الحرب في أوكرانيا بين أسرار" سي آي أي" والميدان المستعر

علم-اوكرانيا (1)

الحرب في أوكرانيا في شهرها السادس وتكاد تدخل السابع، فيما الحقائق على الأرض تُثبت سيطرة روسيا على إقليم الدونباس حيث تُستكمل السيطرة على هذا الإقليم، فيما الحرب تنتقل الى الجنوب الأوكراني حيث المصالح الاستراتيجية ليس فقط لأوكرانيا بل وأيضاً لروسيا وأوروبا.

يمكن القول تأكيداً لما يتحدث عنه المراقبون الغربيون من أن الحرب حالياً هي حرب الجنوب، فالموانىء الأوكرانية على البحر الأسود تشكّل العصب الأساسي لا بل الوحيد للمتنفس الأوكراني على العالم، وبالتالي أي سقوط لهذه الموانىء سيؤدي حتماً الى اختناق أوكرانيا وضعفها، وبالتالي عجزها عن الصمود والمقاومة لأمد متوسط نظراً لانهيار اقتصادها ومقومات صمودها.

الجيش الأوكراني يتموضع على حدود ميكولاييف وهو لا يتحرك نظراً للستار الناري الذي يتسبب به الروس أمامهم بفعل توالي أعمال القصف الشديد على خطوط المواجهة، لكن بالمقابل قام الأوكرانيون بتفجير مطار عسكري روسي داخل جزيرة القرم حيث كانت توجد على أرضه طائرات ومعدات تم استهدافها من قبل القوات الأوكرانية وتفجيرها.وفيما يستمر اللغط حول طبيعة القصف وآلياته وأهدافه والأسلحة المستعملة فيه، نقلت شبكة البي بي سي البريطانية عن محللين وخبراء عسكريين أن كييف أوضحت بأن العملية تمت من خلال قوات خاصة أُرسلت الى القرم لتنفيذ العملية التفجيرية، فيما معلومات أخرى أفادت عن استخدام الأوكرانيين في قصفهم للمطار الروسي بصواريخ غربية، وهو ما ينفيه الأوكرانيون لعدم الحرج تجاه الأميركيين الذين زودوهم بالصواريخ على أن تُستخدم ضد أراضٍ روسية كمثل جزيرة القرم.

الجيش الاوكراني عاد وقصف مخزناً روسياً للذخيرة في القرم، وقد أعلنها هذه المرة بوضوح ومن دون مواربة، مضيفاً أنه يتفاوض مع المخابرات البريطانية لقصف جسر القرم الاستراتيجي، في وقت تؤكد فيه المخابرات البريطانية أن الأوكرانيين دمّروا معظم الجسور في مدينة خرسون، ما أدى الى عزل القوات الروسية الموجودة في تلك المدينة.

وبحسب موقع " أوكرانيسكا برافدا " الأوكراني، فإن الاوكرانيين يقومون بتلك العمليات العسكرية لسبيين: أولهما أن المواقع التي تُقصف هي طرق الإمداد للروس، وثانيهما للدلالة على أنه بإمكان القوات الأوكرانية قصف أراضٍ روسية، فيما تتوعد القيادة العسكرية الأوكرانية بقصف مطار آخر في شبه جزيرة القرم.

والمعلوم أن شبه الجزيرة تم ضمها الى روسيا عام 2014 واعتبرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرضاً مقدسةً، ولطالما اعتبرها نصراً سياسياً له منذ وصوله الى السلطة في موسكو.والمعلوم أيضاً أن نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديميتري مدفيديف كان قد توعد الأوكرانيين بردّ روسي كيوم القيامة إن هم اعتدوا على القرم، معتبراً أن توسّع الناتو ومطالبات كييف في شبه جزيرة القرم هو تهديد مباشر وواضح لروسيا.

هذه التطورات تتزامن مع إرسال الصين قوات عسكرية الى روسيا لإجراء مناورات عسكرية مشتركة وصفت بالعادية بين البلدين، وقد أكدت وكالة رويترز الخبر مشيرةً الى أن الجانب الصيني أكد أن تلك المناورات لا تعني أبداً تورطاً صينياً في الحرب في أوكرانيا أو في مواجهة مع الغرب، لاسيما وأن هذه المناورات كانت مباشرة منذ فترة وبمشاركة الجيش الهندي والبيلاروسي والطاجاكستاني ودول أخرى.

على صعيد آخر، كشفت الواشنطن بوست مؤخراً أسرار علم الأميركيين بقرب حصول الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي التفاصيل أنه على اثر دخول الرئيس الأميركي جو بايدن البيت الأبيض تم تنظيم أول لقاء قمة بينه وبين الرئيس فلاديمير بوتين في 16 حزيران 2021 في ما وصف بالإجتماع البناء من كلا الطرفين الأميركي والروسي،الا أن الأمر كان خلاف ذلك تماماً ( وهنا إشارة الى أن ليس كل ما يُقال ويذاع صحيح في السياسة ولا سيما السياسة والعلاقات الدولية)، إذ ساد القمة جو غير مريح لفت اليه مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، مشيراً الى انطباعات لديه وهو الذي كان حاضراً تلك القمة بأن الرئيس الروسي وكأنه ينتظر فرصة معينة للإعلان عن شيء ما أو قول شيء ما، حتى أن فريق عمل الرئيس بايدن شعر بنفس الإنطباع تجاه بوتين ولم تكن الآراء مطمئنة.

وتتابع الواشنطن بوست أنه في منتصف شهر تشرين الأول 2021، طلب قادة أميركيون مقابلة الرئيس بايدن لإبلاغه بوجود حشود عسكرية روسية على الحدود الشرقية لأوكرانيا، فطلب الرئيس بايدن من القيادات العسكرية مزيداً من المعلومات حول هذه الحشود العسكرية الروسية قبل اتخاذ قراراته، وعندها قررت القيادات العسكرية والاستخباراتية خرق المستويات الرسمية كافة في روسيا، من مخابرات الى الإتصالات الروسية، وعلى الأثر اكتشفت الأجهزة الأميركية العسكرية والإستخباراتية أن الهدف من الحشود الروسية على حدود أوكرانيا كان غزوها.الغريب في الموضوع أن الأميركيين استطاعوا اختراق مواقع القرار الروسي كافة، من أعلى الهرمية الى أدناها، الأمر الذي أثار علامات استفهام عدة حول التماسك الإداري والاستخباراتي والأمني الداخلي في روسيا ومدى الانكشاف الروسي أمام الأجهزة المعادية.

حصل اجتماع ثانٍ بين الرئيس بايدن والفريق العسكري والاستخباري حيث أطلعوه على المعلومات وعلى الهدف من الحشود الروسية شرق أوكرانيا، وما توصلوا اليه من استنتاجات.قائد القوات الأميركية مارك ميلي عرض للرئيس بايدن الخطط الحربية المتوقّعة كافة من الروس والتي وضعت كهدف أول أساسي لها اغتيال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، شارحاً إمكان دخول الروس من 3 جبهات شمالية وشرقية وجنوبية في أوكرانيا وفق استراتيجة الصدمة ونشر الرعب.

أرسلت إدارة بايدن الى موسكو وليام بيرنز، وهو رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية وسفير أميركي سابق لروسيا، حيث اجتمعمع الروس في موسكو واتصل بالرئيس فلاديمير بوتين مبلِغاً إياه علم الأميركيين بما ينوي القيام به في أوكرانيا، ودائما بحسب الواشنطن بوست، التي كشفت تفاجؤ الجانب الأميركي من ردة فعل بوتين على مداخلة بيرنز، اذ لم ينفِ ما نقله اليه بيرنز من معطيات الغزو بدل نفيه كما كان متوقعاً أن يبادر، فعاجله بيرنز بإنذاره بأنه سيدفع ثمناً باهظاً إن هو قرر تنفيذ غزوه، فأجابه بوتين بأنه بحاجة الى ضمان الأمن القومي الروسي إن دخلت أوكرانيا الناتو.

هذه المكالمة الهاتفية بين بوتين وبيرنز كانت منعطفاً أساسياً في القرار الأميركي، إذ وبعودته الى واشنطن وإطلاعه الرئيس بايدن على فحوى الحديث المتوتر بين الرجلين، قررت واشنطن مساعدة أوكرانيا بعدما بات فريق عمل بايدن مقتنعاً من حتمية الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتكشف المخابرات الأميركية أيضا أنه، وبالتزامن مع اجتماع بيرنز بالروس ومكالمته بوتين كان يُعقد لقاء بين الرئيس الأوكراني زيلينسكي ووزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن على هامش مؤتمر المُناخ في غلاسكو، حيث أبلغ بيلنكن الرئيس زيلنسكي بقرب وقوع غزو روسي لبلاده.في تقييم نهائي قامت به إدارة بايدن والقيادات العسكرية إثر تجميع كل المعطيات والمعلومات حول الغزو الروسي العتيد، رسم الاميركيون استراتيجية قوامها :

أولاً : ضعف الرئيس زيلنسكي وبالتالي وجوب السعي لإبقاء الحرب داخل حدود أوكرانيا كي لا تمتد الى دول الناتو .

ثانياً : وجوب تسليح الجيش الأوكراني بطريقة متوازنة من دون مغالاة في تقويته بالكثير من السلاح ، ولا إضعافه بأسلحة تجعل من السهل للروس التغلب عليه.

ثالثاً : وجوب ضمان فشل القوات الروسية في هجومها على الأراضي الأوكرانية.

رابعاً : إطالة أمد سقوط كييف بيد الروس بحيث يصار الى إطالة الحرب وفق التوقيت الأميركي لا الروسي.

وتكشف أوراق الإستخبارات الأميركية أن واشنطن، وبعد أسبوعين من لقاء زيلينسكي - ببلينكن في سكوتلاند، قررت تسليح الجيش الأوكراني خلال زيارة قام بها مدير مكتب الرئيس الأوكراني الى واشنطن.وحالياً يمكن القول إن الجيش الروسي يُستنزف في أوكرانيا بعدما انهزم بوتين على أبواب كييف حيث كانت الأولوية لديه إسقاط حكومة زيلينسكي بسبب الاستراتيجية الأميركية، فالجنوب اليوم مسرح الصراع وربما جبهة أخرى غير الشرق قد يفتحها الروس على أبواب الشتاء أن لم يتم حسم الوضع الميداني أو السياسي بأي شكل من الأشكال.

في المحصلة، الحرب مستعرة وقد أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزف بوريل أمس أن أوروبا تواجه لحظة خطيرة بعد هجوم روسيا على أوكرانيا، وهو تصريح يحمل في طياته ملامح المرحلة المقبلة الصعبة والخطيرة جداً على الأمنَين الأوروبي والعالمي.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: