شهدت الساعات الأخيرة الماضية تقلبات إعلامية وسياسية في موضوع الاتفاق النووي الإيراني، حيث برزت الى الواجهة مواقف إيرانية أوحت للمراقبين بحصول تعقيدات جديدة خصوصاً في ما يتعلق بشرط شطب الحرس الثوري الإيراني من لائحة المنظمات الإرهابية.
وقد تبين منذ أيام أن ثمة وعداً أوروبياً أُعطي للإيرانيين بالسماح للشركات الأجنبية الأوروبية بالتعامل معها ولو بقي الحرس الثوري على قائمة الإرهاب، في ظل تغاضٍ أميركي عن هذا التعامل، الأمر الذي سهّل على إيران عدم التمسك بهذا الشرط والتنازل عنه علنياً.
تطورات الساعات الأخيرة سجلّت عودة مفاجئة للسجال الإيراني- الأميركي حول هذا الشرط، إذ في وقت أعلنت مصادر أميركية أن العودة للاتفاق من عدمه تستوجب سياسات جديدة مع إيران ووصف إدارة الرئيس جو بايدن للبرنامج النووي بغير الداهم، أعلنت مصادر إيرانية مقرّبة من الرئاسة الإيرانية أن طهران لا يمكنها التخلي عن شرط شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.
وتحدثت مصادر أميركية عن وجود 3 سيناريوهات في موضوع الاتفاق :
- الأول : حصول التوقيع وهذا ما كانت إدارة بايدن قد أبلغت إسرائيل بقرب حصوله ما أغضب الإسرائيليين الذين يعتبرون أن الاتفاق أعطى الإيرانيين أكثر بكثير مما أعطاه اتفاق 2015.وفي هذ السياق، أشارت مصادر البيت الأبيض الى أن واشنطن لن تقبل، رغم توقيعها على الاتفاق، بأن تستفيد منه إيران مالياً، فيما الحقيقة هي أن طهران استفادت من 5 ملايين دولار كانت محجوزة لدى كوريا الجنوبية، كما أنها استطاعت الاستفادة من بعض البيوعات النفطية من دون اعتراض أميركي.
- الثاني : هو عدم العودة الى الاتفاق النووي بعد الآن، وقد اعتبرت المصادر الأميركية أن ليس هناك ما يُقلق واشنطن في حال الولوج الى هذا السيناريو.
- الثالث : اللجوء الى القوة العسكرية، وهنا تل أبيب تحبذ هذا الخيار لأن الإسرائيليين لا يرون في الاتفاق الا تقوية لإيران وإعادة إحيائها مالياً واقتصادياً، ما سيؤدي الى زيادة أنشطتها الإرهابية وتقوية ميليشياتها وإطلاقها مجدداً على نطاق واسع لتهديد أمن إسرائيل بالدرجة الأولى.من هنا يمكن فهم التوتر المستجد على خط إسرائيل في ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل والذي يشي باحتمال اندلاع مواجهة مع حزب الله إن أطلق مجدداً مسيّرات على حقل كاريش الذي بدأ العمل فيه.
إيران في موقف تنازلي في هذه الأثناء رغم التصاريح الإعلامية والدعائية، إذ مَن ينظر الى تصاريح المسؤولين الإيرانيين منذ أسابيع والى تصاريحهم الحالية يلاحظ أن إيران انتقلت من تصلّب المواقف حيال خطوطها الحمر الى القبول والتنازل عن تلك الخطوط، وهي تسعى جاهدة الى التوفيق بين : توفير مصلحة الحرس الثوري الإيراني ومؤسساته ومصلحة الدولة في تأمين تصدير 55 مليون برميل نفط وتحرير تجارتها مع الغرب لأنها بحاجة للمال، وهي تعاني اختناقاً اقتصادياً غير مسبوق في الداخل.
إسرائيل متوترة جداً وتضغط في كل الاتجاهات لمنع الأميركيين من توقيع الاتفاق وآخر مساعيها وضغوطها تجلّت باتصال رئيس الوزراء يائير لابيد بالمستشار الألماني أولاف شولتز منذ 4 أيام لثنيه عن المضي في هذا الاتفاق الذي، وبحسب تل أبيب، فيه من التنازلات لإيران ما فاق اتفاق عام 2015. موقع اكسيوس الإخباري المتخصص في الأسرار والتسريبات حول الاتفاق النووي والمفاوضات الجارية نشر منذ يومين خبراً عن حصول تواصل بين الأميركيين والإسرائيليين حيث أبلغ الجانب الأميركي إسرائيل بأن الاتفاق سيوقّع في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل حيث سيتم الإعلان عن العودة الى هذا الاتفاق في هذا التاريخ.
ويُلاحظ أن الإعلام الأميركي بغالبيته يتناول موضوع الاتفاق النووي على قاعدة أنه حاصل وسيمضي قدماً، فصحيفة واشنطن بوست ذكرت أن الغرب كان يعتقد بأن إيران تحتاج الى 12 شهراً لانتاج مليون ونصف مليون برميل نفط في اليوم، الا أن طهران فاجأتهم بانتاجها 3 ملايين وثمنماية برميل في 12 شهر، ما شجع الغرب على التفاؤل من أنه لو عادت إيران عبر الاتفاق النووي سوف تكون منقذة الغرب وأوروبا في حرب الشتاء القارص، خصوصاً وأن الإتحاد الأوروبي لا يزال يستورد الى الآن من روسيا مليون ونصف مليون برميل نفط من روسيا، في ظل قرار أوروبي بالتخلي عن النفط الروسي مع حلول نهاية العام الحالي،وبالتالي في حال توقيع الاتفاق تتحقق للغرب المنافع الآتية :
إخراج المملكة العربية السعودية وأوبيك خارج احتياجات السوق العالمية بحيث تصبح إيران منافسة للمملكة وأوبيك بلاس.
إيران تتقرب من الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق، ما يكرس مبدأ واشنطن في زعزعة التحالف الثلاثي الروسي -الإيراني- الصيني وفقاً للتوجه الجيو سياسي والجيو استراتيجي لواشنطن في مواجهة القوتين الروسية والصينية وإضعاف محورهما.
فصل إيران عن روسيا يضمن للأميركيين عدم تأثر البيترو دولار بتخلي الدوليتين عن العملة الأميركية لو تحالفاً، كما أن لإيران مخزون ضخم من النفط والغاز، فلو عادت للسوق العالمية ستفيد الأميركيين والغرب وتحديداً أوروبا الباحثة عن باب خلاص لها من صقيع الشتاء.
كما أن المشاريع الإستثمارية داخل إيران تفتح أمام الشركات والإستثمارات الغربية جنة إستثمارات وأرباح في ظل اقتصاد متهالك بحاجة لإعادة إحياء وبناء، مع ما يقدمه ذلك من مجالات استثمار ضخمة خاصة وأن إيران تعيش ركوداً اقتصادياً كبيراً، فدخول الغرب السوق الإيرانية سيخرج حتما الصين وروسيا وهذا هو الهدف الأميركي الآخر من الاتفاق النووي رغم الإتفاقات التي أبرمتها طهران مع الصين وروسيا والتي جاءت أثناء العقوبات فيما بعد العقوبات تصبح إيران منفتحة كلياً للأسواق الغربية والعالمية ولا تعود محصورة في بلدين فقط وأسواقهما.
وهكذا تصبح إيران مصدر تدفق أرباح للغرب وأموال، ناهيك عن هبوط سعر برميل النفط الى أقل من 80 $ ما سيضرب أيضا مبيعات روسيا للهند والصين اللتين ستفضلان عندها الولوج الى السوق العالمية في مشترياتهما من النفط.
هكذا نرى أن الاعتبارات الاقتصادية الداهمة والأهداف الأميركية الكبرى في صراعها من الروس والصين وراء التسريع في إبرام الاتفاق النووي حيث يجد كل طرف في هذا الاتفاق مصلحته الآنية والمستقبلية من دون مراعاة، لا للعلاقات مع إسرائيل ولا مع الحلفاء العرب التقليديين، لا سيما الخليجيين، ولا لروسيا ولا للصين من جانب إيران المتعطشة للتوقيع وفتح أبواب التجارة والإستثمارات مع الغرب.
الأكيد في المعلومات أيضاً أن إسرائيل ستلعب ورقتها الأخيرة في حال فشلت في إقناع الرئيس بايدن وفريقه بعدم التوقيع وهذه الورقة هي التوجه نحو الكونغرس الأميركي لإقناعه عبر ممارستها أقوى الضغوط وأقساها على النواب والشيوخ الأميركيين من خلال اللوبي الصهيوني، وربما اللوبي العربي الخليجي أيضاً طالما أن المصيبة تجمع.
والأكيد أنه لولا الأزمة العالمية ولا سيما الأوروبية حول الطاقة ومتطلبات الحرب الأميركية على روسيا والصين لما كُتب لاتفاق نووي سيء للمنطقة أن يولد من جديد من رحم الحسابات والتغييرات الداهمة.
هي ولادة قيصرية آمل أن لا نكون كعرب ساهمنا من حيث نريد أو لا نريد في تسريع خطواتها.