التموضع السوري الأردني اللبناني الجيو سياسي إزاء حرب غزة

carte

نستهل كلامنا بالإشارة الى آخر ما وردنا من معلومات من سوريا مفادها أن قوات بشار الأسد اعتقلت ٣٤ ضابطاً وعنصرين من التابعين له المقرّبين من روسيا، بناءً لإيعاز إيراني في مقابل نقل طهران عناصر من الحشد الشعبي العراقي من دير الزور الى الجنوب السوري .
هذا الخبر يؤكد بشكل واضح التغييرات الدراماتيكية التي بدأت تحصل في دول طوق إسرائيل، والتي تتأثر بالحسابات الجديدة للأفرقاء الإقليميين الذين يطالهم عصف “طوفان القدس” بمَن فيهم الروسي انطلاقاً من سوريا .

قرار إيراني بالإمساك بالجنوب السوري

الجبهة السورية تنعكس كحلبة صراع لأي نزاع شرق أوسطي، وهي تتأثر حالياً بشكل مباشر بأحداث غزة وتداعياتها على المعادلات والحسابات التي تسود المشهد السوري لكثرة الأطراف المتباينة والمتصارعة فيها .
تقارير وردت من الجنوب السوري تحدثت عن اعتقال الضباط والعنصرين من قوات الأسد المقرّبين من روسيا في إشارة الى قرار إيراني واضح بالإمساك بالجنوب السوري وإسقاط آخر آثار اتفاق موسكو- واشنطن أيام الرئيس دونالد ترامب بإبعاد ميليشيات إيران عن الحدود السورية مع إسرائيل مسافةً تتراوح بين ٦٠ و٨٠ كيلو متراً، فإذا بطهران تقرّر العودة الى تعزيز وجودها ونفوذها في الجنوب السوري من خلال ميليشيا الحشد الشعبي العراقي،
لكن تعزيز الوجود الإيراني في الجنوب السوري ليس للتحضير لفتح جبهة مع إسرائيل بل هو أشبه ما يكون بتشكيل خط دفاع في حال توسّعت حرب غزة الى حرب إقليمية رغم ان كل المؤشرات تدّل حتى الآن الى أن فروع ما يُسمّى بمحور الممانعة والمقاومة لن تتدخّل في حرب غزة ما لم تشن إسرائيل هجمة استباقية ضده، أو متى رأت طهران أن لها مصلحة في مثل هذه الحرب .

الأمور رهن التطورات والمفآجات في زمن الحروب

المعلومات تشير الى أن التبديلات في الجنوب السوري تأتي بالتنسيق بين إيران وروسيا خصوصاً في ظل أجواء توتر في العلاقات بين روسيا وإسرائيل نتيجة حرب غزة، وقد أكدت وكالة بلومبرغ أن إسرائيل لم تعد تخطر روسيا بهجماتها على الأراضي السورية، في وقت أكدت فيه شبكة سي أن أن إرسال موسكو منظومات دفاع جوية روسية متطوّرة الى حزب الله، لكن موسكو نفت تلك المعلومات جملة وتفصيلاً .
إيران اذاً تسيطر على الجنوب السوري وروسيا تدعم حزب الله، في حين يواصل الأسد ونظامه استهداف المدنيين في إدلب بالتوازي مع مواصلة إسرائيل مجازرها في قطاع غزة، فيما الأمور تبقى رهن التطورات والمفاجآت في زمن الحروب مع بقاء كل الاحتمالات مفتوحة من توسّع للحرب الى تحولها إقليميةً وصولاً الى السلام .

نصرالله طمأن إسرائيل وأهمل سوريا في خطابه الأخير

وانطلاقاً من مجمل هذه المعطيات الواردة أعلاه، يمكن التوقّف عند الحقائق الجيو سياسية الآتية :

  • أولاً : خطاب أمين عام حزب الله الأخير، والذي خيّب آمال جمهور الممانعة والمقاومة بالدرجة الأولى، كشف عن سلسلة من الحسابات المخالفة لكل التوقعات، إن من حيث كونه طمأن إسرائيل ما شجعها على زيادة وتيرة عدوانها على قطاع غزة، فيما أهمل سوريا وحليفه الأسد بالتزامن مع كلام الحوثيين عن مرحلة حاسمة، وعن تحريك الميليشيات العراقية من الحشد الشعبي باتجاه الحدود نحو الأردن، فضلاً عن التحرّك الإيراني باتجاه الجنوب السوري، مع رفع بعض الميليشيات الأعلام الروسية في القنيطرة وتحليق للطيران الروسي فوق الجنوب و انتشار واسع في درعا واللجا والبادية، واستمرار الضربات على القواعد الأميركية في التنف .

تغيير في قواعد الاشتباك مع سوريا

هناك اذاً تغيير في قواعد الاشتباك بدأت ملامحه ترتسم في الساحة السورية كما في لبنان مع خرق حزب الله لتلك القواعد عندما استخدم أول من أمس وللمرة الأولى صاروخ بركان، في الوقت الذي هناك حرص على الإبقاء على تلك القواعد كما هي رغم المجزرة المروِّعة التي إرتكبت بالأمس في عيناتا، ورغم ما حُكي عن موقف للحزب اتهم فيه إسرائيل بتغيير قواعد الاشتباك في الجنوب اللبناني، والردّ الصاروخي على كريات شمونا ومستوطنات شمال إسرائيل .
سوريا رغم هشاشتها اذاً تبقى جسر المحور الإيراني، فيما روسيا الى الآن ليست في وارد التورّط مع إيران في حرب غزة، وهي تستغل حرب غزة الخامسة من أجل تدعيم وضعها في أوكرانيا مستغلّةً إنشغال العالم بغزة .

  • ثانياً: إيران التي يتغيّر خطابها كل يوم نسيت كيف كانت على الدوام تهدّد إسرائيل بالزوال والمحو بدقائق، لكنها في ساعة الحقيقة تقاعست وتخاذلت، وما المناوشات في الجنوب اللبناني ومن اليمن والعراق ليست سوى من باب إثبات الوجود وتحصين الوضع الداخلي في سوريا بشكل خاص لا من أجل محاربة إسرائيل، وفي هذا السياق تفيد المعلومات المتقاطعة من أكثر من مصدر إقليمي و ديبلوماسي وإعلامي بأن كل ما يجري حالياً في سوريا من تغييرات وتحركات وتعزيزات إيرانية ليس من أجل مواجهة إسرائيل بل من أجل تنفيذ مشروع إخراج الأميركيين والأتراك من سوريا . وفي هذا السياق، نشير الى أن اجتماعاً قد حصل في ٢/١١ أي قبل تاريخ خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله الأخير في بيروت ضم قائد فيلق القدس إسماعيل قآني ورئيس الأمن العسكري السوري كفاح ملحم لكتابة نص خطاب نصرالله وصيغته ومحاوره بالتنسيق المشترك ما بين قيادة فيلق القدس والنظام السوري .

تجنّب الغرق في مستنقع غزة

النظام السوري لا يريد التورّط بأي نشاط خارج الحدود السورية باتجاه إسرائيل، وفي حساباته أنه في حال دخل لبنان أو سوريا حالة صدام داخلي يتم عندها تشغيل الجبهات ضد إسرائيل، وإلا فكل الطمأنة لإسرائيل والأميركيين .
إيران أعادت انتشارها منذ اندلاع “طوفان الأقصى” في قلعة جندل ومناطق ريف قطنة الى حدود الجولان مع تسيير دوريات روسية هناك لتطمين إسرائيل وليس للتصادم معها .
إيران ومعها حزب الله يعتبران أن استراتيجية الردع التي يتبعونها في مواجهة إسرائيل كافية لتجنيب الأخيرة فتح عدة جبهات إنما تصبح الحسابات مختلفة إن غرقت في مستنقع غزة إذ عندها سيكون الأفضل لإسرائيل التوجه العسكري باتجاه
جبهة سوريا وليس لبنان لتخفيف ظروف التصادم مع حزب الله الى أدنى حدود الإصابات .
من هنا تفيد المعلومات أن النظام السوري ينحو باتجاه تحريك وتوظيف المنظمات الراديكالية لمواجهة إسرائيل والداخل السوري في آن كحركة المجاهدين لبلاد الشام والجماعة الإسلامية في لبنان وسواهم كقوات الفجر وهي غطاء لحزب الله .

  • ثالثاً : الأردن الذي يواجه خطراً كبيراً وداهماً يواجه أيضاً خطر التحرك العراقي من خلال احتشاد جماعة مقتدى الصدر على حدوده، فضلاً عن التحشيد الإيراني على الحدود الشمالية مع سوريا .

أمن الأردن واستقراره في دائرة الخطر

إيران تريد منذ زمن زعزعة أمن واستقرار المملكة الأردنية الهاشمية، ومنذ زمن تريد زرع بذور القلاقل من خلال الكابتاغون والسلاح وتقوية تيارات الإخوان المسلمين لتهديد العرش الملكي والملك عبد الله الثاني .
إيران لو كانت تريد فعلاً مقاتلة إسرائيل لم تكن لتحتاج الى دخول الأردن، إذ بإمكانها رمي صواريخها البعيدة المدى على إسرائيل أو إشعال جبهة سوريا حيث الجولان المحتل أو لبنان حيث مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وبالتالي حقيقة التحرّك الإيراني تجاه الأردن تحت شعار نصرة غزة تخفي نوايا إيرانية مبيّتة تدركها القيادة الأردنية، ولذلك لا تقبل عمان بأي دخول إيراني أو عراقي الى الأردن انطلاقاً من حرص الأخير على عدم التورّط في الحرب، وهو الذي يجاهد ويكافح من أجل إسقاط مخطط نقل فلسطينيي الضفة اليه.
أذرع إيران تشنّ حملات ضخمة ضد الأردن وملكها وقيادتها وآخر الإدعاءات أن الأردن يسقط صواريخ الحوثيين الموجهة الى إسرائيل، في الوقت الذي أكدت فيه واشنطن أن إسقاط المسيّرات والصواريخ الحوثية يتم من خلال البحرية الأميركية في البحر الأحمر .
الأردن يريد حماية نفسه وهو لن يسمح لأحد باستغلال أراضيه واستقراره وسلامته.

روسيا هي الرابح الأكبر

  • رابعاً : الروس هم الرابح الأكبر موقتاً مما يجري في غزة وما تسبّبه من صرف الأنظار عن حرب أوكرانيا من أجل تعزيز مواقعهم هناك .
    الرئيس الاميركي جو بايدن أفهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بإمكان واشنطن الاهتمام بأوكرانيا وإسرائيل في نفس الوقت، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الثلاثي الروسي- الأوكراني- الاسرائيلي، فرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو كان من أقرب الأصدقاء للرئيس فلاديمير بوتين، وقد زار إسرائيل عام ٢٠١٢ وفي مناسبات عدة، فضلاً عن وجود مليون إسرائيلي من أصل روسي واللوبي الإسرائيلي المالي المؤيد لبوتين في موسكو الى جواره، وبالتالي فإن خلافات تكتيكية تطفو على السطح بين الحين والآخر كإشكالية رفض تل أبيب زيارة الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي الى إسرائيل للتضامن، فنتاتياهو تجنّب الإحراج تجاه الروس،
    فروسيا لا تريد أن تُحرَج أيضاً عربياً وإسلامياً بوقوفها الى جانب إسرائيل تعزيزاً لموقع موسكو في العالمين العربي والإسلامي،
    فإدانة موسكو لإسرائيل بقيت خجولة، وسفير روسيا في إسرائيل أدان حماس واعتبرها إرهابية في مقابل استقبال وزير خارجيتها سيرغي لافروف لوفد من حماس مؤخراً للبحث عن ٨ رهائن روسية .
    موسكو تعلم أن نظام الأسد في مهب التهديد الإسرائيلي لذا هي تسعى لتجنّب انجرارها الى التورّط في مواجهة مع إسرائيل .

بالخلاصة، محور الممانعة والمقاومة في لحظة الاختبار انكشف أمره وانكشفت حقيقة ادعاءاته وتهديداته الزائفة لإسرائيل، فلا إيران ولا بشار الأسد ولا حزب الله في وارد المواجهة والتورّط، وكل ما تفعله إيران هو تعزيز أوراقها التفاوضية مع الأميركيين على حساب غزة و دماء شعبها والشارع العربي العريض الذي لم يتضامن مع الشعب السوري حين كان يُذبح على يد بشار الأسد لا يحق له زرف دموع التماسيح الآن على ما يحصل في غزة وعلى القضية الفلسطينية .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: