"الحزب" والهوس بالانتحار الجماعيّ

hezbollah 2

كتبت فتات عيّاد في صحيفة "نداء الوطن":

أكثر من 20 عامًا على فعل "الانتحار الجماعيّ"، منذ أن اغتيل الشهيد رفيق الحريري في بيروت، وتوالت اغتيالات رجالات ثورة الأرز، ما زال “حزب الله” يجرّ لبنان واللبنانيين المؤيدين لسلاحه غير الشرعي، ومناهضيه إلى "هاوية" جهنم، طالما أنهم أبناء بلد واحد، يبحرون في "مركب واحد"، وإن غرق المركب، غرق جميع من فيه. للمرة الثانية، يبحر الحزب "عكس تيار" بيروت العاصمة، التي اجتاحها بسلاحه غير الشرعيّ في 7 أيار 2008، فـ "تجرّأ" على بيروت، واستقوى على أهلها. وعوض أن يحاسَب "في حياته" على اجتياحها، اختار "الحزب" تكريم أمينه العام السابق حسن نصرلله، الذي رأى في يوم السلاح المشؤوم في بيروت "يومًا مجيدًا"، من على أهمّ معالمها الأثرية "صخرة الروشة".

الروشة، أو "بوصلة" بيروت، ليست مجرد معلم سياحي مقصود عالميًا، أو مجرد شاهد على زلازل تاريخية، بل تعتبر لأبناء بيروت، رمزًا لتجذرهم في مدينتهم، وإن تمثلت العاصمة في "جسد"، فهذه الصخرة العائمة على وجه الماء، قلبها النابض. يدرك "الحزب" جيدًا، هذه النوستالجيا، من هنا، جاءت السطوة على بيروت "رمزيًا" هذه المرة. فـ "الحزب" الذي يدعو أمينه العام نعيم قاسم لفتح صفحة جديدة مع السعودية، يزيد صفحته مع بيروت اسودادًا، علّه يفرض استمرارية فائض قوته إن لم يكن عسكريًا، فسياسيًا، وكأنه ينكِر حقيقة موت أمينه العام، وحقيقة ضعف الميليشيا، لصالح الدولة، وحقيقة بدء عهد جديد، وقَسَم رئاسي وبيان وزاري، عنوانهما: سلاح واحد، وشرعية واحدة.

انتحار جماعيّ

تاريخيًا، لطالما كانت الروشة قبلة للسياح حول العالم. وكانت قبلة لأشخاص قرروا "الانتحار" عليها، فاختاروا الانتحار فرادى، على عكس "حزب الله"، الذي يجر منذ العام 2005، لبنان واللبنانيين نحو انتحار جماعي.

لم يقرر “الحزب”الانتحار وحده، بل يأخذ اللبنانيين ولبنان الدولة بالإكراه إلى الانتحار معه. هو يرى بانتحاره انتصارًا، وما هو إلا انتصار لإيران المشغلة لـ "الحزب"، والتي سبق أن تفاخرت بسيطرتها على 4 عواصم عربية. وهو كذلك انتصار لإسرائيل التي وفّر عليها تحالف الميليشيا والمافيا ضرب معامل الكهرباء في بلد لا كهرباء فيه في الحرب الأخيرة.

أخذ “الحزب” اللبنانيين غصبًا إلى نفق أسود مستمر ليومنا هذا، بدءًا من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتحميل المحكمة الدولية عناصر في “الحزب”مسؤولية اغتياله، وما تبعه من اغتيالات، لشخصيات سياسية وأمنية كجبران تويني، جورج حاوي، بيار الجميل، وسام عيد ووسام الحسن... وضرب علاقات لبنان مع محيطه العربي.

أخذ "الحزب"، أو أخذت الدويلة، اللبنانيين غصبًا إلى الموت والدمار في حرب تموز 2006، وأكثر المتضررين كانت بيئته، ثم أتى نصرلله ليقول "لو كنت أعلم".

أخذ “الحزب” أبناء بيئته، غصبًا للقتال في سوريا، فعادوا محملين بالنعوش كرمى لنظام بشار الأسد، واخترقت إسرائيل الأحياء منهم، ليظهر انكشافهم أمنيًا في حرب أيلول الماضي ويسهل استهدافهم.

اجتاح “الحزب”بيروت في 7 أيار وأسماه "يومًا مجيدًا"، وأكثر المتضررين كان قيام الدولة، وأكثر المستفيدين كان تحالف المافيا والميليشيا الذي توّج في تسوية 2016 الرئاسية برعاية سعد الحريري وجبران باسيل.

أخذ "الحزب" بيروت مرة ثانية رهينة، فكان تخزين نيترات الأمونيوم في مرفئها وكان 4 آب 2020.

أخذ "الحزب" لبنان بأسره رهينة في حرب أيلول 2024، فوقع آلاف الضحايا، ودمرت عشرات القرى الجنوبية بالكامل، ودمرت مبان في الضاحية والبقاع وقدّرت كلفة إعادة الإعمار بمليارات الدولارات، ووصل إجرام إسرائيل لقلب العاصمة بيروت.

كل هذا: "الإنتحار الجماعي"، ، وتصاعد "الدويلة" والاقتصاد غير الشرعي وضرب الإصلاحات... وما زال “الحزب”يوهم بيئته بالانتصار، وبأن بقية اللبنانيين أعداء لهذه البيئة، وذنبهم، كل ذنبهم أنهم يناشدونها: أرجوك لا تنتحري، ولا تجرينا معك في فعل انتحار جماعي يغرق البلاد برمتها.

لكن السؤال لبيئة "الحزب اليوم": أما توصلتم لاستنتاج أن كل هذه "الانتحارات" كانت مغلفة بالعبثية؟

عبثية السلاح

تذكّر محاولات “الحزب”- عبثًا - وضع سطوة رمزية على بيروت، بـ "سيزيف"، الشخصية الأسطورية الإغريقية، التي حاولت التحايل على ملك الموت، فعاقبه الإله زيوس بجعله يحمل صخرة كبيرة لأحد الجبال، وفي كل مرة تصل الصخرة للقمة تتدحرج للأسفل، ليجبر على حملها إلى ما لانهاية، دونما معنى أو جدوى سوى الألم والمعاناة نفسها.

عبثية حياة سيزيف، التي انطلق منها ألبير كامو ليختصر بها حياة الإنسان، سائلًا عن حياة عبثية أكثر من هذه، مستخلصًا أن الموت يصبح خلاصًا للإنسان من هذا الشقاء اللامتناهي، إنما تذكرنا بتحايل “الحزب”على حقيقة أن أمينه العام حسن نصرلله قد مات، وبأن إلصاق صورته على صخرة الروشة لن تيعيده للحياة، ولن يعيد مفعول 7 أيار ثانٍ.

“الحزب”ينتحر مرة جديدة على صخرة الروشة، واللبنانيون يناشدون بيئة "الحزب" ثانية: لا تذهبي للانتحار، مع مفارقة واحدة، أنه لم يعد بإمكان "الحزب" جرّ بقية اللبنانيين معه للانتحار الجماعي، وما تعميم رئيس الحكومة نواف سلام بمنع استغلال الأماكن العامة لأهداف سياسية، وتأهب القوى الأمنية لمنع أي خرق يضيء صورة نصرلله على صخرة الروشة، إلا دليل على أن عهد الدولة قد بدأ دونما رجعة لعهد الدويلة.

فهل يستسلم "حزب الله"، ليخرج بيئته من دوامة "العبثية" والموت العبثي أخيرًا؟ سيما وأنّ قرار الانتحار في طهران، وليس في بيروت. فما شأن الروشة؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: