“الاشتراكي” والوزارة: بين الحسد والسند

jumblatt speech

كتب آلان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”: التقطت الحكومة الأولى الصورة التذكارية. ولم يدخل عهد رئيس الجمهوريّة جوزاف عون مرحلة التعطيل والاستنزاف. وتأتي مرحلة البيان الوزاري ونيل الثقة كمحطة أخيرة قبل انطلاق العمل الوزاري.

تألفت الحكومة التي تضمّ 24 وزيراً بعد ضغط أميركي واضح. ودخل لبنان مرحلة جديدة بعد زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس لبنان ووضعها النقاط على الحروف. وكان الحزب التقدمي الاشتراكي الصامت الأكبر في مرحلة التأليف والداعي إلى تسهيل عمل الرئيس نواف سلام.

نال “الاشتراكي” ما يحلو له من حقائب. عادت وزارة الزراعة إلى حصته، ومعها وزارة الأشغال العامة والنقل. حزب القوات اللبنانية كان يطالب بحقيبة الأشغال، لكن الرئيس المكلّف وجد صعوبة في منح “القوات” هذه الحقيبة مباشرةً بعدما كانت من حصة حزب الله، ففضّل مرورها بمرحلة انتقالية.

ويُعرف عن النائب السابق وليد جنبلاط اهتمامه بالطبيعة والأرض والثروة الحرجية، وهو المهتم بتأمين حدّ أدنى من الاكتفاء الذاتي في الجبل، ودعا أهله في أول الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان إلى العودة إلى الأرض والزراعة وتأمين موارد لأنه كان يعرف أننا سندخل النفق الأسود. لذلك، كان مرحباً بالوزارة التي شغلها وزراء سابقون من صفّه وأبرزهم النائب أكرم شهيب.

حُسد جنبلاط على تجاوب طابخي تأليف الحكومة معه، فمن البداية عرف ماذا يريد ولم يواجه صعوبات في نيل مطالبه. لم يُتعب نفسه في طلب حقيبة سيادية للدروز. يعلم جيداً أنه لا مكان لطائفته ضمن صراع ديوك الطوائف الكبرى على الحقائب السيادية، لذلك فضّل الذهاب إلى الحقائب الدسمة خدماتياً، بدل الدخول في معارك جانبية لن توصل إلى أي نتيجة.

إذا كانت عملية توزيع الحقائب انتهت، فهذا لا يعني نهاية التحديات الكبيرة. فالحكومة أمام مطبات عدّة، والملفات المطروحة كلها مدججة بصواعق التفجير. كان “الاشتراكي” رأس حربة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة العام 2005 ضد سلاح “الحزب” والنفوذ الإيراني، وإذا كان وجد من يخوض الحرب عنه في حكومة سلام 2025، فلماذا يدخل في معارك طاحنة؟ فجنبلاط سيكون في المرحلة المقبلة رأس حربة الإسناد للقوى والأحزاب التي قرّرت إنجاز ما عجزت عنه قوى 14 آذار.

يمدّ جنبلاط يده إلى الطائفة الشيعية ويحاول احتضانها، ويبقي على علاقات متينة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ولن يدخل في سياسة الأحلاف. صحيح، أن برّي حليفه الأول، لكن هذا لا يعني إبرام تحالف داخل الحكومة. فوزراء “الاشتراكي” مع الجبهة السيادية ولن يكونوا في مرمى الغضب الأميركي والسعودي والاصطفاف إلى جانب محور انهزم ولم يعد قادراً على النهوض من جديد.

ستكون درب الحكومة مليئة بالمطبات. لكن المؤكّد حتى هذه اللحظة، أن جنبلاط القارئ للسياسة الإقليمية والدولية، يرسم سياسة خاصة به. ولن تكون هذه السياسة بعيدة عن مجموعة من الأسس.

تنطلق السياسة الجديدة من دعم العهد الجديد والتحالف معه. صحيح، أن البيت الجنبلاطي لا يحبذ العسكر لكن الوضع مع الرئيس عون مختلف تماماً لأنه يعرف مدى الدعم العربي والدولي له.

النقطة الثانية، هي العمل من ضمن الحكومة بما يتناسب مع المرحلة الجديدة في لبنان. وسيسعى جنبلاط إلى حماية حيثيته من خلال التعيينات الإدارية والعمل الوزاري والمؤسساتي.

دخل لبنان مرحلة تطبيق القرارات الدولية، لذلك لن يحيد “الاشتراكي” عن هذا الخط، فلا يمكن للبنان البلد المنهار والمدمّر قسم كبير منه مواجهة الرياح الإقليمية والدولية. وإذا كان الوجود والدور هو الهاجس الأكبر للمختارة، تبقى الأنظار الجنبلاطية شاخصة نحو سوريا حيث حصل فيها الانقلاب الكبير الذي أطاح بالأسد وبدّل سياسة المنطقة ولبنان من ضمنها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: