تعيش الجمهورية الإسلامية في إيران مرحلة مصيرية في الداخل، حيث الشعب اإيراني الذي عانى مما عناه على امتداد سنوات الحصار الدولي لم يعد قادراً على احتمال القهر والظلم، وقد سقطت مهسا أميني لتطلق كما البو عزيزي في تونس شرارة بداية الربيع الإيراني.
الوضع اإيراني بتشعباته اإقليمية والدولية مرشح للتفجّر وتفجير المحاور التي تتبع طهران على امتداد المنطقة وشرق آسيا، وقد اشتدت عوامل التفجير المحاصرة سواء مع باكستان أو أذربيدجان أو أرمينيا أو تركيا أو العمق الاذري والعربي من داخل إيران كما خارجها.منذ أيام دخلت اأحواز الثورة أو اﻻنتفاضة الشعبية في إيران بعدما جففت السلطات الإيرانية الأنهار الأحوازية وقمعت الأحوازيين في أكثر من مناسبة.بلوشستان على الحدود الأفغانية - الباكستانية شرق إيران، وكذلك كردستان على الحدود العراقية جنوب غرب إيران مناطق محررة من الجيش الإيراني، وهما منطقتين سنيتين يدخل الجيش الإيراني اليها نهاراً وينسحب بالليل تجنباً للهجمات التي تتعرض لها القوات الإيرانية وذلك منذ سنوات، تماماً كما كان الحال في قطاع غزة بين العامين ١٩٤٨ و١٩٦٧ أي ١٩ عاماً كان قطاع غزة محرراً في الليل ومحتلاً في النهار.ففي كردستان- العراق كما في بلوشستان الحال مشابهة.في بلوشستان، قررت السلطات الإيرانية إقتحامها بالنهار فدخلت بآلياتها واستفزت الناس وحصلت صدامات، ما أدى الى وقوع عدد من القتلى والجرحى.
بالمقابل وفي معلومات خاصة، يبدو أن القوات الإيرانية تحتشد على الحدود مع أفغانستان بهدف دعم البلوش المعنوي في أفغانستان.
يناهز عدد البلوش في إيران ٥ ملايين ولكنهم شكلوا بالنسبة لطهران مصدر تهديد وقلق،وقد أدت الصدامات منذ أيام الى استخدام إيران المدافع والطائرات في سماء بلوشستان لمواجهة مجموعات مسلحة تتنقل بين أيران وأفغانستان. الوضع في بلوشستان اذاً مرشح أن يتدهور أكثر فأكثر ولمزيد من التصعيد ضد النظام الإيراني، خاصة بعدما اعتقل أئمة مساجد وعلماء دين ما يُنذر بحرب بين السلطات الإيرانية والشعب البلوشي وقبائله.في كردستان الوضع ﻻ يختلف كثيراً، ﻻ بل الوضع هناك أكثر تعقيداً لأن المنطقة أكبر مساحة بكثير مع حوالي ١٥ عشر مليون كردي من السنة باستثناء كرمنشاه الشيعية فيما باقي المناطق يسكنها السنّة.
هؤﻻء تاريخياً ضد النظام الإيراني حتى في زمن الشاه، ولطالما شكلوا مصدر قلق للقوات الإيرانية، وقد أعلنت في مدينة سنندج أول دولة كردية في مطلع القرن العشرين، وهي مدينة الشهيدة مهسا أميني التي قتلتها السلطات الإيرانية والتي كانت شرارة الثورة الحالية.ولذلك هم منفتحون على التهريب باتجاه كردستان ولديهم سلاح وفير، وإيران تتجنب الدخول اليها في الليل والحركة حرة بين كردستان- إيران وكردستان- العراق،لذلك قصفت القوات الإيرانية منذ أيام تلك المنطقة بالمدافع والطيران.
تركيا شاركت في قصف المجموعات الكردية التي تنتمي الى حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر تركيا ساحة عملياته.كلٌ من إيران وتركيا يخافان العامل الكردي ما يجعلهما ينسقان عملياتهما ضد الأكراد والأمن المشترك في تلك المنطقة.أميركياً، حصل تطور مهم إزاء الأحداث الدائرة في إيران حيث طالب الكونغرس إدارة الرئيس بايدن باﻻنتقال من الأقوال الى الأفعال لدعم الإنتفاضة في إيران، في ظل غياب مقلق لموقف أميركي صارم على غرار الموقف من روسيا في حرب أوكرانيا، ورغم انحياز إيران لروسيا في حرب أوكرانيا تبقى على ما يبدو إيران بالنسبة للوﻻيات المتحدة حليفاً في المنطقة مهمتها متابعة بث التخريب والفساد والدمار في المنطقة العربية.إيران نجحت في المنطقة حيث فشلت إسرائيل وحيث فشل أيضاً تنظيم الأخوان المسلمين، وبالتالي فإن الرهان الأميركي الديمقراطي لا زال على نظام الملالي الحليف له وللغرب إجماﻻً، ما يفسر تقاعس الغرب عن دعم انتفاضة الإيرانيين في ثورتهم حتى بإمداد الإيرانيين بالإنترنت حيث لم يتم تأمنيه حتى للثوار.
كل اهتمام واشنطن تركز خلال الأيام القليلة الماضية على إطلاق سراح أسرى أميركيين وغربيين مع السلطات الإيرانية، فيما الشعب الإيراني يُضطهد ويُقتل وتُنتهك كرامته في الشوارع الإيرانية طلباً للحرية والكرامة، تماماً كما الشعب السوري الذي عندما انتفض لكرامته ولقمة عيشه إضطهد وسُحق ولم تتحرك واشنطن وعواصم القرار الغربي لإنقاذ الشعب السوري.بإمكان الغرب أن يأمر المرشد خامنئي بالرحيل كما أمر الشاه بالرحيل إن لم يكن بالحسنة فبالقوة، لكن ﻻ يزال الغرب يساند النظام الإيراني.يبقى أن أفضل الحلول لمساعدة الإيرانيين هو حصول اتفاق تركي- سعودي يحرك الأتراك في أذربدجيان، ويحرك العرب والأكراد والبلوش في جنوب إيران إن أرادا التفاهم على التخلص من النظام الإيراني الذي يخرّب مصالح الأتراك كما مصالح الخليج والدول العربية.التدخل العربي الفاعل يجب أن يساهم أيضاً في تسوية النزاع التركي -الكردي تمهيداً لاتفاق على إنجاح الثورة الإيرانية.من الممكن أن تتسلّح الثورة الإيرانية لكن الى اآن ﻻ مؤشرات في ظل استمرار الدعم الغربي لنظام الملالي، وعدم تبلور مشروعٍ معارضٍ للثوار.
اإيران في انهيار بطيء ومتباطىء والبعض يتكلم عن ثورة تشرينية على غرار ثورات وانتفاضات تشرين لبنان والعراق، لكن ثورة إيران بحاجة لدعم خارجي وإﻻ يُخشى أن يكون مصيرها كمصير سابقاتها أو كمصير انتفاضة تشرين اللبنانية والتي انتهت من دون مشروع وطني ثوري .