تحوّل موضوع رفع الدولار الجمركي الى واحد من أكثر المواضيع جدلاً على الساحة اللبنانية، بعد أن كانت الحكومة على وشك رفعه الى 20 ألف ليرة لبنانية، ما أثار موجة غضب عارمة لا سيما لدى الهيئات الاقتصادية، نظراً لتداعياته على قدرة المواطن الشرائية، وعلى أكثر من صعيد.رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين، وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف الدكتور فؤاد زمكحل، اعتبر في حديث عبر LebTalks، أن الدولة تعمد مرة جديدة على أخذ الأمور الإقتصادية والإجتماعية نحو “وحول” السياسة، إذ أن ملف الدولار الجمركي وغيره يعني زيادة في الضرائب بحسب سعر الصرف الجديد، وهذه التسمية أتت بسبب وجود حوالي ١٠ أسعار صرف متعددة ما بين “صيرفة” والسعر الرسمي وتعميم ١٥١ وغيرها، واضعاً كل هذه التسميات في خانة “التمويه” لعدم القول بإن الليرة اللبنانية قد فقدت ٩٥% من قيمتها، وغياب مداخيل وإيرادات الدولة اللبنانية، وهذا كله يؤدي إلى زيادة الضرائب على الشعب المنهوب والفقير.زمكحل أكد أن هذا الأمر ليس حلاً لأن رفع الضرائب يؤثر أيضاً على خفض مداخيل الدولة بسبب الزيادة في التهريب وحركة السوق السوداء والإقتصاد الأسود.
وفي السياق ذاته، اعتبر زمكحل أن أخذ كل هذه الأمور إلى السياسة واستخدامها في الملفات السياسية يشكل زيادة في تعميق الأزمة، خصوصاً وأنها ليست حلولاً ، مشدداً على أن الحل الحقيقي لإعادة هيكلية الدولة يبدأ بخطة متكاملة متجانسة وليس بقرارات عشوائية كهذا القرار وغيره، إذ يكفي أن يكون هناك سعر صرف رسمي واحد موحّد ضمن مشروع متكامل من دون شعارات شعبوية ومن دون استغلال.
وتابع: أما اليوم فمع رفع الدولار الجمركي سيزداد التهريب، ومن دون الدولار الجمركي لا زيادة في الرواتب ولا في مداخيل الدولة في ظل غياب استراتيجية واضحة، وهذا يجعلنا نقع في دوامة مفرغة لا مهرب منها ولا حل لها.في المقابل، اعتبرت مصادر اقتصادية عبر LebTalks أن الدولار الجمركي ليس موضوع ترفٍ على الإطلاق، بل هو واقع لا بد منه، خصوصاً وأن الدولة غائبة كلياً عن القيام بواجباتها، ما سيدفع بأوضاع المواطنين أكثر فأكثر نحو التأزم، مشيراً الى أن تحديد سعر الدولار الجمركي يجب أن يضمن عجزاً مقبولاً،ولكن ما هو تأثيره على أسعار السلع الغذائية؟ هنا يطمئن نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد، الى أن المواد الغذائية في غالبيتها معفية من الجمرك، وبالتالي فلا تأثير مباشر للدولار الجمركي على أسعارها، معتبراً في حديث صحافي، أن المشكلة ليست بارتفاع الدولار الجمركي وإنما بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 34 ألف ليرة، وارتفاع سعر المازوت الذي هو أساسي لتوليد الطاقة في المحلات التجارية والسوبرماركات.وعليه تتجه الأنظار الى الى القرار المرتقب من الحكومة، والذي على أساسه من المتوقع أن تضع سعراً موحداً للدولار الجمركي، أم أنه طار الى حين انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة؟
هذا من ناحية الهيئات الاقتصادية، أما كيف يرى الإقتصاديون أهمية الدولار الجمركي، فاعتبر البروفيسور الإقتصادي جاسم عجاقة في حديث لموقع LebTalks أن “الدولة اليوم بحاجة لتأمين مداخيل، وإحدى هذه المداخيل هو الدولار الجمركي إذ أن البنك الدولي لفت الى أن إيرادات الدولة تراجعت في العام ٢٠٢١ بحدود نصف قيمتها عن تلك في العام ٢٠٢٠، والتي كانت قد تراجعت أساساً حينها بسبب الإقفال من جراء فيروس كورونا، إلا أن السؤال الأبرز يبقى في ما إذا كان الدولار الجمركي بحد ذاته يجب أن يتعدّل؟ من هنا جواباً على هذا السؤال علينا معرفة أمر مهم جداً، وهو أن واحداً من أكبر مزاريب الهدر في لبنان هو الإستيراد لأنه لا يصل إلى لبنان فقط في ظل عملية التهريب التي لو تمّ ضبطها لما كنا بحاجة إلى الدولار الجمركي، الذي بطبيعة الحال لا يمكن أن يطبّق من دون تحديد لسعر الصرف، وإلا لا حل بل هو باب يُفتَح أمام التهريب إلى الداخل اللبناني أي من دون أن يمر على الجمارك، إضافة إلى الإرتفاع الإضافي للأسعار مع طمع التجار وجشعهم والتهريب والإحتكار، وفي ظل غياب الدولة أو بتواطؤ منها، لذلك سيتم رفع الأسعار على اللبنانيين خلافاً لما يُقال، والدليل هو أنه بمجرّد الحديث عن الدولار الجمركي ودراسته بدأنا نرى الزيادة في الأسعار بشكل جنوني”، مضيفاً ” أن تطبيق الدولار الجمركي لا يجب أن يتم إلا بالتزامن مع إجراءات معيّنة وعلى رأس هذه الإجراءات مكافحة التهريب بنوعيه الداخلي لتفادي دفع الرسوم والTVA، والخارجي نظراً للإستفادة الكبيرة من الأسواق الخارجية، والثاني هو إلزام التجار بتقاضي الأموال بالبطاقات المصرفية خصوصاً بالليرة اللبنانية. أما الإجراء الثالث فهو محاربة تطبيقات السوق السوداء للدولار الذي يستفيد منها التجار بشكل هائل. من هنا ومن دون هذه الإجراءات فالتضخم حاصل ولا مهرب منه، ما سيؤدي إلى سحق الطبقتين الفقيرة والمتوسطة التي باتت شبه مختفية، مع العلم أنها في علم الإقتصاد هي أساس المجتمع وأساس الدولة وما إنهيار مؤسسات الدولة إلا من جراء إنهيار الطبقة الوسطى”.
وتابع: حسابياً ومن ناحية الأرقام “فإن تأثير الدولار الجمركي على التضخم هو 10% إنما هذا المعدل هو معدل عام ويتراوح بالنسبة للسلعة نظرياً على الورق بين ال 4 و 30 % إرتفاعاً، إلا أنه فعلياً على الأرض ونظراً لغياب الرقابة وجشع التجار فيمكن لهذه الأرقام أن تتخطى هذه النسب أكثر من ذلك بكثير”