"البلد ليس مفلساً".. جابر: لن نبيع أملاك الدولة

yassine jaber 1

يرتقب أن تشهد نهاية الشهر الحالي، الانطلاقة الفعلية لمسار استعادة الانتظام المالي في لبنان، بإقرار مشروع قانون "إعادة تنظيم القطاع المصرفي" من قبل الهيئة العامة في مجلس النواب، لينضم إلى قانون "رفع السرية المصرفية" المنجز في مهمة إزالة مجمل العوائق أو الذرائع التي تؤخر الإعداد المنشود لمشروع قانون "الفجوة" التي أوقعت البلد واقتصاده وقطاعه المالي في سلسلة أزمات حادة تسببت بانهيارات تاريخية نقدياً ومالياً ومعيشياً.

ولا يجد وزير المال ياسين جابر، في حديث صحفي، أي مبرر لمزيد من التأخير، بعدما أنجزت الحكومة مهمة التنظيم الإداري لمواقع القرار والمسؤولية في مكونات السلطة النقدية، كونها المولجة وذات الصلاحيات بمهام حيوية تشمل التحقّق من وضعية الوحدات المصرفية وإعداد مجمل البيانات والإحصاءات المطلوبة، بما يشمل تصنيفات المودعين، تمهيداً لوضع مقاربات تشاركية وقانونية، تفضي إلى التشريع الناجز لتوزيع الأحمال المقدرة أساساً بنحو 73 مليار دولار.

ويشكّل تحديد مسار الإصلاح المصرفي والمالي، الاختبار الأصعب في حزمة الإصلاحات الهيكلية والبنيوية الشاملة التي تعهّدت حكومة الرئيس نوّاف سلام، بالتصدي لموجباتها، بالتلازم مع أولوية المضي في مواكبة مقتضيات المسار السياسي الأشد وطأة وتعقيداً، والذي يتمثل في إنهاء الاعتداءات الإسرائيلية اليوميّة وتحقيق هدف "حصرية السلاح" لدى القوى العسكرية الشرعية حصراً.

ووفق جابر، تقضي المسؤولية بتكثيف المبادرات الفعّالة على المسارين معاً، من دون تريث أو انتظار وقائع مستجدة، بل ويتوجب الخروج تماماً من حالة الانكار التي تمدّدت طويلاً، بعدما استهلك الكثير من الوقت، في اعتماد سياسات المماطلة والمعالجات الجزئية لأزمة عميقة وغير مسبوقة نسفت مجمل الركائز الاقتصادية والمالية للبلد وقطاعاته ومواطنيه، كما أحدثت ضرراً بالغاً في منظومة علاقاته العربية والدولية، وتكاد تنذر بالقيادة إلى اللائحة السوداء بعد الرمادية في التصنيفات السيادية التي تصدرها المجموعات والهيئات ذات الاختصاص على المستويين الإقليمي والدولي.

بحسب الوزير، إن هذه العوامل وسواها من المحفزات المتصلة حكماً بأهمية إعادة تقييم الحسابات والأصول لدى الدولة والبنك المركزي والقطاع المصرفي، وفك جدلية ترابط أرقام الفجوة بين الثلاثي بغية جدولة الحقوق المتوجبة لصالح المودعين، تمنح الأفضلية الصريحة، للإجابة عن الأسئلة الحائرة في الداخل والخارج بما يخص محطات خريطة الطريق إلى التعافي، وتبديد الشكوك بشأن استهداف طرف بعينه وتحميله أوزار الخسائر قبل أو بعد التدقيق بمجمل الأرقام، شارحاً أن هذه مهمات تتولاها حاكمية البنك المركزي، وستتوسع بعد إقرار القانون، من خلال الصلاحيات الخاصة بفريقي المجلس المركزي ولجنة الرقابة على المصارف.

أما عن مسؤولية الدولة واستجرارها للتمويل من ميزانية البنك المركزي، بما يشمل توظيفات عائدة للبنوك من مدخرات المودعين، فأكد وزير المال أن القانون المنشود سيحدّد المسؤوليات بوضوح، ضمن معطيات توفر الإمكانات في كل مرحلة.

وقال: "نحن في خضم معالجة فجوة تتعدى ضعفي الناتج المحلي، وفي ظل أوضاع سيادية بالغة التعقيد، بينما نهتم في الوقت عينه، بتحضير ملف التفاوض مع حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز). وهذه مشكلة لا تقل أهمية كونها تؤثر في مساعينا لتنشيط التواصل الضروري مع الأسواق المالية الدولية".

