرة بشكل كبير على "التمايز" الاماراتي في كيفية مقاربة الملف السوري والعلاقة مع إيران ليبني عليه تمنياته وهلوساته.
مع إعادة إفتتاح الإمارات سفارتها في دمشق في كانون الاول 2018، سارع "حزب الله" الوكيل الشرعي لمحور الممانعة في لبنان الى التهليل والتطبيل مع قوى "8 آذار" التي يشكل رأسها المحرك بما فيها الرئيس ميشال عون وتياره - وقد تباهى مستشار عون الوزير السابق بيار رفول في مقابلة عبر "صوت المدى" في 21/2/2021 بأن "التيار" وعون" "هما في محور الممانعة والمقاومة الذي ربح". فإعتبروا أن الخطوة إقرار بشرعية الرئيس السوري بشار الاسد في ظل الحرب المندلعة منذ 15/3/2011.
وبالامس القريب مع إستقبال الرئيس السوري بشار الاسد في دمشق وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان في 9/11/2021، علت أهازيج النصر في صفوف قوى "8 آذار" وأعلن السيد نصرالله في 11/11/2021 أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق "تساوي الاعتراف بانتصار الرئيس الأسد على المعارضة المسلحة التي كانت تمولها دول خليجية"، فيما تناسى نصرالله ما اعلنه في 14/8/2020 أن "ما قامت به الإمارات خيانة للأمة وللقضية الفلسطينية وطعنة في الظهر" وذلك عقب تطبيعها مع إسرائيل.
بدوره، عوّل الرئيس عون على قطر علّه يخرق عبرها الموقف الخليجي الحاسم بشأن التعاطي مع لبنان وعدم الاستثمار فيه في ظل هيمنة الدويلة على الدولة. لذا روّجت أوساطه عن وديعة قطرية ستساعد بالخروج من الأزمة المالية متناسية القرار الخليجي، فبقيت هذه الوديعة نسج الخيال. كذلك، مع إنفجار الازمة الشهر الماضي مع الخليج عقب مواقف الوزير جورج قرداحي، سارع أهل السلطة لتسخيفها والترويج ان حلولها بسيطة وأن وزير الخارجية القطري سيزور بيروت في اطار مسعى لرأب الصدع ولم يكن هناك من زيارة.
وبالامس القريب أيضاً، إستفاد عون من فرصة افتتاح فعاليات كأس العرب لكرة القدم - فيفا 2021 في قطر ليزورها في 29/11/2021 معلناً لصحيفة "الراية" القطرية أنه سيدعو الأمير تميم إلى التوجيه للاستثمار في لبنان!!!
لم يقتنع محور الممانعة بتحوّل المشهد الخليجي المشرذم الى جمع الشمل ورص الصفوف والذي توّج في قمة دول مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية في 5/1/2021 التي شهدت عودة قطر وطي صفحة خلافها مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر بعد أكثر من ثلاث سنوات من المقاطعة.
كما عمد محور الممانعة الى إنكار حقيقة النظرة الخليجية الموحدة تجاه لبنان والقائمة بوضوح وفق منطق التعاطي يكون من دولة الى دولة ولبنان دولة مخطوفة من قبل "حزب الله" ودويلته لذا العلاقات شبه مقطوعة إلا بحدها الادنى.
كذلك اخطأ المحور حين توهم أن هذه النظرة غير قائمة بمجرد التمايز بين الدول الخليج في التعاطي مع الاسد من جهة وفتح باب الحوار مع إيران من جهة أخرى. فراح يهلوس ان ذلك هو إقرار بإنتصار محور الممانعة من دمشق الى طهران.
في الايام الأخيرة، تسارعت المواقف الخليجية من لبنان فيما كان "حزب الله" يعوّل على مبادرة مزعومة من الرئيس إيمانويل ماكرون وعلى تمايز إيراني، فكرّت السبحة.
في 4/12/2021، بيان مشترك فرنسي والسعودي في ختام زيارة ماكرون للمملكة يشدّد على "ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقا لأي أعمال ارهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراُ لتجارة المخدرات" وعلى "أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته، بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن (1559) و (1701) و (1680) والقرارات الدولية ذات الصلة".
وفي 7/12/2021، بيان مشترك بين السعودية وسلطنة عمان يشدّد على "أهمية إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية أو اجرامية تزعزع أمن واستقرار المنطقة".
في 8/12/2021 ، بيان مشترك في ختام زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الى الامارات الذي اكد على "ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله الإرهابي، ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم".
إنها الضربة القاضية لمنطق "حزب الله" و"العهد" وكل من يدور في فلكهما من قوى "8 آذار" وها هي الإمارات تربكها وتبدّد هلوساتها، فتكرّس دول الخليج معادلة دولتية قوامها تفعيل العلاقة مع لبنان مرتبط بتحرره من قبضة "حزب الله" وتثبت ان اي علاقة مع إيران ستكون محصورة فيها ومشروطة بفصلها عن ملفات التعاطي مع اذرعها في الدول العربية.