وجه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة الجمعة في مقر المجلس في الحازمية، قال فيها:
” قال تعالى: (ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)، ومناسبة نزول هذه الآيات غزوة حمراء الأسد، التي وقعت بعد معركة أحد وأصاب المسلمين فيها ما أصابهم بعد مخالفة الرماة أمر رسول الله (ص)، حيث أن جيش أبي سفيان المنتصر أسرع بعد انتصاره في هذه المعركة (معركة “أحد” على الجيش الإسلامي) بعد السير في طريق العودة إلى مكة، حتى إذا بلغ أرض “الروحاء” ندم على فعله، وعزم على العودة إلى المدينة للإجهاز على ما تبقى من فلول المسلمين، واستئصال جذور الإسلام حتى لا تبقى له ولهم باقية.
ولما بلغ هذا الخبر إلى النبي (ص) أمر مقاتلي أحد أن يستعدوا للخروج إلى معركة أخرى مع المشركين، وخصّ بأمره هذا الجرحى والمصابين حيث أمرهم بأن ينضموا إلى الجيش.
يقول رجل من أصحاب النبي (ص) كان قد شهد أحداً: شهدت أحداً وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله (ص) بالخروج في طلب العدو قلنا:
لا تفوتنا غزوة مع رسول الله (ص)، فوالله ما لنا دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله (ص) وكنت أيسر جرحاً من أخي، فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا مع رسول الله (ص) إلى “حمراء الأسد “.
فلما بلغ هذا الخبر أبا سفيان وأدرك صمود المسلمين، والذي تجلّى في اشتراك الجرحى والمصابين خاف وأرعب، ولعله ظنَّ أنه أدركت المسلمين قوة جديدة من المقاتلين وأتاهم المدد.
هذا وقد حدثت في هذا الموضع حادثة زادت من إضعاف معنوية المشركين، وألقت مزيداً من الوهن في عزائمهم، وهي أنه: مر برسول الله “معبد الخزاعي” وهو يومئذ مشرك، فلما شاهد النبي وما عليه هو وأصحابه من الحالة تحرّكت عواطفه وجاشت، فقال للنبي (ص): يا محمد والله لقد عزّ علينا ما أصابك في قومك وأصحابك، ولوددنا أن الله كان أعفاك فيهم، ثم خرج من عند رسول الله (ص) حتى لقى أبا سفيان ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله (ص)، فلما رأى أبو سفيان معبداً قال: ما وراك يا معبد؟ قال: محمد (ص) قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أرَ قط مثله يتحرقون عليكم تحرقاً، وقد اجتمع عليه من كان تخلّف عنه في يومكم، وندموا على صنيعهم، وفيه من الحنق عليكم ما لم أرَ مثله قط.
قال أبو سفيان: ويلك ما تقول؟ قال معبد: “فأنا والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل”.
قال أبو سفيان: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم.
قال معبد: فأنا والله أنهاك عن ذلك.
فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه وقفل راجعاً ومنسحباً إلى مكة بسرعة، وحتى يتوقف المسلمون عن طلبه وملاحقته ويجد فرصة كافية للانسحاب قال لجماعة من بني عبد قيس كانوا يمرون من هناك قاصدين المدينة لشراء القمح: “أخبروا محمداً إنا قد أجمعنا الكرة عليه وعلى أصحابه لنستأصل بقيتهم” ثم انصرف إلى مكة.
ولما مرت هذه الجماعة برسول الله (ص) وهو بحمراء الأسد أخبره بقول أبي سفيان، فقال رسول الله (ص): “حسبنا الله ونعم الوكيل”، وبقي هناك ينتظر المشركين ثلاثة أيام، فلم يرَ لهم أثراً فانصرف إلى المدينة بعد الثالثة.
والعبرة التي أُريد التعرّض لها من إيراد هذه القصة بطولها، أن المسلمين رغم ما أصابهم من هزيمة في معركة أحد نتيجة مخالفة أمر الرسول (ص) طمعاً في الغنيمة استجابوا لدعوته إياهم في الاستعداد لملاحقة جيش المشركين لما بلغ (ص) نيتهم في مهاجمة المدينة لاستئصال شأفة المسلمين، وندم أبي سفيان على تفويته الفرصة للقيام بذلك في أحد ولم يأذن الرسول (ص) للذهاب معه الا لمن شارك فيها بمن فيهم من الجرحى.
(ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ) فلم يجعلهم ما هم فيه يترددون في الاستجابة لأمر الرسول (ص)، حتى الاخوين الجريحين وكان حال احدهما ما سمعنا من الوضع المزري احتاج معه من ان يحمل حملا الى المكان الذي يفترض فيه وقوع المعركة، أضف الى ذلك وجود عامل آخر من العوامل الباعثة على عدم الاستجابة وهو العامل النفسي الذي يقوم العدو ببثه عبر عملائه وهو التثبيط عن المشاركة ونشر حالة الخوف والرعب عبر إشاعة الاخبار المضخّمة عن قدرات العدو ليربح المعركة بإيقاع الهزيمة في الطرف الاخر قبل وقوعها، ولكن مع وجود هذين العاملين الذين يفقد معهما عادة المقاتل الاندفاع للمشاركة في القتال، إضافةً الى انه خرج جيشه من معركة اخرى مهزوماً ومثقلاً بالقتلى والجرحى، ولم يأخذ بعد وقته لاسترجاع ما افتقده من معنويات وإمكانات ومع ذلك تنقلب الموازين كلها لصالحه فيتقدم المهزوم وهو جيش المسلمين ويفر الجيش المنتصر مسرعاً مرعوباً خائفاً من أن يلحق به، مع العلم بأنه يمتلك اساساً من الامكانات الحربية عديداً وعدةً ما لا يمتلكه جيش المسلمين”.
وسأل الخطيب: “فما هو السبب يا ترى في هذا التحول؟.والاجابة في قول الله تعالى الذي اخبرنا عن تلك الحادثة (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) حيث لخَّصت عوامل الانتصار.
أولاً: بأحقية القضية التي يقاتل من اجلها، وثانياً الايمان بها، وثالثاً عدم التردد في الاقدام على الدفاع عنها حتى النصر او الشهادة (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين . .) فهو يُقدم على القيام بالوظيفة أياً تكن النتائج وليس من الضروري أن يتيقن بالانتصار، فعلى القيادة أن تقوم بتهيئة ما يمكن من الاعداد للمعركة وعلى المقاتل أن ينخرط بها هذا في حالة الهجوم، أما في حالة الدفاع فالأمر أوضح وهو منتصر في كل حال لأن الشهادة بالنسبة للمؤمن انتصار وبلوغ للمراد بالحصول على شرف الشهادة”.
وأضاف الخطيب: “وما أشبه اليوم بالأمس إذ تجدّدت هذه الحادثة الخالدة والتاريخية بعد العدوان الغادر الهمجي الارهابي للصهيونية العالمية على شعبنا المؤمن والاصيل، واغتياله لقيادة المقاومة وعلى رأسها سماحة الشهيد شهيد الامة الأسمى في هذا المعركة، الذي أُصيبت به الامة والذي قَدَّر العدو انها الضربة القاضية، ليس للمقاومة فحسب بل لأمل الامة في التجدد والانتصار والجدار الصلب الذي يقف أمام تحقيق أهداف العدو في تحقيق مشروع الشرق الاوسط الجديد، الذي أفشلته المقاومة بعد محاولات عديدة، تارةً بالشكل المباشر واخرى بالشكل غير المباشر ولكن أخطرها كان المحاولة الاخيرة حيث خَيَّبَت المقاومة وبيئتها والشعب اللبناني الشريف والجيش اللبناني، أمله الذي كان أعدَّ لهذه المعركة كل العوامل التي ظنَّ انها ستحسمها لصالحه، وهو ككل كافر عتيّ مُتجبّر حسب لكل شيء حسابه من التكنولوجيا والعملاء والمعلومات الاستخبارية والعدة البشرية والعسكرية والتنظيمية والعملاء من المُثبِّطين وعدّتهم من القنوات الاعلامية الذين نطقوا بلسانه، من باعة الشرف والكرامة والاوطان والخونة الذين يستحقون لو كان هناك عدالة ومحاسبة ان يشنقوا في الساحات العامة، لقد حسبوا كل شيء بدقة إلا حساب الله وإلا حساب الإيمان وعدالة القضية، لقد حسبوا باغتيال قيادة المقاومة انها انتهت وان الهزيمة تحققت كما حسب الكفار يوم أحد ان الاسلام انتهى بعد سقوط حمزة سيد الشهداء، وبعد أن أُشيع أن رسول الله (ص) قد استشهد سارع البعض الى الفرار يفكر بالنجاة، وقد فعلها البعض في لبنان للأسف ولكن المقاومين ممن اصابهم القرح استجابوا لأمل بيئة المقاومة والشعب اللبناني الوفي والأبيّ استجابة لله ورسوله وخاضوا المعركة دون تراجع أو تزعزع ايمان وتحقق على ايديهم للعدو الخيبة ولشعبهم العزة.
(وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْرًا ، وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ، وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)”.
وتوجه الخطيب الى اللبنانيين: “أجبرتم اليوم مع مقاومتكم الشريفة العدو على طلب وقف اطلاق النار والرضوخ صاغراً لمطلب المقاومة، ولكن هذا العدو عدو مراوغ عهده النكث بالعهود والمراوغة في الالتزام بالاتفاقيات وهو سيحاول جاهداً التهرّب منها كما عهدناه، وكما كانت وحدة الموقف بين المقاومة والدولة ودعمكم له سبباً لرضوخه والتسليم بتطبيق القرار ١٧٠١، فإن وحدة موقفكم بالعمل على بناء دولة عادلة وقوية وجيش قوي وقادر يطمئن معه اللبنانيون بردع العدو الصهيوني وكل عدو يضمر الشر للبنان وشعبه، هو السبيل للخروج من كل التجارب الماضية والبدء بالدخول بمرحلة جديدة”.
وأردف: “فقد كنا وما زلنا نطالب ببناء الدولة القوية والعادلة التي تحفظ شعبها وسيادتها على كل شبر من ترابها خصوصا، ويقبع على حدودنا عدو غاصب ومجرم ومحتل لا يقيم وزنا لقانون أو لأخلاق أو لأعراف أو لقيم، وأمامنا التجارب والعبر، وما يجري الآن في فلسطين وما جرى معنا في لبنان وما يرتكبه من جرائم ويجره علينا وعلى شعوبنا العربية، وبالأخص على إخواننا الفلسطينيين من ويلات وفظائع، ولا يمكن لنا بعد كل هذه التجارب مع الامم المتحدة والمؤسسات الدولية ومجلس الامن أن نركن في الاعتماد عليها لردع العدو، فقد ثبت بما لا يقبل الشك الا لمن تلوّث عقله واختلت لديه الموازيين، ان هذه المؤسسات وضعت لردع المعتدى عليه ومعاقبته اذا أراد الدفاع عن نفسه واتهامه بالارهاب وحماية المعتدي والدفاع عنه وتبرير اعتداءاته تحت ذريع الدفاع عن نفسه، لذلك فلا يمكن أن نقبل أن يكون لبنان منزوع السلاح، لأنه سيكون بمثابة تهيئة المجال للعدو، للعدوان وللتوسع والاحتلال، فالرئيس الامريكي الذي شرَّع له القدس المحتلة عاصمة له والجولان ارضاً اسرائيلية، لا مانع لديه ان استطاع ان يهبه لبنان، وليس لديه مشكله في ان يهب الاميركي ما لا يملك، فالقوة والقهر لديه سبب شرعي من اسباب التملك، وسبق ان قال ان اسرائيل صغيرة الحجم بحاجة الى توسعة. لقد سبق للاوروبيين ان احرقوا اليهود وارادوا تبرئة ذمتهم بإعطائهم ارض فلسطين، فهم قاموا بفعل الجريمة وعاقبوا البريء، هم قتلوا اليهود وعاقبوا الفلسطيني”.
وتابع الخطيب: “كل اللبنانيين دفعوا ثمن غياب الدولة لكننا كنا من دفع الثمن الاكبر اللبنانيون جميعاً، دفعوا ثمن جريمة الحرب الاهلية واللبنانيون جميعاً، تحملوا نتائج سوء الادارة، واللبنانيون دفعوا ثمن الانهيار الاقتصادي، والحرامية واللصوص والمجرمين يتهمون الابرياء من الشعب اللبناني بجريمة ارتكبت بحقهم على الطريقة الامريكية، ثم لا ندري ماذا يحصل مع الركاب اللبنانيين القادمين الى مطار بيروت من ايران، نحن نريد ان يكون المطار آمناً لكن ان يكون التدقيق على كل الوافدين الى لبنان، اما ان يكون التدقيق على الوافدين من الجمهورية الاسلامية، وأن تكون هناك مطارات لدول اجنبية تدخل ما تشاء وتخرج ما ومن تشاء خارج رقابة القوى الامنية المختصة، فأين هي السيادة؟ ولماذا يسكت مدعو السيادة؟.
كما تمنع الجمهورية الاسلامية وبعض الدول العربية من مساعدة لبنان، وعلينا ان نكون مرتهنين للمساعدات الخارجية بشروط سياسية، فلا نسمع صوتاً ولا حتى همساً، وهل هذا هو الاستقلال الذي ننشد ام هو الاحتلال المقنع؟”.
واستطرد الخطيب أن “الاولوية اليوم يجب أن تعطى لانسحاب العدو من كل الاماكن التي احتلها العدو، ومنعه من الاستمرار في الانتهاكات العدوانية للسيادة اللبنانية التي ستشكل امتحانا جديدا لصدقية الدول التي تشرف على تطبيق الاتفاق، كما ان اعادة ترميم وتعمير البيوت المتضررة والمهدمة واستجلاب المساعدات دون شروط سياسية هي مهمة الحكومة، كما ان توافق القوى السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية في ٩ ك٢ استجابة لدعوة دولة رئيس مجلس النواب الرجل الاستثنائي في الوقت الاستثنائي سيكون امتحانا لها لجديتها في الذهاب نحو بناء المؤسسات الدستورية والدولة القوية العادلة.
التحية لأهلنا المضحين الصابرين ولآباء وامهات الشهداء وللشهداء ومن كتب مجدنا وتاريخنا ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
تحية الى جيشنا الوطني وشعبنا اللبناني الوفي”.