السياسة الخارجية الإماراتية..شراكات واستثمارات مع “الكبار”، “البريكس” نموذجاً

WhatsApp-Image-2023-09-16-at-9.12.09-AM

المحرر الدبلوماسي – LebTalks

في بداية تسعينيات القرن العشرين، شهدنا تحولاً على مستوى القوى العالمية الكبرى، دبلوماسياً واقتصادياً، تظهّر عبر دور أكثر فعالية للدول “المتوسطة”.
والمثل الاحدث عن هذا المسار المستمر، هو دعوة ستة أعضاء جدد، هم الأرجنتين ومصر وأثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (وكلها تعتبر قوى متوسطة) إلى مجموعة “بريكس” (المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، فاتحاً الباب أمام إضافة قيمة كبيرة لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية والمصالحة السياسية في عالم سريع التغير.
إذ أن التعاون أصبح ضروريا في عالم يتصارع مع التحديات العالمية التي تواجه الجميع، ولكن الإطار الحالي للعلاقات الدولية يترنح تحت وطأة المنافسات الجيوسياسية الدائمة والناشئة.
فقد دمرت الحرب البرية المطولة في اوكرانيا، فكرة أن مثل تلك الصراعات صارت حكرا على كتب التاريخ، إذ أن الاختلاف الوشيك في التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين له آثار بعيدة المدى، كما أن تصاعد ظاهرة الحمائية يلوح في الأفق، وفي الوقت نفسه يزيد الصعود السريع للذكاء الاصطناعي والقلق الكبير حول ندرة الغذاء من تعقيد مجموعة القضايا التي يجب على قادة العالم مواجهتها.
ويعني الانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب أن القوى المتوسطة لها الآن دور أكبر في تشكيل المعايير والتوسط في الصراعات وتعزيز التعاون.
وتتطلب تعقيدات التحديات، مثل تغير المناخ والأزمات الصحية والإرهاب، حلولا جماعية وتدخّل القوى المتوسطة لسد الانقسامات.
وبالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة يدل الانضمام إلى مجموعة بريكس على طموح البلاد إلى تعظيم نفوذها الجيوسياسي وتشجيع التعاون متعدد الأطراف والتكيف مع عالم متعدد الأقطاب.
وكدولة شقت طريقها إلى الصدارة على الساحة العالمية، فإن اهتمام الإمارات بالتوافق مع “بريكس” يكتسب أهمية تتجاوز مجرد الاعتبارات المالية، وتعكس هذه الخطوة سعي الإمارات إلى إقامة شراكات إستراتيجية عالمية.
وتكمن إحدى المزايا البارزة لدولة الإمارات العربية المتحدة في التنويع الاقتصادي وفرص النمو، وذلك من خلال التوافق مع الشركاء الرئيسيين بفضل خلق شبكة من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، ويمكن للإمارات توسيع الإمكانيات التجارية.
وقد وقعت الإمارات بالفعل اتفاقيات مع الهند وإندونيسيا وتركيا وكمبوديا، مع خطط للمزيد من تلك الاتفاقيات في القريب العاجل.
وإلى جانب عضويتها في مجموعة “بريكس” يمكن لهذه الخطوات أن تعزز مكانة الإمارات العالمية في مجال التجارة والخدمات اللوجستية، والدليل على هذه الإمكانات هو التجارة الثنائية المزدهرة بين الإمارات العربية المتحدة والهند، والتي من المتوقع أن تصل إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030، كما زادت التجارة بين الإمارات والبرازيل بنسبة هائلة بلغت 32 في المئة بين عامي 2021 و2022.
وتفتخر دول “بريكس” باقتصادات قوية تمثل جزءا كبيرا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقد برزت الصين تحديدا كأكبر شريك تجاري غير نفطي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولا تزال العلاقات الثنائية وطيدة. ويزدهر التعاون التكنولوجي، بدءا من عمل الأبحاث وإنتاج لقاحات ومصل فايروس كورونا ووصولا إلى التعاون في البعثات الفضائية مثل مركبة راشد القمرية الإماراتية.
ومن خلال التوافق مع اقتصادات دول “بريكس” يمكن للإمارات تنويع علاقاتها التجارية والاستفادة من أسواق جديدة وتوسيع نطاقها الاقتصادي مع الحفاظ على علاقاتها التقليدية في أوروبا وأميركا الشمالية.
ويعد هذا التنويع محوريا لتحقيق هدف دولة الإمارات العربية المتحدة المتمثل في مضاعفة ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، والحد من الاعتماد على النفط، وتعزيز اقتصاد قائم على المعرفة.
ومن خلال التعاون مع بريكس ستجذب الإمارات المواهب والاستثمارات، وستستفيد شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية بالفعل من دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز للوصول إلى الأسواق الإقليمية القريبة.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه المواجهة العالمية، ترى أبوظبي أن الاستثمار طويل الأجل في التعاون هو أفضل طريقة للمضي قدما، وتهدف السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز العلاقات مع مختلف الجهات الفاعلة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا والاتحاد الأوروبي.


المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: