العبرة الجيوسياسية المستخلصَة من اتفاق الهدنة في غزة

gaza3

دخلت الهدنة في غزة حيز التنفيذ، والجميع مرتاحٌ لهذه الخطوة الإنسانية المترافقة مع تبادل للأسرى والمخطوفين بين حماس وإسرائيل .

أبو عبيدة والقاسم الشيعي المشترك

في إطار متابعتنا للتطوّر أعلاه، يفاجئنا تصريح أبو عبيدة الناطق بإسم فصائل غزة بشكره جميع حلفائه من الحشد الشعبي في العراق الى الحوثي في اليمن الى حزب الله في لبنان، وكل هؤلاء قاسمهم المشترك المذهبي شيعيتهم، فيما لم يلفظ بنت شفة بشكر للدول العربية وتحديداً وبصراحة الدول السنّية، وهو من المفترض أن يكون سنّياً لكنه ذهب الى شكر إيران وميليشياتها.

حماس ومنطق الكراهية للعرب

موقف أبو عبيدة هذا أعاد التأكيد بالدليل الحسي المباشر على انتماء "حماس" للمحور المناقض للعرب انتماءً
أعمى بعيداً عن أي منطق سوى منطق الكراهية للعرب وشعوب المنطقة، من هنا فإن شكره لهؤلاء على دعمهم يطرح علامة استفهام أخرى حول ماهية هذا الدعم وكيف دعمته إيران؟ هل ببعض المراهم والكريمات ومهدئات الأعصاب إم إطلاق الحوثي بعضاً من الصواريخ المهترئة عبر البحر الأحمر، أم أن بعض مناوشات حزب الله في جنوب لبنان المنضبطة الإيقاع والمفاعيل هي كل هذا الدعم الذي يتكلم عنه أبو عبيدة ؟
وهل نسي هذا الأخير أن غزة الشمالية تكاد تُمحى عن بكرة أبيها من شعبها الأعزل، وأن الإسرائيلي يُحاصر مدينة غزة في وضعية إطباقٍ غرباً وشرقاً وشمالاً ؟
هل نسي أبو عبيدة أن الساحل الغزاوي بات تحت سيطرة إسرائيل، وبالتالي فإن الثروات الغازية والنفطية قبالة سواحل غزة، والتي لا يُسمح للشعب الفلسطيني، صاحب الحق المشروع باستغلالها، باتت بيد جيش إسرائيل وسلطاتها؟

غسل اليدين من دم عشرات الآف القتلى والمطمورين تحت الركام

وفي هذا السياق، تتولى الأسئلة المشروعة حول أي مساعدة وأي دعم قدّمه الحلفاء الإيرانيون وأي انتصار تحقّق ؟
الإمداد بالسلاح والعتاد لا يمكن أن يمرّ إلا عبر إسرائيل أو مصر ولا منفذ آخر،
وإذا نظرنا الى الحصيلة الأولية لحرب ٧ تشرين الأول، نجد أن عدد القتلى والمصابين من حماس وفصائل أبو عبيدة هو قليل جداً، بينما عشرات الآف الغزاويين سقطوا بين قتلى وجرحى ومعوقين ومشرّدين، بالإضافة الى حوالي مليون ونصف مليون مهجّر الى جنوب القطاع : تدمير شبه كامل للمنازل والمستشفيات، الآف الأطفال و النساء والشيوخ قُتلوا، ومأساة إنسانية وموجة نزوح لا تُعدّ ولا تُحصى … فيما لم نسمع كثيراً عن أعداد القتلى والمصابين في صفوف المقاومة المسلّحة، سواء من حماس أو فصائل غزة، بل على العكس إذ عندما سُئل أحد مسؤولي "حماس" عن مسؤولية حماية المدنيين كان الجواب : على الأمم المتحدة واجب حمايتهم …فحماس غسلت يديها من عشرات الآف القتلى والمطمورين تحت ركام المباني والأحياء والشوارع المدمّرة، وأفهمت مَن يريد أن يفهم بأن مصير أهل غزة وسكانها متروك للمجهول، وهذا ما يعيشه الغزاوي حالياً .

أين المساعدات الإيرانية لشعب غزة المنكوب؟

وتكرّ سبحة الأسئلة حول المساعدات الإيرانية لشعب غزة أو من الحوثي أو الحشد الشعبي أو من نظام الأسد أو من حزب الله ؟
فمن الناحية الجيو سياسية، تتحمّل حماس وفصائلها مسؤولية نكبة غزة وأهلها بالأولوية على إسرائيل التي عليها تحمّل تبعية مجازر لا تُحصى ومذابح لا تُعد، إلا أن مسؤولية حماس أكبر وأخطر وأهم لأنه يُفترض أن تكون إبنة غزة والضنينة على الشعب في غزة ومصالحه، وبالتالي الحرص على تجنّب، قدر المستطاع، تدمير غزة وقتل شعبها، إلا أن النتيجة كما تبدو مع انبلاج فجر الهدنة لم تكن على قدر المأمول والمتوقّع، لا بل غسلت حماس يدها من دماء الشعب الغزاوي وتخلّت عنه تماماً كما تخلّت إيران وميليشياتها عنها، مهما حاولوا بالخطابات الرنّانة والمواقف التلفزيونية والتصاريح الإعلامية نفي تلك الحقيقة .

طوفان الأقصى أم طوفان غزة؟

أين "طوفان الأقصى من الأقصى نفسه ؟ سؤال آخر يُطرح، فمع كل ما حصل حتى الآن في الجنوب والأقصى في الشمال، لم نرَ مواكبة شعبية فلسطينية في الضفة على مستوى الجرف "المقاوم " ولا في بيئة عرب ٤٨ داخل إسرائيل نفسها …إذ تبيّن أن "طوفان الأقصى" ليس أكثر من طوفان غزة بالكثير، فيما الأقصى لايزال تحت إدارة إسرائيلية محتّلة .

تجاهل أبو عبيدة المتعمَّد للمساهمين بوقف إطلاق النار

مصر وقطر أوقفتا وقف إطلاق النار وحتى الولايات المتحدة الأميركية نفسها ساهمت بذلك من خلال الضغوط التي مارستها على رئيس حكومة اليمين المتطرّف بنيامين نتانياهو، فلماذا لم تشكر تلك الدول بل تم التركيز فقط على شكر إيران ؟
كما أن الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي نظمتا وفداً وزارياً ضمّ السعودية والإمارات وتركيا وقطر، جال على مراكز القرار الدولي من أجل وقف إطلاق النار، فلماذا تجاهلهم أبو عبيدة في شكره ؟
فمَن أوقف النار ليس مَن باع الغزاويين مواقف وعواطف كلامية وعنتريات فارغة، بل مَن اشتغل وجاهد فعلياً للوصول على أرض الواقع الى وقف إطلاق نار وهدنة، لا إيران التي أعلنت منذ اليوم الأول بأنها لن تدخل الحرب وكرّر حزب الله صداها في لبنان مراراً وتكراراً …

قصف واختباء داخل السراديب والشعب الغزاوي يدفع الثمن

نعم حماس وفصائلها متّهمة بالمتاجرة بدم أولاد ونساء وشيوخ وشباب غزة، وقد ظهر ذلك جلياً في بيان أبو عبيدة الذي أغفل كمية المساعدات الإنسانية والطبية من الرياض والقاهرة والجسر الجوي السعودي، الى ما هنالك من حملات مساعدة ومساندة، من هنا فإن الشارع العربي محتار بين دعم المقاومة في غزة ضد الإسرائيلي وهو أمر محمود ومشروع، وبين عدم دعم حماس وفصائلها وإعطائهم الفضل، ما يشكّل حيرة تظهر جلياً على كافة وسائل التواصل الاجتماعي وفي التصاريح والمواقف المتناقضة والتي تجد صعوبة في كثير من الأحيان في التفريق والتمييز بين الخيارين .
حماس وفصائلها لا تقاتل الإسرائيلي في غزة بل تقصفه ثم تختبىء في السراديب والأنفاق، تاركةً الشعب الأعزل فوق الأرض تحت رحمة ردود الآلة الإسرائيلية المدمّرة .

الهدنة أُعلنت، وهي في ساعاتها الأولى ونرجو أن تتحوّل الى هدنة دائمة يتم خلالها تبادل الرهائن، ونأمل أن تعود كل الرهائن الى ذويهم وعائلاتهم، إلا أن الشيء الأكيد هو أن الحسابات الجيو سياسية لحماس وفصائل غزة ما دون معدلات أي انتصار، والخوف والقلق على الأيام والأسابيع المقبلة التي قد تكون أصعب وأخطر مما حصل حتى الآن منذ ٧ تشرين الأول .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: