الاقتداء بمقاربة البطريرك صفير لنظام الاسد

IMG-20230511-WA0100

4 سنوات مضت على رحيل بطريرك “الاستقلال الثاني” مار نصرالله بطرس صفير في صبيحة ذاك الاحد في 12/5/2019، إلا أنه بقي ملهماً لنا ولكثر في يومياتنا وتساؤلاتنا وخياراتنا ومواقفنا بمواقفه وحكمته وصلبته وبعد رؤيته… رحل لكنّ لحضوره وقع أكثر بكثير من حاضرين رُحَّل بمواقفهم وخياراتهم…

رحل من إستشرف “الزمن البائس الرديء” منذ 24/9/2011 ولكن ربما لم يتوقع أن يبلغ هذا البؤس ما نعيشه اليوم من إنهيار إقتصادي ومالي وإجتماعي ومؤسساتي غير مسبوق ومن قحط وطني وأخلاقي وتنصّل من تحمّل المسؤوليات.

يوم غطى إتفاق “الطائف” مسيحياً مع “القوات اللبنانية” عام 1989، أخذ البطريرك بصدره سهام التخوين بحثاً عن سلام بعد حرب إستُنزفت في نهايتها بمغامرات عبثية. إلا إن هذا السلام تحوّل الى إستسلام كثر أمام الانقلاب على “الطائف” وتنصل العالم العربي والمجتمع الدولي من الضمانات وإستبدالها بتفويض لحافظ الاسد بإحتلال لبنان.

لم ييأس، فحمل صليب الوطن على رجاء السيادة وكانت ثورة الارز وجلاء جيش الاسد في 26/5/ 2005. جلاء لم يكتمل لأن كثراً في الداخل لم يتحرّروا من عمالتهم وآخرين وقعوا أسرى توهّمهم إمكان إستيعب “حزب الله” وأخواته من قوى “8 آذار” او ما عرف بـ “شكراً سوريا”.

لم يسكر حينها باللحظة، بل شدّد أن “المسألة كلها ليست مسألة اعادة انتشار فحسب انما ان تكون العلاقة سوية بين البلدين ووجود الجيش هو اداة لتسهيل التدخل السوري في الشؤون الداخلية”. هذا الحذر كان نابعاً من خلاصة توصّل اليها بالممارسة وأعلنها سابقاً بأن “ليس لسوريا في لبنان حلفاء بل عملاء”. هو القائل: “خروج السوريين من لبنان أبقى على نفوذهم نتيجة تقيد البعض بوصايتهم، ولكن النضال يجب ان يستمر من اجل قيام الدولة”.

لم تنطلق مواقفه من أي حقد أو ضغينة أو إستعلاء أو “شوفة حال” لبنانية بحق السوريين بل من مصلحة لبنان التي تقضي بحسب قوله في 14/4/2001 “بأن يكون على أوثق علاقة مع جارته الأقرب إليه وهي سوريا على شرط أن يقوم بين الدولتين تنسيق وانسجام والتزام صادق بالمواثيق ومنها اتفاق الطائف… إن التدخلات السورية تعود بالضرر على لبنان”. لقد كرّر مراراَ “نحن دائما على صلة وثيقة مع جيراننا، وبخاصة مع جارنا الاقرب. ولكن كل في داره، وفقا لما يقول المثل: يا جاري انت بدارك، وانا بداري”.

اليوم مع الانفتاح العربي على سوريا وعودتها الى جامعة الدول العربية، كثر من اللبنانيين أربكوا في كيفية مقاربة الامر. أخرون دعوا الى الهرولة نحو الشام بلا اي شرط وغيرهم يسأل كيف لنا أن نقف أمام هذا الواقع الجديد والاحتضان العربي لدمشق؟!

فيا ليتنا نقتدي بمقاربة البطريرك صفير لنظام الاسد وعدم خوفه من قول “لا” ولو وحيداً في زمن تسليم المجتمعين العربي والدولي لبنان لوصاية الاسد. لنتذكر كيف أنه رفض بدماسة مواكبة البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى سوريا في أيار 2001 رغم كل الضغوط التي مورست عليه وأعلنها جهاراً “لا أزور سوريا إلا ورعيتي معي، زيارتي لن تكون رعوية وستأخذ الطابع السياسي”. كما كرّر الموقف لقداسة البابا قائلاً: “أذهب الى دمشق مع طائفتي، وأعود منها مع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، فإذا كانت لدى قداستك ضمانات بتلبية مطالبي فأنا سأرافقك الى دمشق”.

أوليس هو القائل عندما أراد احد الصحافيين في مطار رفيق الحريري الدولي إحراجه بسؤاله يوم كان متوجها الى روما عن عدم مرافقة قداسة البابا الى قصر المهاجرين مقر الرئيس السوري بشار الاسد، فأجاب بسؤال ذكي جداً مع بسمة لا تخلو من الجدية: “وأين يقع قصر المهاجرين؟” بعدما كرّر مراراً “أذهب إلى الشام بعد أن تذهب الشام من لبنان…”.

لذا قبل الهرولة، أي علاقة جدية مع سوريا وقوامها الندّية السيادية لا التبعية يجب ان تنطلق من عودة النازحين السوريين الى بلدهم، من معرفة مصير المعتلقين، من تسليم المتورطين بتفجير مسجدي “التقوى والسلام”، من ترسيم الحدود وضبطها… ولنرددّ مع البطريرك صفير “لقد قلنا ما قلناه”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: