الطعون الإنتخابية.. مسلسل الإغتيالات تابع؟

4866_600X400articles (1)

بقلم عبدو راجحة

لبنان الحرية، هذا ما قاله شارل مالك عن لبنان عندما كان لبنان منارة الشرق وملتقى الحضارات والثقافات، لبنان الإزدهار والفن والعلم، لبنان الديمقراطية، الديمقراطية التمثيلية التي يكون فيها الشعب مصدر السلطات، فيختار ممثلين عنه في مجلس النواب ليحققوا مصالحه وطموحاته، ولينتخبوا بدورهم حكّاماً للبلاد خاضعين لإرادة وتطلعات هذا الشعب.

ولكن ماذا لو تعطلت هذه العملية التمثيلية وحرم المواطن من أهم حقوقه السياسية؟

بعد أن توالت الأزمات على لبنان وبعد أن تقاعس حكّام الوطن عن أداء واجبهم، حُرم الشعب اللبناني من الكثير من حقوقه ولكن أخطر أنواع الحرمان هو حرمان الناس من ممثليهم أي منعهم من حق التعبير ومن حق المشاركة في الحياة السياسية وعملية صنع القرار عن طريق عزل وإبعاد نواب وممثلين للشعب بكافة الطرق القمعية والاستنسابية والتي قد تكون أحياناً طرق إجرامية، كون هذا الحرمان يضرب بعرض الحائط كل مفاهيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان وكل المفاهيم التي نشأ على أساسها لبنان.

من هنا السؤال الأهم يفرض نفسه، من يجرؤ على التعدي على هكذا حق وهكذا مفاهيم مقدسة ومصانة في الدساتير والقوانين؟

بعد عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري وبعد الإنتخابات النيابية التي حصلت سنة ٢٠٠٥ والتي حاز فيها فريق ١٤ آذار على الأكثرية النيابية ب ٦٩ مقعداً، بدأت سلسلة اغتيالات لكبار قياديي وسياسيي فريق ١٤ آذار وكل من كان يعارض سياسات النظام السوري وحلفائه في لبنان والمقصود هنا حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل وغيرهم. هذه الاغتيالات طالت عدداً لا يستهان به من النواب "ممثلي الشعب" في محاولة لقلب موازين القوى في الحياة السياسية عامة وفي المجلس النيابي خاصة لمصلحة فريق حزب الله ، نظرًا لأهمية دور مجلس النواب حسب النظام اللبناني في عملية صنع القرار وإنتاج السلطة.

أمّا الآن وبعد مرور سنوات عدة على اغتيال شهداء ثورة الأرز يعود هذا المسلسل إلى الواجهة السياسية، أي مسلسل الاغتيالات، وعادت معه محاولات الإنقلاب على إرادة الناس مرة أخرى وفرض أمر واقع مغاير لتطلعات الشعب اللبناني الذي ترجم خياراته في الإنتخابات النيابية الأخيرة بانتخاب أكثرية نيابية معارضة لحزب الله وحلفائه، لكن هذه المرة الإغتيال معنوي وليس جسدياً، وبرز هذا الاغتيال بعد الحديث عن ضغوط كبيرة تمارَس على المجلس الدستوري المعيّن من قبل السلطة السياسية الحاكمة الموالية لحزب الله من أجل البت بطعون نيابية غير جديّة وغير مدعّمة بحجج قانونية ومستندات رسمية كافية، للإطاحة ببعض النواب الرابحين التابعين للفريق المعارض لحزب الله، لمصلحة مرشحين خاسرين تابعين لفريق ٨آذار، هكذا يكون فريق الممانعة قد حرم الناخبين مرة جديدة من ممثليهم ومن أصواتهم وفرض عليهم واقعاً مغايراً لما أنتجته الانتخابات النيابية بتعدٍ فاضح على الحريات وعلى كل مفاهيم الديمقراطية فيكون قد أعاد الدفّة لمصلحته واستعاد الأكثرية النيابية التي تتيح له الإمساك بزمام الأمور بالأخص مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي.

من هنا يبرز وبشكل واضح سبب إصرار رئيس الجمهورية على عدم إمضاء التشكيلات القضائية الجديدة وسبب عدم قبول حزب الله والتيار الوطني الحر بمشروع قانون استقلالية القضاء الذي قدمه تكتل الجمهورية القوية في المجلس النيابي، وذلك لضمان السيطرة على السلطات والمؤسسات كافة وللمحافظة على قدرة التصدي لأي محاولة تمرد أو ثورة أو معارضة، تنفيذًا لمشاريع خارجية ومصالح خاصة لا تُرتِب على الشعب اللبناني إلّا المزيد من الصعوبات والأزمات.

يبقى الأهم أنه في كل زمان ومكان وعند كل أنواع الإغتيالات المعتدي واحد، محور الممانعة أي حزب الله وكل حلفائه في الداخل والخارج، أمّا المعتدى عليهم هم دائما كل من يؤمن بالحرية والسيادة والإستقلال، بمعنى آخر كل من عارض و يعارض سياسات النظام السوري والنظام الإيراني في لبنان

بالعودة إلى شارل مالك يُساء إلى الحرية بأربع طرق لكن الطريق الأخطر بنظره هي الانحطاط التي لم يجد لها أي علاج سوى مواجهة الغير منحطين لها، لذلك مخطئ من يظن بأن الحرية تُقمع والعدل يُخفى، فجر الحرية سيشرق والنصر قدر الأحرار وكل مزوّر لإرادة الشعوب وكل ظالم يُمحى من ذاكرة الشعوب ومن التاريخ، فلو تعمقنا في هذا الأخير نرى أن كل صاحب حق سيأخذ حقه ولو بعد حين.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: