كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لبنان البلد الوحيد في العالم الذي ينتخب رئيس جمهوريته من دون أن يكون مرشحاً، يخلو الاستحقاق من المنافسة إلّا ما ندر. الرئيس بالتوافق قبل التصويت، وإذا غاب التوافق وقع البلد في فراغ طويل. في لبنان مرشحون غير معلنين ومرشحون بالنوايا وآخرون يتلمّسون الرئاسة خلف الكواليس.
بعد الاتصالات والمشاورات والزيارات المكوكية للموفدين الدوليين، خرج بعضهم باستنتاج مفاده أنّ الرئاسة في لبنان معقّدة بما يجعل الاستحقاق في مهبّ التأجيل لسنوات إلا متى دقّت ساعة الانتخاب بنتيجة تسوية إقليمية دولية فسيكون لبعبدا رئيس في غضون 24 ساعة. التسوية في الحالة اللبنانية من وجهة نظر إقليمية ضرورية بالنظر إلى حجم الخلاف الداخلي. يقول دبلوماسي عربي في جلسة خاصة إنّ كل الموضوع عند «أبي مصطفى» أي رئيس مجلس النواب نبيه بري، متى أراد أن يُنتخب الرئيس ساعد بإخراج من عِنديّاته. برأيه إنّ بري يمكن أن يكون أكثر مرونة في موقفه وأن يفتح مجلس النواب لانتخاب الرئيس. لهذا السبب ستعاود اللجنة الخماسية حراكها من عين التينة لربما نجحت، حيث أخفقت في المرّات السابقة. وما لم يقله الديبلوماسي هو أنّ الانقسام حيال المرشّحين المحتملين ينسحب على الدول المعنية بالملف الرئاسي. خمس دول منقسمة، ولكل منها مرشّحها الذي تتجنّب تبنّيه علناً. وتحتفظ بتقييم المرشّحين المحتملين.
سليمان فرنجية شخصية مقبولة من حيث المبدأ. عائلته وعلاقاته الإقليمية تجعله من وجهة نظر جهات في «الخماسية» مرشحاً منطقياً. علاقته بالنظام السوري يمكن أن تؤمّن عودة النازحين وأنّ تحلّ مشكلة الحدود المتفلّتة مع سوريا. يحظى فرنجية بقبول عدد من دول «الخماسية» فلا تمانع وصوله قطر وفرنسا. لكنّ مشكلته بالنسبة إلى المملكة السعودية وأميركا أنه مرشح «حزب الله». أما داخلياً فلا يحظى بتأييد مسيحي من أبرز كتلتين مسيحيتين وهذا ما تأخذه «الخماسية» في الاعتبار. تمسّك «حزب الله» بفرنجية يجعل تداول اسمه سعودياً وأميركياً غير وارد ما لم تتفق أميركا وإيران على إبداء مرونة متبادلة.
لا يزال ترشيح قائد الجيش قيد التداول، لكنّ مشكلته في نظر «الخماسية» حاجته إلى تعديل الدستور بموافقة 86 صوتاً، يصعب تأمينها في مجلس نواب منقسم كالمجلس الحالي. وطرح ترشيح اللواء الياس البيسري لم يرفضه بعض دول «الخماسية» التي رأت فيه مرشحاً يمكن أن يشكّل تقاطعاً، لكنه لا يحظى بإجماع.
هناك أزمة تتّصل بأسماء المرشحين للرئاسة. لا وجود لاسم مرشح متفق عليه أو يشكّل حداً أدنى من الإجماع. في إحدى الجلسات اقترح أحد ممثلي «الخماسية» إعداد لائحة من تسعة مرشحين تختارهم بكركي فينتقي «الثنائي» ثلاثة منهم في المرحلة الأولى، ثم يتمّ الاتفاق على اسم من الأسماء الثلاثة للرئاسة. وجرت محاولة لإقناع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بالسير بفرنجية أو بقائد الجيش، وإلا تقديم اقتراح بمرشح ثالث من خارج الأسماء المتداولة.
وسط ذاك المشهد المربك لم توفّر فرنسا فرصة لتأدية دور في الرئاسة. أرسلت تستشفّ إمكانية استئناف موفدها زياراته فلم تسمع جواباً شافياً. بوجود السفير الفرنسي لم تتردّد مرجعية نيابية لدى استقبالها «الخماسية» في انتقاد الموفد الفرنسي جان إيف لودريان المتّهم بتعطيل مبادرة بري الحوارية يوم أعلن المرشح الثالث. موقف فرنسا لا يزال مبهماً حتى للدول الممثلة في «الخماسية» والأقل فعالية من بين أعضائها.
يتقاطع أعضاء «الخماسية» على وجود مشكلة في التعنّت الداخلي. يرفض «التيار» إبداء مرونة حيال ترشيح قائد الجيش وسليمان فرنجية. ويعتبر باسيل أنّ خيار البيسري أفضل من قائد الجيش، في المقابل تتموضع بكركي إلى جانب جورج خوري أكثر من المرشحين الآخرين. كما يرفض «الثنائي» التراجع عن ترشيح فرنجية رغم علمه بأنّ الظروف غير مؤاتية. يسلّم «الحزب» أنّ الرئاسة مرتبطة بمصير غزة وبالتسوية من بعدها، وإن شدّد على أنّ الحلّ داخلي.
مشكلة «الثنائي» التمسّك بفرنجية ومشكلة المعارضة التمسّك بجهاد أزعور. إنسحاب أي طرف من مرشحه يخسّره مع فارق أنّ «حزب الله» بالاتفاق مع «التيار» يمكنه أن ينتخب رئيساً، أياً يكن المرشح الذي يتفقان عليه، لكن المعارضة لا يمكن لها أن تنتخب رئيساً من دون «الثنائي». مجدّداً تتجه الأنظار الى «الخماسية». من ينتظر لقاءها يعوّل على جديد تحمله، ومن بعد الجولة ومع انتهاء شهر رمضان ستعاود حركة الموفدين مساعيها، خاصة إذا أعلن التوصل إلى هدنة، وهنا بيت القصيد.