الترسيم البحري وإشكالية السلاح

Doc-P-671524-637165720550790308

بقلم عبدو راجحة

بعيدًا عن الضجيج والاحتفالات والانجازات الوهمية التي يطلقها نابشو الفضلات في موضوع الترسيم البحري ، وفي ظل هذا الكم الكبير من الخطابات الرنانة والتعابير الاستعطافية التي تطلق لتوجيه الرأي العام و لإلهائه عن واقعه الاقتصادي والاجتماعي، بهدف إيهامه بواقع جديد يكون عبارة عن مخدر لتمرير بعض المصالح المالية والسياسية، من وراء ظهر الشعب دون حسيب أو رقيب، يجب الإضاءة على بعض النقاط المهمة والتي تعتبر من البديهيات في الواقع السياسي. الموقف من الترسيم وإيجابيات أو حسنات الترسيم، ومدى استفادة الدولة والشعب والأجيال القادمة بحث آخر، لأن ذلك بعيد المدى مرتبط باحتمالات عديدة ،الأهم الآن معالجة موضوع المقاومة والسلاح والدويلة التي انتهى سبب وجودها، مع ابرام الترسيم البحري مع إسرائيل. أليس ترسيم الحدود مع إسرائيل اعترافاً بوجودها كدولة لها حقوقها؟ ألا يعتبر الترسيم تطبيعاً تجارياً واقتصادياً مع إسرائيل؟

من المسلّمات أن ترسيم الحدود ما كان ليحصل لولا ضغط الإدارة الأميركية الكبير، ولو لم يعطِ حزب الله الضوء الأخضر وهذا يدل على “براغماتية” الحزب في التعاطي، بالأخص في ظل استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، وحاجة الغرب الملّحة إلى الغاز، وتحديدًا أوروبا من ميل، ومن ميل ثانٍ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها لبنان، والتي يلوم فيها الشعب اللبناني بغالبيته حزب الله وفريقه السياسي بتسببها. لكن لإعطاء الضوء الأخضر من قبل الحزب دلالة ثانية، مفادها بأن الشعارات والحملات التي أطلقها حزب الله على مرّ السنوات، لإعطاء شرعية للسلاح غير الشرعي، هي عكس أفعاله ومناوراته السياسية، إذا عدنا إلى يوم القدس العالمي في ٢٢ أيار ٢٠٢٠ يقول السيد حسن نصرالله في خطابه “لا يحق لأحد منح أي جزء من فلسطين لغير أهلها” يعود ويتابع “فلسطين من البحر إلى النهر ملك الشعب الفلسطيني، ويجب أن تعود إليه ونحن سنصلي بالقدس ونحن اليوم أقرب ما نكون إلى تحريرها”. كما يستطرد بالقول “إن الحق لا يسقط بتقادم الزمن وما أخذ بالسرقة والإغتصاب لا يصبح شرعيًا ولو اعترف به كل العالم”.

أين ذهبت هذه الشعارات الرنانة التي أوهمت الكثير من اللبنانيين، وعيّشتهم في نشوة القوة والانتصار المزيف؟، إن موافقة حزب الله على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، هي بحد ذاتها منح جزء من فلسطين لغير أهله، وهي سلب البحر والنهر من الشعب الفلسطيني، والصلاة في القدس شعار للشراء والبيع وأبعد من ذلك، هو اعتراف بشرعية ما أخذ بالسرقة والإغتصاب. ادعاءات السيد حسن الباطلة لم تتوقف يومًا، فإذا عدنا بضعة أشهر الى الوراء أي عندما كان الترسيم البحري قيد الإنجاز، أطل السيد حسن في٢٩ نيسان ٢٠٢٢ على اللبنانيين من جديد، واستفاض في موضوع تحرير القدس والصلاة فيها ، مشددًا على إن إيران قد تضرب اسرائيل مباشرة، وإن “تحرير فلسطين يحتاج إلى استشهاديين يسلبون الإسرائيليين أمنهم”. في الحقيقة أن الترسيم البحري وتسهيل عملية إستخراج النفط والغاز من قبل إسرائيل، ليس إلّا تعزيزاً لأمنها واقتصادها واستقرارها.كيف يسمح السيّد حسن لنفسه أن يطلب من شعبه وناسه ومن الفلسطينيين أن يستشهدوا، وأن يضحّوا في أنفسهم ليعود ويساوم على دمائهم ويبايع قضيتهم؟

بعد البحث والتدقيق، ما من حقيقة وتبقى مخفية وما من ظالم إلّا ويُفضح أمره، ويُخرح من التاريخ ولو بعد حين، أوهام تحرير القدس والصلاة فيها، وإزالة إسرائيل عن الوجود، ومقاومة العدو والصمود في وجه الشيطان الأكبر كلها أصبحت منتهية الصلاحية.

اذًاً هذه المقاومة أصبحت في وجه من؟ على الأرجح هي مقاومة في وجه الشعب اللبناني، وفي وجه قيام الدولة وتحقيق الاستقرار والازدهار والعيش الكريم. لقد انتفت حجة وجود السلاح الخارج عن الشرعية، ومع سقوط سبب وجود المقاومة بعد الاعتراف بإسرائيل و بحقوقها، حان الوقت لتطبيق الدستور بحذافيره، وتطبيق القرارات الدولية ١٥٥٩ ١٧٠١ و ١٦٨٠، وحان الوقت لعودة الحزب إلى كنف الدولة، فوجوده بشكله الحالي لا يسبّب إلّا بأضرار كبيرة للدولة اللبنانية، ولمستقبل ومصالح الشعب اللبناني، ولا يعتبر إلّا ميليشيا معتدية على القانون والدستور. عسى على الشعب اللبناني أن يرى الأمور بمنظورها الموضوعي الحقيقي، ويتعظ من الأحداث كي لا يكون ضحكة شعارات وهمية، تطلق من هنا ومن هناك وينتهي به المطاف مغرّبا وعاجزا عن استرجاع حقوقه، نتيجة موازين قوى إقليمية ومصالح ومشاريع سياسية عابرة للدول.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: