يمكن القول إن ثمة قراراً استراتيجياً اتخذ بضرب إيران ومصالحها في المنطقة.فمن يراقب الاستعدادات والتعاون على الجبهة العسكرية والاستراتيجية بين إسرائيل والخليج ومصر والأردن، ويحاول تجميع الأحجار المبعثرة للبازل (puzzle) لا يمكنه الا أن يخرج بانطباع أنه لم تكن هناك قناعة بأن يتشكل "ناتو" خليجي- عربي- إسرائيلي في مواجهة إيران إعداداً لشيء ما.
إسرائيل تنشر رادارات وأنظمة دفاع جوي لدول خليجية وصفتها بالحليفة بما فيها البحرين ودولة الإمارات من أجل مواجهة أي تهديد صاروخي باليستي إيراني.
وبالتزامن مع هذا الحدث العسكري الخطير، قُدّم الأسبوع الماضي مشروع قانون في الكونغرس الأميركي تكمن أهميته الأولى بأنه جاء مشتركاً بين الجمهوريين والديمقراطيين في موضوع إنشاء "تعاون دفاعي" بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الخليج وحلفاء آخرين مثل مصر والأردن، وبغض النظر عن محتوى المشروع فالأهم هو أنه يثبت قيام محور إقليمي عسكري وسياسي جديد مع إسرائيل، ما يعني أن المرحلة المقبلة من المواجهة الإقليمية لن تكون محصورة بدول الطوق الإيراني بدءاً من لبنان عبر ميليشيا حزب الله، بل أنها ستتوسّع الى أماكن أخرى في المنطقة قد تكون بنسبة عالية إيران نفسها مسرحها.
ومنذ أيام أعلنت إسرائيل تطويرها للمقاتلة F 35 لتتناسب مع قصف الأراضي الإيرانية من دون الحاجة الى التزود بالوقود
أميركياً، من الواضح والجلي أن التحوّل السياسي المفاجئ على أجندة الأولويات الديمقراطية في البيت الأبيض باتجاه الشرق الأوسط فرضه الحرب الأوكرانية وتداعياتها السياسية والاقتصادية، لا سيما في مجال الطاقة، ما اضطُر إدارة الرئيس بايدن الى وضع الملف النووي الإيراني جانباً في هذه المرحلة، والسعي للتقرّب من دول الخليج وبخاصة من المملكة العربية السعودية التي كان يريد تحويلها الى دولة منبوذة.
من هنا، لم يعد ادأمام الرئيس جو بايدن الا الوقوف عند مطالب المملكة ودول الخليج التي عانت في السنوات الأخيرة من تخلي الحليف القوي عنها، وتركها مكشوفة أمام الصواريخ والمسيّرات الحوثية الإيرانية في اليمن.
ورغم الأجواء الهادئة التي تبدو على سطح الأرض في الخليج الا أن ما تحت الأرض يكمن غليان الأعداد للكثير من المفاجآت، فالشرق الأوسط تغيّر والتحالفات تغيّرت أيضاّ، كما أن الحاجات والمصالح تبدّلت ومعها الأولويات الداهمة وباتت الضرورات تبيح المحظورات لمواجهة الخطر الوجودي، وما كان بالأمس ضرب من ضروب الخيال بات اليوم حقيقة على أرض الواقع يصعب على الكثيرين من أصحاب المبادئ الجامدة المتجمدة منذ الستينات استيعابها والقبول بها.
في المحصّلة، أمامنا اليوم "شرق أوسط بمعالم جديدة" مختلفة جذرياً، حاكمها المصالح لا المبادئ والثوابت التي مرّ عليها زمن السياسات المحورية، وحلف سياسي عسكري سيتحوُل الى سوق شرق أوسطية مشتركة إقتصادياً وإنمائياً تربط الخليج بأوروبا، مروراً بالأردن ومصر، وصولاً الى قبرص واليونان فأوروبا، وقد أضيف الى معالم بروزها منذ أيام الاتفاق المصري- الإسرائيلي- الأوروبي بتزويد أوروبا بالغاز الإسرائيلي المسيّل في مصر، وهذا الاتفاق فضلاً عن كونه "طعنة" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهو يؤشر الى ما سيصبح عليه التعاون والتحالف بين العرب وإسرائيل في الآتي من الأيام.
العلاقات الخليجية- العربية- الإسرائيلية تتغير بتبدّل الحاجات والأولويات بحيث بات "الكل بحاجة للكل" في هذه المرحلة من التحولات الدولية الدراماتيكية وجسامة الخطر الإيراني عليها، حتى أن أوروبا التي كانت، وبعد انتهاء الحرب الباردة، قد اعتبرت خطأ بأن الأوان قد حان لتحويل استثماراتها وإنفاقها نحو الاقتصاد والتنمية، تُفاجأ اليوم وأمام هول الصدمة والفجيعة التي شكلها اندلاع صراع عسكري في قلبها يهدد كيانها ومصيرها ووحدتها في أوكرانيا، لتستفيق على نقص في التسلّح ظهرت تجلياته في العجز المباشر عن تزويد أوكرانيا بكافة أنواع الأسلحة التي تحتاجها في الوقت المناسب، وبعض الدول مثل فرنسا وألمانيا تعاني من نقص في المخزون التسليحي، وترسل من قطع ألويتها العاملة جزءاً من الأسلحة الى كييف، فيما الحكومات وجهت نحو زيادة التصنيع الحربي، وعليها اليوم واجب إقناع شعوبها وبرلماناتها بالتصديق على ميزانيات حرب، لأن أوروبا ليست في حرب ضد روسيا لكن الحرب في أوكرانيا عاجلتها على غفلة.
يبقى السؤال : هل أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الشهر المقبل الى المملكة العربية السعودية للمشاركة في قمة عربية خليجية – ستأتي قبل أو بعد حصول تطور عسكري ما على جبهة ايران؟المرجح ألا يحصل أي تطور عسكري قبل الزيارة، وبالمقابل على الرئيس الأميركي أن يعمل على مباركة هيكلية تعاون أمني بين إسرائيل ودول الخليج ودول عربية أخرى في وجه الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي إن حصل، فسيكون الدليل القاطع على انتهاء المفاوضات النووية في فيينا، والتي دكّ المسمار الأول في نعشها مع تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي كان بمثابة حكم إدانة لطهران.