ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس “أحد شفاء المخلّع”، وألقى عظة جاء فيها: “يسعدني أن أرحّب بكم جميعاً، لنحتفل معاً بهذه الليتورجيا الإلهيّة. مع ترحيب حارّ بحاكم مصرف لبنان الجديد كريم سعيد، مع تهانينا القلبيّة وتمنياتنا بنجاحه في مهمّته هذه الصعبة والدقيقة. فإنّا نصلّي من أجلك ومن أجل نجاحك لخير لبنان واللبنانيّين”.
أضاف الراعي: “المخلّع يمثّل كلّ إنسان، مخلّع في نفسه وروحه وقلبه بالخطيئة التي تخلّع العقل والإرادة والقلب. فالعقل المفطور على الحقيقة ينحرف إلى الكذب؛ والإرادة الموجّهة إلى الخير تنزع إلى الشرّ؛ والقلب موطن الحبّ والحنان يتّسع للحقد والبغض. كلّ إنسان مصاب بشللٍ ما. وهو مدعو لاكتشافه والتوبة عنه، والسير في مسلك جديد. ويمثّل المخلّع واقع الدولة، إذ تعاني من شلل بسبب انتقاص السيادة والتدخلات الخارجيّة الرامية إلى إزكاء التفرقة، وتعطيل الحياة السياسيّة والديموقراطيّة، وتعاظم الديون، وتكاثر أعداد الفقراء، وتزايد قطاع البطالة، وركود الإنتاج الزراعيّ والصناعيّ وإغراقه في سوق السلع الخارجيّة. فمشكورة الدول الصديقة التي تساعد لبنان للشفاء من شلله، مثل أولئك الرجال الأربعة. فالوطن لا يقوم وينهض ويزدهر إلّا بتضافر جهود جميع أبنائه. فلكلّ دينه ومذهبه وطريقة تعبّده، لكنّ الوطن، مثل الله، للجميع”.
وقال: “إذا تطلّعنا إلى تحوّلات شعوب أوروبا الغربيّة بعد الحرب العالميّة الثانية (1939-1945)، وشعوب أوروبا الشرقيّة بعد خروجها من الاحتلال السوفياتي بين سنتي 1989 و1991، نرى كيف استخلصت العبر من مآسيها. وكيف اجتمعت وتصالحت ونقّت ذاكرتها. وكيف تجرّأت وطالبت بتقرير المصير. وكيف نفضت عنها نزاعاتها الداخليّة لتنهض من جديد. وكيف خرجت من صراعاتها المناطقيّة والدينيّة نحو المركزيّة. وكيف قضت على تيّاراتها العقائديّة المتطرّفة والعنصريّة. وكيف طلّقت ولاءاتها للغرباء والتزمت الإيمان بأممها. وكيف خرجت من منطق القوّة العسكريّة إلى منطق القوّة السلميّة والاقتصاديّة”.
وتابع: “إذا تطلّعنا نحو لبنان، ونظرنا كيف تصرّفنا بعد كلّ أزمة ومحنة وحرب واحتلال، لتعرّض إيماننا بوحدتنا الوطنيّة. وبدا لنا أنّ صراعاتنا تنافس إرادة العيش معاً وتعطبها، وأنّ ذهنيّة الكسب تتفوّق على ذهنيّة التضامن، كأنّ لبنان مشروع مناصب لا مشروع دولة، نحن نأمل بعد كلّ المستجدّات في المنطقة ولبنان، وفي خضمّ اهتمام الدول الإيجابيّ بلبنان، وفي وجود رئيس للبلاد يصون الدستور ويحمي الوحدة الداخليّة ويحظى بالثقة الداخليّة والخارجيّة، أن يتحصّن الشعب اللبنانيّ والأحزاب بفلسفة إيجابيّة، وبنفسيّة متوقّدة وبشخصيّات ذات صدقيّة، وبتتويج لبنان بنظام الحياد الإيجابيّ، الذي يمكّنه من إداء دوره في رسالة السلام والحوار وحماية حقوق الشعوب والحريّات العامّة واحترام كرامة الشخص البشريّ والعيش المشترك المثاليّ بين المسيحيّين والمسلمين”.