لعلها من المفارقات الساخرة والدراماتيكية في آن واحد ان يمرر مجلس النواب اللبناني بأكثرية هشّة ومقاطعة معارضة واسعة، قانون التمديد الثالث للمجلس البلديات والاختيارية، للسنة الثالثة تواليا، وهذه المرة “مستفيدا بل متحججا بإيقاع التصعيد الميداني المتدحرج في الجنوب الذي رفعت إسرائيل وتيرته في الساعات الأخيرة الى سقف هجومي غير مسبوق بعد 200 يوم على اشتعال المواجهات في الثامن من تشرين الأول الماضي. بت الاستحقاق البلدي الانتخابي اليوم يبدو محسوما سلباً لجهة “لملمة” تحالف من الكتل ستوفر الأكثرية لتمرير التمديد ولو سجلت الكتل المعارضة والنواب المستقلون المعارضون رقما مرموقا في مقاطعة الجلسة التشريعية لمجلس النواب التي ستنعقد في ظل مناخات مشدودة ومتوترة وشديدة الالتباس ناشئة عن تعمق الانقسام العمودي داخل المجلس حيال كل الاستحقاقات والتطورات المصيرية بعدما صار الفراغ الرئاسي داخليا عنوان تفكك خطير متعاظم للدولة والمؤسسات من دون أي افق جدي لنهاية الازمة الرئاسية والمؤسساتية، كما ان مجريات المواجهات في الجنوب التي تحولت الى شبح حرب قد تتسع وتتخذ طابعا شموليا كارثيا فاقمت الانقسام الداخلي ودفعت به الى أسوأ مراحله وتداعياته. ولذا سيكون المشهد النيابي المتوقع اليوم أقرب الى “تهريبة” مخجلة ولو ضمن اركان الحملة التمديدية الخروج من الجلسة بتمرير التمديد ولكن تحت وقع سمعة قاتمة ملطخة بانتهاك الأصول الديموقراطية تستظل بما لا يمكن تبريره امام الرأي العام الداخلي والمجتمع الدولي.
ووسط هذه الصورة الممعنة في القتامة، بلغ القلق من احتمالات انفجار الوضع الميداني في الجنوب ذروة غير مسبوقة منذ الثلثاء الماضي بحيث تدور التساؤلات عما إذا كانت أبواب التحركات والجهود الديبلوماسية ستجدي نفعاً بعد في لجم الاندفاع نحو إشعال حرب واسعة، بدا لافتا ان إسرائيل زادت وتيرة الاستعدادات لها كأنها حاصلة لا محال في وقت قريب. وفي السياق تنتظر الأوساط اللبنانية زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه لبيروت السبت المقبل في إطار جولة له في الشرق الأوسط يتطرق فيها خصوصاً إلى الوضع في جنوب لبنان وفي غزة ويناقش مع المسؤولين اللبنانيين مقترحات فرنسية هادفة لإعادة الاستقرار على الحدود بين لبنان وإسرائيل. وفي السياق، أفادت معلومات بان باريس التي حصلت على أجوبة واضحة من بيروت وتل ابيب على ورقتها لوقف القتال، تريد تحضير الارضية للانتقال لحظة توقف الحرب على قطاع غزة، لبدء العمل على تنفيذ القرار 1701، وصولًا الى تحقيق وقف نار يكون اطول من الذي تحقق في العام 2006.
وفي السياق رأت مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف أن “احتمالات التصعيد على الحدود بين لبنان واسرائيل حادة”. وقالت: “حذّرنا إسرائيل بشأن كيفية ردها على هجمات “حزب الله”، واستخدمنا قنواتنا وعبر شركاء آخرين لتحذير “حزب الله” من توسيع الصراع”.
تصعيد وتهديدات
ولكن التصعيد على الجبهة الجنوبية بدأ يتخذ منحى أكثر عنفاً وخطورة، مع توسيع “حزب الله” ردّه الميداني للمرة الأولى إلى عمق قياسي جديد بلغ حدود عكا، ومع إعلان وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت امس أن “الفترة المقبلة ستكون حاسمة في جنوب لبنان”، مضيفاً أنه تمّ القضاء “على نصف قادة حزب الله في جنوب لبنان” فيما رفع الجيش الإسرائيلي درجة تأهبه وأغلق الشوارع والطرق المتاخمة للحدود مع لبنان.
وقال غالانت خلال زيارة إلى مقر قيادة المنطقة الشمالية، إن “حوالي نصف قادة حزب الله الميدانيين في جنوب لبنان تمت تصفيتهم، وإن الفترة القادمة ستكون حاسمة”. وافادت وسائل إعلام إسرائيلية إن غالانت زار القيادة الشمالية، حيث جرت مناقشة عملياتها مع قائد القيادة اللواء أوري غوردين، وضباط الاستخبارات والعمليات والإطفاء. وقال غالانت في ختام الاجتماع إنه “تم القضاء على نصف قادة حزب الله في جنوب لبنان. هؤلاء هم الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن العمل الهجومي، رغبة منهم في إيذاء مواطني إسرائيل. لقد تسببنا بمقتل نصفهم، ونصفهم الآخر يختبئ ويترك جنوب لبنان أمام عملية الجيش الإسرائيلي”. وأضاف غالانت أن “الهدف الرئيسي هو إعادة سكان الشمال إلى منازلهم، والفترة المقبلة ستكون حاسمة”.
ولكن مسؤولا في “حزب الله” نفى هذه التعليقات الإسرائيلية، ووصفها بأنها “بلا قيمة على الإطلاق”، وبأن الهدف منها هو “رفع الروح المعنوية للإسرائيليين”.
وقال إن الحزب ينشر بانتظام صورا لمقاتليه الذين لقوا حتفهم في القتال وتفاصيل عن سيرتهم الذاتية.
وفي غضون ذلك أعلن الجيش الإسرائيلي أنه هاجم بالطائرات المقاتلة والمدفعية نحو 40 هدفا لـ”حزب الله” خلال دقائق معدودة، في بلدة عيتا الشعب في جنوب لبنان، وأشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى أن من بين الأهداف تم الهجوم على مرافق التخزين والأسلحة والبنية التحتية للحزب.
وقد زنر الطيران الحربي الاسرائيلي بحزام ناري من الغارات الجوية بلغت اكثر من 13 غارة، اطراف بلدتي عيتا الشعب وراميا ، جبل بلاط وخلة وردة. وأعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان انه دمر منصة لإطلاق صواريخ في طيرحرفا وبنى تحتية ل”حزب الله” في مركبا وعيتا الشعب جنوب لبنان، مضيفاً انه قصف بالمدفعية منطقتي كفرشوبا وشيحين “لإزالة تهديد”. ايضا، شن الطيران الاسرائيلي غارة استهدفت منزلا في اطراف بلدة علما الشعب لجهة بلدة الضهيرة .
في المقابل صعد “حزب الله” عملياته فأعلن انه “في إطار الرد على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل المدنية وتحديداً المجزرة المروعة في حانين وسقوط شهداء وجرحى مدنيين، استهدفنا مستعمرة شوميرا، بلدة طربيخا اللبنانية، بعشرات صواريخ الكاتيوشا” كما اعلن انه استهدف تجمعاً للجنود الاسرائيليين في حرش نطوعة ردا على مجزرة حانين. وأعلن ايضا انه “في إطار الرد على المجزرة في حانين وسقوط شهداء وجرحى مدنيين، إستهدف مبنى يوجد فيه جنود العدو في مستعمرة أفيفيم بالأسلحة المناسبة وأوقعوهم بين قتيل وجريح”.
يشار في هذا السياق الى ان وزارة الصحة العامة نشرت أمس في التقرير التراكمي للطوارئ الصحية حتى 24 نيسان حيث تم تسجيل ١٣٥٩ اصابة منها ٣٤٤ حالة وفاة.
جلسة التمديد
اما في المشهد الداخلي وتحديدا ملف الانتخابات البلدية، فعقد “تكتل الجمهورية القوية” مؤتمراً صحافياً في مجلس النواب عشية الجلسة التشريعية للمجلس التي ستقاطعها كتل المعارضة كافة. واوضح النائب جورج عقيص باسم التكتل “ان التمديد للبلديات هو المسمار الثالث في نعش الديموقراطية، اذ ان حالة الحرب التي يعيشها أهلنا في الجنوب لا يجب أن تشكل حائلاً دون ممارسة اللبنانيين حقهم الانتخابي، وكان حري بالحكومة ان تجري الانتخابات في المناطق التي لا تشهد توترات أمنية وأن تؤجلها في مناطق الجنوب”. وقال “نحذر، من البرلمان، الأكثرية النيابية المتأهبة للتمديد من مغبة التعديات على الدستور، ونهيب بالنواب المترددين الانضمام الينا ومقاطعة الجلسة. وفي حال أقر القانون سنتعامل معه كقانون غير دستوري وسنطعن به”. وأعلن عقيص “انه التمديد الثالث، ولكلّ تمديد حججه الواهية. والتمديد يحصل رغم إعلان وزير الداخلية القدرة على إجرائها”.
وفي السياق الامني أكد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، بعد اجتماع عقده للبحث في الوضع الأمني في بيروت، بحضور الأجهزة الأمنية التابعة لبيروت، أن الاجتماع خصص “من أجل أن تكون هناك خطة أمنية واضحة تريح المواطنين، لأن بيروت وجه لبنان وعاصمته، وعلينا أن نحافظ عليها”. وإذ أعلن أن “شعبة المعلومات والقوى الأمنية في بيروت توقفان المجرمين بسرعة فائفة وتكافحان الجريمة، أشار إلى أن “التوقيفات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في ازدياد، والجرائم كلها ستكشف”. وعن النازحين السوريين، أشار إلى أن “وزارة الداخلية تصدر التعاميم للبلديات، من أجل تطبيق القانون”، وقال: “إن لبنان تحمل كثيرا من #النزوح السوري. ومن خلال هذه القوانين، نضبط الوضع الأمني”. وأشار إلى أن “المديرية العامة للأمن العام استلمت الداتا، بالتنسيق مع الـمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والبلديات لمعرفة أعداد النازحين السوريين”.واعلن “سنكثف الدوريات على طريق مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، بالتعاون مع سرية الضاحية وسنطالب بإنارتها”.