تشهدُ المنطقة تطورات متسارعة على الصعد السياسية والعسكرية وإعادة حسابات و خلط أوراق على امتداد المساحة الإقليمية والدولية المجاورة، الى درجة أن أي تطوّر في أحدى بقع الصراع الإقليمي والدولي المجاور يرتدُّ على سائر الساحات، ويعدّلُ في الحسابات والمعادلات.
إقتراح وساطة سعودية مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا
عندما استقبلت الرياض الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكس الأسبوع الفائت، تسارعت التخمينات والتحليلات في محاولة تفسير أهداف الزيارة ومضامينها واستقراء نتائجها.
وفي المعلومات المؤكدة، أن المملكة العربية السعودية وتحديداً ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، اقترح على الرئيس الأوكراني وساطة سعودية مع الروس لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والرياض قادرة بلا أدنى شك على لعب هذا الدور، لكن الموقف الأوكراني الذي ينطوي عليه ردّ الرئيس زيلينسكي مرتبطٌ بسلسلة من الاعتبارات التي تقيّد موافقته، ليس أقلها الموقف الأميركي الذي ﻻ يبدو متحمّساً حتى الآن للتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع أن الوضع العسكري على الجبهة الشرقية الأوكرانية لا يدعو الى الاطمئنان رغم ما سجّلته قوات كييف من عمليات نوعية في القرم، وجبهة الجنوب ألحقت أضراراً وخسائر بشرية كبيرة بالقوات الروسية.
واشنطن منغمسة في وحول أزمات الشرق الأوسط
حسابات الرياض تنطلقُ دائماً من تقديم خيارات السلام على خيارات الحرب، لا سيما وأن القيادة السعودية الجديدة تعي تمام الوعي أن السير بمنطق دعم الحروب وإزكاء الصراعات والفتن يعرقلُ لا بل يقضي على فرص النمو والتنمية والتقدّم والازدهار التي تريدها القيادة السعودية للمملكة ودول الخليج عموماً، وعلى رأسها دولة الإمارات،
فالحرب في أوكرانيا في عامها الثاني المكتمل باتت على مفترق مصيري : توقّفُ المساعدات الأميركية نتيجة اﻻعتبارات اﻻنتخابية الداخلية وتراجعُ الزخم العسكري، يقابله نقص أوروبي غير قادر على تعبئة الفراغ اأميركي رغم القرار الأوروبي باستمرار دعم كييف ورفض التراجع أمام الرئيس بوتين، في الوقت الذي تستنزف فيه حرب غزة القدرات الأميركية والأوروبية، كما اﻻهتمامات والجهود مع تداعياتها في اليمن ولبنان، ما يعني أن روسيا في وضع سياسي مرتاح الى حدٍ ما نتيجة انغماس واشنطن وحلفائها في وحولِ أزمة الشرق الأوسط وصراع إسرائيل مع غزة .
عندما تقاتلُ أوكرانيا بالنيابة عن أوروبا
الرياض بدأت منذ فترة بتفكيك الشيفرات الغربية في الملف الأوكراني توصّلاً الى إمكانية جمع زيلينسكي وبوتين على طاولة واحدة لإيجاد فرصة سلام حقيقية بين البلدين تلبّي حاجات ليس فقط البلدين المتنازعَين بل المعسكرَين المتحاربَين أي روسيا والغرب، إذ يُخطىء مَن يبني حساباته على اعتبار الحرب في أوكرانيا حرباً بين الأوكرانيين والروس، لأن الحقيقة أن الحرب هي مواجهةٌ بين روسيا والغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، فالخطر الروسي بات عبر أوكرانيا على باب أوروبا، وقد صدقَ الرئيس زيلينسكي عندما أشار الى الأوروبيين الذين زارهم الأسبوعين الماضيين أن أوكرانيا تقاتلُ عن أوروبا، وبالتالي فإن سقوط أوكرانيا يعني حكماً سقوط أوروبا في وجه روسيا، وهنا المعادلة الجيو سياسية الخطيرة.
لا تغيير جذرياً في موقف واشنطن من الحوثيين
على صعيد آخر، رفضت الرياض طلباً أميركياً باستخدام مجالها الجوي لعبور المقاتلات الأميركية والبريطانية خلال قصفها لمواقع الحوثيين في اليمن وباب المندب وخليج عدن، وهذا الموقف يأتي في سياق الموقف السعودي المبدئي الذي ﻻ يرى في موقف واشنطن من الحوثيين وقصفها لهم أي تغيير جذري في المنحى المهادن بين واشنطن وطهران حيث السياسة الأميركية لا تزال ميّالة الى التسويات مع الإيرانيين في المنطقة، ما يُبطِلُ أي فعالية لأي عملٍ عسكري ضد ميليشيات إيران، ولا سيما الحوثيين في اليمن ويحوّلها الى مشهدية فولكلورية خصوصاً أن الإمارات قيّدت الأميركيين في تحرّك مقاتلاتهم لقصف الحوثيين.
الرؤية السياسية السعودية لا تزال تنظر الى سياسة البيت الأبيض والإدارة الأميركية تُجاه إيران وميليشياتها على أنها لطالما تواطأت مع إيران وميليشياتها الذين من دون إيران سيكونون على هامش الحسابات، إذ ﻻ دور لهم بمعزل عنها.
تلك الإدارة الأميركية ﻻ تزال حتى الساعة باحثة ولاهثة وراء إقامة علاقات مع إيران ونظامها، الأمر الذي ﻻ يُطمئن الخليجيين ولا سيما السعودية والإمارات اللتين قامتا بتنظيم خلافهما مع إيران، ما دفع بالإيرانيين الى تحييد المصالح السعودية- الإماراتية من استهدافات ميليشياتها.
مكافحة الإرهاب الحوثي يحتاج الى الكثير من الثقة بين الحلفاء
إنضمام السعودية والإمارات الى الأميركيين في مكافحة الإرهاب الحوثي يحتاجُ الى الكثير من الثقة بين الرياض وأبو ظبي من جهة، وواشنطن من جهة ثانية، كما يحتاجُ الى المزيد من التحالف العسكري واﻻتفاقات الدفاعية التي لم تُبرمها الإدارة الديمقراطية حتى الآن مع حليفيها الخليجيين، بالإضافة الى إنجاز تفاهمات واتفاقات إقليمية، منها إنجاز اعتراف إسرائيلي بحلِّ الدولتين كي تأتي الصفقة كاملة ومتكاملة، عندها يمكن للحليفين الخليجيين اﻻنضمام الى تحالف عسكري جدّي وليس فولكلوري ضد ميليشيات إيران، وفي طليعتهم الحوثيون .
إعادة إعمار غزة مقابل اعتراف إسرائيل بحلّ الدولتين
وصول رئيس أميركي جديد، وتحديداً جمهوري، سواء الرئيس دونالد ترامب أو أي مرشّح جمهوري آخر من نهج الرئيس ترامب وخطه هو العامل الوحيد الكفيل بإنهاء تنظيم الخلاف الخليجي- الإيراني، وتحديداً السعودي- الإيراني والإماراتي الإيراني، لأن إدارة الرئيس جو بايدن حتى الآن ﻻ تبدو مستعدّةً للتخلّي عن التواطؤ ومحاولات التقرّب من الإيرانيين على حساب مصالح الخليج والمنطقة، وهذا بمكان ما له تداعياته على مجمل أزمات المنطقة وفي طليعتها حرب غزة، إذ إن الرياض أفهت الأميركيين والحلفاء الغربيين أن إعادة إعمار غزة لن يكون مجاناً، بل في مقابل ثمنٍ سياسيٍ لا يقلّ عن اعتراف إسرائيل بحلِّ الدولتين، ولو من خلال إعلان أولي، ولو أن الدولة الفلسطينية الموعودة ستكون منزوعة السلاح أو ذات سيادة منتقصة.
تآمر ديمقراطي على التحالف العربي
تآمرٌ عربي على التحالف العربي
البيت الأبيض الديمقراطي تآمر على التحالف العربي ودعم الحوثيين ضد هذا التحالف، وهنا الحقيقة المرّة التي لم تنساها الرياض إذ وعندما كان التحالف العربي يُعالجُ الملف الحوثي عسكرياً، كانت واشنطن تدعمُ الحوثيين وتهاجمُ التحالف العربي، فكيف يُطلب اليوم من الخليجيين دعم واشنطن في ضرب الحوثي وهي نفسها لا تزال في كواليس سلطنة عُمان وغيرها تبحث عن اتفاقات وتسويات مع الإيرانيين ؟
الثنائي السعودي- الإمارات على علم بالإطار
السعوديون والإماراتيون على علمٍ بكل تفاصيل ما يحصل بين واشنطن وطهران، وعلى علم بخلفيات الخلاف الأميركي مع الحوثيين، ولذلك يدرك الخليجيون أنهم، ولو تعاونوا مع الأميركي في ضرب الحوثيين، سوف يعمد هؤلاء الى قصف مواقع سعودية وإماراتية ردّاً على التعاون مع الأميركي الذي لن يقوم بحماية أو الدفاع عن تلك المواقع ما يكون معه الخليجيون قد خسروا “تنظيم الخلاف” مع إيران من جهة، ولم يحصلوا على اتفاقات دفاعية عسكرية مع الأميركيين تلزمهم بالردّ على أي اعتداء حوثي على السعودية أو الإمارات، لا بل أكثر من ذلك، قد تعود واشنطن وتنقلبُ على تعاون الخليجيين معها ضد الحوثيين ولا تساند الرياض وأبو ظبي في ردّ 8عدوان الحوثي عنهما، فضلاً عما يؤدي تجدّد المواجهة بين الحوثي والسعودي والإماراتي من إراحة للأميركي وإبعاد التهديد الحوثي عنه وتحويل اﻻستهدافات الحوثية عنه.
إنها المناعة الخليجية المكتسبَة في التعامل مع الأميركي، وبخاصة مع الإدارة الديمقراطية الحالية حيث الثقة لا تزال ناقصة جداً إن لم نقل معدومةً، وقد زادت حرب غزة من انعدام الثقة بواشنطن في ظل عدم قدرتها على إجبار حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرّف من الولوج الى حل سلمي على أساس دولة فسلطينية، والتشجيع على مضي إسرائيل في مخطط إبادة شعب غزة، وإن كانت المصالح الخليجية- العربية- الأميركية تتلاقى في إنهاء ظاهرة الجناح العسكري لحماس وسيطرتها على القطاع.