وعن سؤاله عن إمكانية الدولة توجيه جزء من موارد الخزينة للمساهمة في المعالجات المالية وتسريعها، أجاب: "واقع الحال حالياً أن إيرادات الخزينة لا تسمح بتخصيص أي إنفاق إضافي خارج مصروفات الدولة بحدودها المتدنية، وضخ الرواتب للقطاع العام، والحد الأدنى أيضاً من المساعدات الاجتماعية والإنفاق الاستثماري. لكننا نسعى، وضمن قانون موازنة العام المقبل، إلى تحسين هذه الإيرادات عبر مصدرين أساسيين: الأول ضبط الإيرادات الجمركية من خلال التدقيق في الواردات، وتفعيل أجهزة الكشف (السكانر). والثاني مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية المعتمدة على التقنيات الحديثة، فضلاً عن اعتماد الرقمنة ومواكبة التطور، للحد من البيروقراطية وتسريع المعاملات وتعزيز الشفافية."

أضاف: "نعمل بزخم على مجموعة من الإصلاحات المالية الأساسية تستهدف الاستخدام الأمثل للموارد العامة وتوجيهها نحو الأولويات التنموية الملحّة. ونتطلع إلى تضمين جزء منها في مشروع موازنة 2026. كما طلبت من الوزارات المساهمة في إعداد الإطار المالي للخطط الإصلاحية والرؤية الاستراتيجية متوسطة الأجل للفترة الممتدة من 2026 إلى 2029، بهدف مواءمة السياسات الإصلاحية مع التخطيط المالي والنقدي، وتعزيز الانسجام بين الأولويات الوطنية وتخصيص الموارد بطريقة فعّالة ومستدامة. وبذلك يرتكز على مقاربة تشاورية بين مختلف الجهات الحكومية، مع مراعاة السياق الاقتصادي العام، بما يشمل النمو، والتضخم، وميزان المدفوعات، والسياسات النقدية، لا سيما فيما يتعلق بسعر الصرف."

كما اردف: "يمكننا التأكيد بأن الدولة تعاني فعلياً من اختناقات حادة في وفرة وتدفقات السيولة. وهذا ما يحفزنا أكثر لتسريع مخططات إعادة هيكلة المالية العامة والدين العام والموازنة، وسد منافذ الهدر، وتوسيع دائرة مكافحة الفساد المستشري في القطاع العام".

ضمن هذا الإطار أشار قائلاً: "البلد ليس مفلساً، كما أكد رئيسا الجمهورية والحكومة في مناسبات متعددة، ولذا يتوجب إجراء جرد كامل لكل الأصول العامة، ليس بغية بيع أملاك الدولة الخصوصية، بل حسن إدارتها واستثمارها بشكل فعّال بما يعود بالنفع على المالية العامة والاقتصاد الوطني".

وتأسيساً على هذه القناعة الجامعة على مستويات إدارة الدولة تنفيذياً وتشريعياً، يجد وزير المال أن الأولويات متوازية في الأهمية وتحظى بترتيب أفقي أمام الحكومة عموماً ووزارة المال خصوصاً. لذا، فإن الشروع باستعادة الانتظام المالي تحت سقوف تشريعية واضحة ومتينة، لا يتيح أبداً إغفال أو إبطاء الموجبات المسبقة واللاحقة في معالجات الترهل المشهود لمؤسسات الدولة والقطاع العام وعجوزات الموازنة العامة وتفشي الفساد والتهرّب الضريبي والهدر الموثّق في موارد الخزينة ومصروفاتها، بحسب جابر.

جابر رأى أيضاً: "بالإمكان حقاً وواجباً تحقيق اختراقات نوعية تثبت التزاماتنا في خطاب القسم الرئاسي وبيان الثقة الحكومي، باعتماد مستدام لمنهجية الإصلاح، توخياً لتحقيق مصالحنا أولاً، واستجابة لمطالب الأشقاء والمجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، الذين لن يترددوا في معاونتنا للتقدم في المسارين السياسي والاقتصادي على السواء».

كما خلص وزير المال إلى تأكيد أن الحكومة التزمت بتحويل لبنان من اقتصاد استهلاكي قائم على الدين، إلى اقتصاد إنتاجي يرتكز على مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأنها تواصل تعيين الهيئات الناظمة في قطاعات مهمة وجاذبة للاستثمارات، مما سيفتح الآفاق أمام شراكات استراتيجية، وليس البيع تكراراً، تضمن تحسين جودة الخدمات الأساسية بكلفة عادلة، وخصوصاً في ميادين الكهرباء والاتصالات والمرافق الجوية والبحرية والأملاك العقارية وسواها، بالإضافة إلى أهمية الإصلاحات الاقتصادية في تعزيز أطر التعاون مع المؤسسات الدولية، كصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: