"الحزب" ضد الجيش والدولة والشعب.. سلاح الحكم الذاتي والتقسيم

hzb-allhjpgjpgjpgjpgjpgjpgjpgjpgjpgjpgjpgjpgjpg

كتب نجم الهاشم في نداء الوطن:

لم يُبقِ "حزب الله" صاحبًا له لا في لبنان ولا في العالم، باستثناء إيران الجمهورية الإسلامية ويمن الحوثيين في صنعاء. لم يعد يَجِد من يدافع عنه وعن سلاحه. تلك مرحلة انتهت وصارت من الماضي. لذلك يجد "الحزب" نفسه في موقف ضعيف. هو مستمر بالتمسك بهذا السلاح ويربط الاحتفاظ به بمصير الطائفة ككل. ويجعل التخلّي عنه كأنّه هزيمة كاملة وانهيار، وكأن لا حياة له ولا للشيعة من دونه. وهو خطأ تاريخي يرتكبه وقد يجرّ عليه، وعلى الشيعة، المزيد من المآسي، لأنّ تاريخ نهضة الشيعة في لبنان لم يكن مرتبطًا بالسلاح أبدًا بل بالدولة ومؤسساتها.

يصوّر "حزب الله" الشيعة في لبنان وكأنّهم كانوا طائفة مهمّشة ولا حقوق لها ولم يصبح لها قوة ووجود إلا بعد تسلّطه عليها، وبعد تسليحها وربطها بإيران وبمشروع ولاية الفقيه. هذه النظرية ساقطة، لأن الشيعة في لبنان كانوا منذ ما بعد الاستقلال قوة أساسية في تركيب الدولة الجديدة. وهذه الدولة بالذات، دولة لبنان الكبير، هي التي أخرجتهم من معاناتهم التاريخية في ظلّ حكم السلطنة العثمانية، وهي صاحبة الفضل عليهم في التقدم الذي حقّقوه على مختلف الأصعدة، قبل أن يصير السلاح مصدر قوتهم وبقائهم.

قبل هذا السلاح كان الشيعة أقوياء ولهم حضورهم. ولم يكن هناك أي خوف عليهم وعلى مصيرهم. صحيح أن هذا السلاح أعطاهم مركزًا متقدّمًا بين الطوائف اللبنانية الأخرى، ولكنّه صار مع الوقت خطرًا عليهم وعلى استمراريتهم ووجودهم، وربما بات من مصلحتهم التخلّي عنه بقرار ذاتي قبل أن يكون قرار الحكومة والحكم الجديد في لبنان. لأنّ هذا السلاح لم يكن هو القاعدة بل كان الشواذ عن القواعد التي حكمت قيام الجمهورية اللبنانية ويحاول "الحزب" منذ تأسيسه، أن يجعل من هذا السلاح قاعدة للسيطرة على الدولة والجمهورية وسائر الطوائف المكوّنة لها، وأن يطبّق عليها أحكام "السلطنة الإيرانية"، قياسًا على تجربة اللبنانيين مع السلطنة العثمانية.

مصير الشيعة ليس مرتبطًا بالسلاح

يخطئ "حزب الله" عندما يربط مصير الشيعة في لبنان بمصيره. ويخطئ أكثر عندما يربط مصيره بمصير سلاحه. كأنّ التخلّي عن هذا السلاح هو نهاية التاريخ بالنسبة إليه وهو يصوّر للشيعة أن هذا الأمر يعيدهم إلى عهد والي عكا أحمد باشا الجزّار، ويرعبهم عندما يصوّر لهم أن الجزّار عاد اليوم إلى سوريا باسم أحمد الشرع. في الواقع لا يخيف أحمد الشرع "حزب الله" والشيعة لأنّهم "حزب الله" وشيعة. ما يخيف "الحزب" هو معرفته اليوم بأنه يحصد نتائج تدخّله في الحرب في سوريا وارتكابه الكثير من الأعمال العدائية ضد الشعب السوري، ليس دفاعًا عن نظام بشار الأسد، لأنّه بشار الأسد، بل لأنّ بقاء هذا النظام كان يؤمن ربط "الحزب" في لبنان بالأمة الإسلامية في إيران. لذلك يتصوّر "الحزب" أن آلاف القتلى الذين سقطوا على يده في سوريا يقومون من القبور للانتقام منه. ولذلك ارتدّت تجربة سلاح "الحزب" في سوريا وبالًا عليه، كما تجربة سلاحه في لبنان.

انهزم هذا السلاح في الحرب السورية وبدل أن يحمي المراقد الشيعية المقدسة، وخصوصًا مقام السيدة زينب في دمشق، ويدافع عن اللبنانيين الشيعة في داخل سوريا، انتهى به الأمر إلى الفرار من سوريا والتخلّي عن كل القواعد التي أنشأها هناك، وهرّب قواته التي وجدت نفسها من دون إنذار مسبق محاصرة ومتروكة لمصيرها. فرار الأسد وانهيار نظامه جعل "الحزب" يواجه المصير نفسه الذي واجهه "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة اللواء أنطوان لحد بعد انسحاب إسرائيل في 25 أيار 2000. الانتصار الذي نسبه "الحزب" إلى نفسه نتيجة هذا الانسحاب صار هزيمة موازية بعد انسحابه من سوريا واضطراره إلى الاستنجاد بالجيش اللبناني للدفاع عن الحدود اللبنانية التي كان استباحها.

هزيمة في المساندة

سلاح "الحزب" قاده أيضًا إلى هزيمة كاملة في الحرب التي خاضها منذ 7 تشرين الأول 2023 مساندة لحركة "حماس" في غزة وليس لفلسطين كما يدّعي. لأن "حماس" تشكّل حالة خارجة عن السلطة الفلسطينية ومصلحة الفلسطينيين الأساسية بقيام دولتهم. وقد برزت نتائج تجربة الحركة في نتائج الحرب بعد عملية طوفان الأقصى. وهو مرّ بمرحلة اشتباك حتى مع هذه الحركة خلال تدخّلها في الحرب في سوريا ضدّه وضد النظام. وعلى رغم عودة التنسيق بينهما واستقبال أمينه العام السيد حسن نصرالله وفودًا من الحركة والربط بينها وبين طهران، فإن نصرالله نفسه لم يرتَح لقيام "حماس" بعملية طوفان الأقصى من دون أن يكون مطلعًا عليها سابقًا وعلى توقيتها. وهو لذلك تحاشى الدخول في هذه الحرب منذ البداية. وحتى لا يُقال إنّه تخلّى عن دعم "حماس" ذهب إلى الخيار الوسط بمساندتها. ولكن على رغم ذلك دفع الثمن وظهر أن كل شعاراته حول توازن الردع والقدرة على قصف أي موقع في إسرائيل ورميها في البحر، كانت ساقطة.

إذا كان سلاح "الحزب" ارتد عليه هزائم في سوريا وفي الحرب مع إسرائيل، فلماذا يريد أن يتمسّك به في لبنان؟ منذ العام 1990 قام "الحزب" على مساعدة النظام السوري له في أن يكون القوة المسلحة الوحيدة في لبنان، وأن يبقى دوره أكبر من دور الدولة والجيش. قام على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي روّج لها وكأنّها قدر اللبنانيين. وبعد كل هذه التجارب انتهى إلى الصدام مع الجيش والشعب والدولة. وكأنّه يعود إلى بداياته.

 الحرب ضد الجيش والدولة مستمرة

أول ما قام به "حزب الله" بعد تأسيسه عام 1982 كان استهداف الجيش اللبناني ومؤسسات الدولة اللبنانية والتصويب على الأسباب التي أدّت إلى قيام دولة لبنان الكبير والكيان اللبناني بنظامه التوافقي بين الطوائف. لقد اعتبر دائمًا أنّ هذا النظام كافر. وصبّ دائمًا كل غضبه على المسيحيين والموارنة و"القوات اللبنانية" و"الجبهة اللبنانية" و"الجيش الطائفي" الذي يحمي هذا النظام، وعلى قيادته في اليرزة. ولذلك أول ما قام به في 3 أيلول 1983 كان احتلال ثكنة الشيخ عبدالله التابعة للجيش اللبناني في بعلبك، ومصادرة دوره واغتيال عدد من ضباطه وجنوده.

لم يكن من قبيل الصدف أن تهبط طوافة عسكرية في ثكنة الشيخ عبدالله في 22 تموز 2024، كانت تقلّ قائد الجيش العماد جوزاف عون في زيارة إلى منطقة البقاع لافتتاح طرقات على جرود السلسلة الشرقية تربط مراكز الجيش اللبناني ببعضها البعض. في 9 كانون الثاني 2025 صار العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية رغمًا عن إرادة "حزب الله". اعتبر "الحزب" دائما أن بقاءه هو نتيجة حتمية لضعف الدولة والجيش ولذلك استمر بالإعلان عن أنّه يحمي لبنان لأنّ الدولة عاجزة والجيش غير قادر. هذه النظرية سقطت بشكل مريع. يطرح الرئيس عون مع مجلس الوزراء برئاسة الرئيس نواف سلام وبالتنسيق مع الرئيس نبيه بري مسألة حصرية السلاح و"الحزب" يرفض كأنه يعيد إحياء الاستراتيجية التي أتت به إلى ثكنة الشيخ عبدالله.

أداة تفجير الدولة

مع هذا الرفض المطلق الذي يبديه "الحزب" في مسألة التخلّي عن السلاح للدولة والجيش، هل يكون مع سلاحه أداة تفجير الدولة وإنهاء الكيان ودولة لبنان الكبير وبداية التقسيم على طريقة السلاح الدرزي في السويداء وإن بصورة معاكسة. التدخل الدولي مع الدروز أعطاهم، مبدئيًا، حكمًا ذاتيًا. الضغط المحلي والدولي ضد سلاح "حزب الله"، مع رفضه لذلك، يمكن أن يعطيه حجّة لكي يحمي نفسه بهذا السلاح، وبالتالي ليقيم حكمًا ذاتيًا في مناطق سيطرته طالما يعتبر أن الحكم اللبناني لن يدخل في حرب معه لنزع سلاحه، وأنّ إسرائيل لن تشنّ حربًا جديدة ضده لتحطيمه وإنهاء دوره، وأنّ واشنطن لا تفكّر أبدًا بإرسال المارينز لقتاله. وبذلك تصبح "دولة" "حزب الله" أمرًا واقعًا ويكون سلاحه في موقع سلاح الدروز في السويداء.

خطاب الشيعة بشكل عام اليوم، من الشيخ علي الخطيب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إلى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، وعدد كبير من المشايخ، حتى غير المنتمين إلى "الحزب"، خطاب تقسيمي خصوصًا في ما يتعلّق بالسلاح. معظم هؤلاء يضعون أنفسهم خارج الدولة. ويتصرّفون على هذا الأساس. و"حزب الله" مسؤول عن وضعهم في هذا الموقع. وهو يتعرّى كل يوم من أي دعم يأتيه من حلفاء سابقين يتخلون عنه تباعًا. حتى عاد إلى الرهان على على دعم الرئيس السابق العماد ميشال عون في مواجهة الرئيس الحالي العماد جوزاف عون. 

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: