التقلبات الاستراتيجية في أوراق المنطقة على نار أميركية

علم_أمريكا__ألوانه_ومعانيها،_وسبب_اختيار_هذا_الشكل_له

بدأ العراق الخروج من العباءة الإيرانية على يد الشيعية العراقية المتمثّلة بمقتدى الصدر، فيما إيران ترتضي التنازل عن العراق في سبيل الحفاظ على نظامها.

بالأمس، قاد مقتدى الصدر صلاة جماعية حاشدة في بغداد، مثبّتاً موقفه الرافض بعد اليوم للدور الإيراني في العراق، وقد نجح في نيل تأييد كل الأحزاب غير الإيرانية، ما أعطى لانتفاضته الزخم الوطني والبعد القومي العراقي.هذا التطور العراقي المتصاعد ضد إيران يتزامن مع بدء واشنطن في تنفيذ خطتي إلتفاف :

- الأولى خطة الإلتفاف على قمة جدّة، وتحديداً على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بعدما رفضتا الإنصياع لتعليمات واشنطن في موضوع زيادة إنتاج النفط لضرب روسيا، والإنضمام الى التحالف الغربي ضد موسكو، ما دفعها الى إحياء ورقة المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا بغض النظر عن رأي العرب وتحديداً الخليجيين.

- الثانية خطة إرباك دول المحور الشرقي وإشغالها بمشاكلها الإقليمية : فروسيا متورطة في أوكرانيا ومع الأوروبيين، وإيران متورطة في المنطقة مع العرب والخليجيين من بوابة العراق، والصين متورطة في تايوان وبحر الصين والمحيط الهادي، فيما واشنطن أبلغت بيجين أنها وحلفائها من مجموعة أوكوس ( أوستراليا - بريطانيا - أميركا) والناتو على أهبة الإستعداد لردع الصين إن هي تجاوزت الخطوط الحمر، وقد تدخّل الناتو بالأمس ولأول مرة في الازمة التايوانية ببيان لرئيسه موجهٍ الى الصين مفاده بأن ما يحصل في مضيق تايوان هو أمر غير مقبول ومقلق، بحيث يمكننا الإستقراء بأن الاستراتيجية الأميركية تؤكد ثابتة مفادها أنه ممنوع على تلك الدول الثلاث أن تصل الى مرتبة القوى العظمى طالما الولايات المتحدة موجودة، فالمسموح في الفكر الأميركي أن تبقى هذه الدول دولاً إقليميةً مؤثرةً في محيطها ولو كان لديها عضوية دائمة في مجلس الأمن وحق الفيتو، إلا أن المطلوب وفق استراتيجية واشنطن إبقاء تلك الدول تحت سقف واشنطن وما دون مستوى الولايات المتحدة الأميركية.

من هنا يمكن فهم الاستراتيجية الأميركية- الإسرائيلية تجاه إيران بحيث ليس مسموحاً لإيران أن تمتلك السلاح النووي، ليس خوفاً من طهران بقدر ما هو خوف من العرب والخليجيين تحديداً، إذ في الفلسفة الأميركية- الإسرائيلية ممنوع على الدول العربية وبخاصة المملكة العربية السعودية إمتلاك السلاح النووي الذي يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة الأميركية إن وجدت، ولذا وفي نفس الخط المنطقي فإيران مهمة لاستراتيجية واشنطن الإقليمية في غرب آسيا وشرقها ولكن ليس الى حد امتلاكها السلاح النووي، لأن التفوق النووي الإقليمي مطلوب فقط لإسرائيل.إحياء مفاوضات فيينا ردة فعل واضحة على فشل واشنطن في تطويع الدول العربية لسياساتها، وقد أدرك البيت الأبيض والرئيس بايدن بالذات أنه لم يعد أمام "دول تابعة" كما كان العقل الأميركي التقليدي يعتقد طوال عقود، بل أمام دول سيادية في مواقفها ومستقلة في رسم سياساتها الإقليمية والدولية، وهذا ما كنا قد أشرنا اليه أكثر من مرة في تناولنا ظروف إنعقاد قمة جدّة الأخيرة وتداعياتها، وزيارة الرئيس جو بايدن الى المنطقة.

واشنطن إتخذت قرارها بمنع قيام أو عودة الإمبراطوريات، وطبعاً لتبقى هي المسيطرة على قواعد اللعبة في مناطق العالم الحساسة، ومنع قيام الإمبراطوريات يعني اعتماد أسلوب زعزعة إستقرار "الدول المتطاولة" وزرع القلاقل بينها واستفراد بعضها على حساب البعض الآخر، وصولاً الى تفكيك المحور الثلاثي ومحاصرة الدول العربية والخليجية لاحقاً بجعلها الخيار الوحيد المتاح.هذا التوجه الأميركي بالذات هو الذي يفسّر الزيارة الإستفزازية لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الأخيرة لتايوان، كما يفسّر رباطة الجأش الأميركية تجاه ردود فعل الصينيين الذين يزبدون ويرعدون ويلعنون ويحتجون ويرفضون ويعسكرون ويناورون ويطلقون صواريخ، بعد أن نفذت بيلوسي وعدها وأثبتت واشنطن لبيجين عدم خوفها وتراجعها عن شيء وفقاً للمنطق الإمبريالي الفوقي الذي يريد إفهام الجميع بأن واشنطن لا تهاب أحداً ولا تعتبر أحداً بمستوى تحديها، وبالأمس سمعنا واشنطن تبدي استعدادها لإجراء حوار مع موسكو ( التي تقاتلها بالوكالة في أوكرانيا ) حول مستقبل الحد من التسلّح، كما سمعنا مساعدة وزير الخارجية الأميركي تقول إن الشرق الأوسط لا يزال منطقة حرجة بالنسبة لأمننا القومي، بما يشي بعودة المنطقة الى أجندة أولويات واشنطن، بالتوازي مع تصاريح الخارجية الأميركية التي تندّد بالمناورات العسكرية الصينية في محيط كوريا، وتعلن استعداد واشنطن للتدخل المباشر لضمان أمن المحيط الهادي والهندي في حال تجاوزت التصرفات الإستفزازية الصينية حدود المقبول في حق تايوان.

إيران اذاً في مرحلة دقيقة جداً وهي تكاد تخسر العراق، قاعدتها الأولية الأساسية المتقدمة في المنطقة، بالتزامن مع اندلاع مواجهة في إسرائيل بين الجهاد الإسلامي الغزاوي وإسرائيل، وتحييد حماس اللافت ميدانياً منذ الأمس أقله الى الآن، في ظل اتصالات قطرية- تركية ووساطة مصرية، وإطلاق نداءات من رام الله يُشتمّ منها الصورية والتمثيل باعتبار أن محاصرة التأثير الإيراني في المنطقة والذي انطلق من بغداد الصدر، سرعان ما ستنتقل الى دول الطوق الإيراني في المنطقة العربية، وصولاً الى غزة، ما يقتضي ملاقاة الإنهزام الإيراني السياسي في إيران بالقضاء على الذراع الإيرانية الأكثر تشدداً من حماس في غزة ألا وهي الجهاد بقتل قيادييه كما حصل أمس مع اغتيال تيسير الجعبري أحد قيادات الجهاد البارزين وضرب البنى التحتية للتنظيم تمهيداً لتصفيته، ما يمثّل في آن مصلحةً لحماس التي تتقاسم سلطتها مع الجهاد وسرايا قدسها، والتي يهمّها أن تصبح الممثل الفلسطيني الوحيد في غزة، ومصلحةً لإسرائيل في التخلّص من تنظيم متطرف إرهابي بنظر تل أبيب، ومصلحةً للسلطة الفلسطينية العاجزة والمشلولة في رام الله.الدول التي أصدرت بيانات الإستنكار والشجب لما يحصل في غزة منذ الامس هي ذاتها الدول المعنية، كل واحدة بشق من التنظيمات الفلسطينية الغزاوية : فقطر أدانت وهي التي تمول حماس، وتركيا أدانت وهي التي تحتضن عقائدياً حماس والإخوان المسلمين في غزة، ومصر التي تدخّلت للوساطة لأن أمنها القومي من أمن غزة، والأردن الذي على لسان وزارة خارجيته طالب بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فوراً، مطالباً المجتمع الدولي بالتدخل لوقف التصعيد، علماً بأن دور الأردن معروف في مشروع حل القضية الفلسطينية عند إقرار خطة الحل النهائي للقضية الفلسطينية.أما إيران وهي المستهدفَة من خلال ذراعها العسكرية المتشددة، فمنها أمر الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة سرايا القدس بالرد على إسرائيل، في وقت أدانت فيه الخارجية الإيرانية العدوان الإسرائيلي، مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل بدل أن تهبّ طهران وترسل صواريخها المتطورة والباليستية لقصف إسرائيل، أو إيكال أمر التدخّل والمساندة لجيوشها الستة المحتلة للدول العربية...

لقد دخلنا مرحلة إرتدادات المعركة الدولية على محور إيران، فالعراق نقطة الإنطلاق، تليه اليمن حيث الهدنة الإقليمية، ثم لبنان حيث تشديد حسن نصرالله قبضته على الحراك السياسي في الأسابيع القليلة المقبلة، والتقلبات الاستراتيجية والجيو سياسية مقبلة لا محال لتغيّر الحسابات وتعيد خلط الأوراق الدولية والإقليمية، إنطلاقاً من زعزعة محور إيران الإقليمي وتشتيت المحور الإيراني - الروسي الصيني، ما يحمل الإيرانيين على الخوف على نظامهم وتقدم أولوية حمايته على ما عداها من أولويات، وأولويتها الحالية في فيينا ضمان الفوائد الاقتصادية والمالية من الإتفاق النووي لإطعام الشعب الإيراني الجائع والناقم والمنتفض والثائر على نظام الملالي، والبحث عن آلية استمرار تلك الفوائد والمنافع مهما حصل في المستقبل من تطورات حول مصير أي اتفاق نووي يتم إبرامن، حتى لو ألغي الإتفاق بفعل وصول رئيس آخر على غرار دونالد ترامب.

في هذه الاثناء وفي إشارة إضافية الى عمق التحولات الدولية والإقليمية وتداعياتها على الحسابات والأحلاف، يخوض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حربه الخاصة في أوروبا ، وهو لم يتوانَ بحسب صحيفة واشنطن بوست عن تصنيع قمر صناعي لإيران للتجسس على إسرائيل كان موضوع تفاوض بين الحرس الثوري الإيراني وموسكو منذ أربع سنوات، والقمر هذا سوف يتم إطلاقه في التاسع من الشهر الحالي ليس لاستخدامه من قبل إيران، بل من قبل موسكو في حرب أوكرانيا أولاً، وبعد انتهاء الحرب فيها يُسلّم الى إيران مع بياناته.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: