العراق ولبنان ضحيتا إيران…بالوكالة

1634045340994

في شمال العراق، أزمة ذات أفق مسدود الى الآن: دولة لا تقوى على ضبط حدودها وحمايتها، وتركيا التي لا تستطيع السكوت عن ما تعتبره التهديد العمالي الكردستاني لأمنها القومي، وإيران التي تقبض على خيوط اللعبة العراقية الداخلية لتعزيز نفوذها على العراق، وفي نفس الوقت لاستخدام الورقة الكردية في خدمة مصالحها ضد تركيا وما وراء تركيا.

إنه مشهد الكباش الدائرة فصوله حالياً في شمال العراق في لحظة تقاطعات محلية إقليمية ودولية ليس أقلها الفراغ الحكومي في بغداد بعد مرور 9 أشهر على إجراء الإنتخابات البرلمانية، بحيث يبدو العراق أضعف من أن يبادر الى حماية نفسه، وأبوابه مشرّعة أمام شتى التجاذبات المحلية والإقليمية ذات الإرتدادات الدولية.تركيا تحتل أراضٍ في شمال العراق، وهذه حقيقة كشف عنها رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول عبد الأمير رشيد يار الله الذي كشف، في جلسة خاصة لمجلس النواب العراقي يوم السبت 23 تموز، عن وجود 5 قواعد رئيسية للقوات التركية في شمال البلاد تضم أكثر من 4 الآف مقاتل، علماً بأن عدد نقاط الجيش التركي في العام 2021 بلغت 40 نقطة لترتفع عام 2022 الى 90،وهي وتصل راهناً الى 100 نقطة عسكرية على مقربة من مناطق زاخو والعمادية ودهوك.

الجدير ذكره أن التوتر العراقي – التركي على خلفية خرق أنقرة لسيادة العراق وسلامة أراضيه ليس جديداً، بل لطالما كانت التدخلات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني تؤرق العراقيين وتوتر علاقاتهم بالإتراك، ولطالما اعتبرت أنقرة أنها مضطرة للتدخل عسكرياً لأن العراق غير قادر على التخلص من المنظمات الإرهابية، وهذا تماماً ما كرّره وزير الخارجية مولود جاويش اوغلو بالأمس في إشارته الى التزام أنقرة محاربة المنظمات الإرهابية والتصدّي للإرهاب شمال العراق وشرق سوريا.العراق الضعيف والفاقد لمناعته الداخلية هو أمام مرحلة خطيرة ومتقلّبة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي الإقليمي، وقد جاء القصف التركي على منتجع برخ في قضاء زاخو في محافظة دهوك وسقوط قتلى وجرحى كتحدٍ تركي لإيران وللعراقيين، يُضاف الى سلّة التعقيدات التي تواجهها التركيبة العراقية السياسية الداخلية بحكم العلاقة التركية- الإيرانية الملتبِسة والتي يصح أطلاق صفة “الأخوة الأعداء” عليها في ضوء خروج الرئيس اردوغان من قمة طهران الأخيرة بعدم موافقة إيرانية- روسية على العملية العسكرية التي كانت أنقرة تهدّد بشنّها ولا تزال في شرق سوريا ضد فصائل حزب العمال الكردستاني، علماً بأن الرئيس اردوغان بحاجة لهذه العملية لتخفيف الضغوط الداخلية التي يواجهها نتيجة أعباء اللجوء السوري في تركيا ووعوده بإقامة مناطق آمنة قبيل موعد الإنتخابات التركية في شهر حزيران المقبل.

ما بعد هجوم دهوك يختلف بالتأكيد عما قبله ، لأن الهجوم المذكور كشف عورات التحالفات الإقليمية المصلحية والسطحية وأظهر ضعف العراق “الخاصرة الرخوة” في البناء الخليجي والعربي والإقليمي، والذي كان لملفه ووجوده الوقع الكبير في خلال قمة جدّة الأخيرة، في ظل رغبة عربية- خليجية بإخراج العراق من السيطرة الإيرانية، فاذا بما حصل في داهوك يعيد خلط أوراق العراق، في ظل بروز كباش تركي- إيراني غير معلن ولكنه واضح المعالم على الأرض.العلاقات بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي جيدة في المبدأ، وفي خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الكاظمي لأنقرة حاول إقناع الأتراك بإتاحة الفرصة أمام العراق لمعالجة ملف التنظيم الكردي الذي تعتبره أنقرة إرهابياً.إلا أن الأتراك لم يعطوا الكاظمي ما تمناه، ولسان حالهم يقول إن لا حول ولا قوة للكاظمي رغم نواياه الصادقة وإيجابيات مواقفه في التمكّن من حل المشكلة، وبالتالي لم يبقَ أمام العراقيين في ضوء هجوم داهوك الا مجلس الأمن الذي تقدّم أمامه العراق بشكوى لردع الجنوح التركي في الإعتداء على أراضيه.أما إيران التي دفعت بال “بي كي كي” الى أرض العراق،فقد نجحت في جلب الأتراك الى المربع الصعب وإيقاع الرئيس اردوغان في شرك الإعتداء على إيران بغية توظيف هذه الورقة تثميرها لإظهار نفسها على أنها الحريصة على العراقيين والعراق، فيما الآخرون هم الذين يعتدون على أمنه وشعبه وسيادته.اردوغان من جهته يريد حشر الإيرانيين ومن خلالهم العراقيين والأميركيين وإسرائيل في موضوع حل مسألة التنظيم الكردي، بحيث إن لم تُحلّ تلك القضية عن طريقهم فإن أنقرة جاهزة وقادرة على حلها وليتحمّل الآخرون المسؤولية وفي طليعتهم الإيرانيون والعراقيون.

العراقيون راهناً هم أمام معضلة صعبة بحيث أن أنقرة تريد منهم حل مسألة خطر تنظيم البي كي كي، الأمر الذي ليس بالسهولة المتصورة كون مفتاح الحل الأول موجود في طهران والمفتاح الثاني بيد الأميركيين، وإلا فانهم هم ( أي العراقيين ) مَن سيدفع ثمن التدخل التركي من سيادتهم وأمنهم وإراقة دمائهم كما حصل في داهوك.أنقرة ترد على منتقديها ومهاجميها بأنها لا تريد الوصول الى صِدام مع العراق والعراقيين، وقد تنازلت عن حقها في المطالبة بدماء الأتراك الذين قُتلوا في غارة في شهر شباط 2021 داخل الأراضي العراقية، وقد حصلت المجزرة آنذاك بدم بارد من قبل مجموعات إرهابية كردية كانت قد اختطفت المواطنين الأتراك، ويومها لم تطلب أنقرة انعقاد مجلس الأمن، ولا اتخذت إجراءات ضاغطة على العراق للمحاسبة والمطالبة بالمحاكمات، ولم تحمّل العراق مسؤولية تلك المجزرة.

مهما يكن من أمر فإن الأكيد بأن البي كي كي بات جزءاً من معادلة إقليمية متشابكة يصعب على العراقيين وحدهم حلها، وبالتالي فإن الدوامة التي دخل فيها العراقيون حول هذا الموضوع لا تُحل بقرار عراقي صرف بل بتعاون إقليمي، أين المنطقة من مثل هذا التعاون،اذا كان طباخو السم للعراق هم أنفسهم من يتنازعون على تقاسم النفوذ وتقوية السيطرة على دول المنطقة.أما أنقرة، فبدل مواجهتها إيران بموضوع البي كي كي، اذا بها تلقي على العراقيين مسؤولية حل المسألة وإلا فإنها تتدخل وتخرق السيادة العراقية بما يذكرنا بالمعادلة اللبنانية مع حزب الله، حيث الدول الشقيقة والصديقة تلقي على اللبنانيين مسؤولية التخلّص من سلاحه الإيراني، في حين يعرف الجميع بأن موضع معالجة هذا السلاح في مكان آخر، ورغم ذلك فإن اللبنانيين يعانون ويقاطعون ويدفعون الأثمان الباهظة من دمهم ولقمة عيشهم ومستقبلهم واقتصادهم ومؤسساتهم الدستورية، فيما المعنيون بحل مسألة السلاح في مواقع أخرى.بغداد تعتبر أن مشكلة البي كي كي ليست مشكلة عراقية كي يتحمّل العراقيون مسؤولية حلها، بينما تعتبر أنقرة أن هذه المجموعات تعمل من داخل الأراضي العراقية ومَن يقف وراءها، أي اللاعب الإيراني الممسك بخيوط ضرب استقرار المنطقة وزعزعة أمن العراق، مختطفاً بذلك العراق والعراقيين تماماً كما هو مختطِف للبنان واللبنانيين، فكما أن الحشد الشعبي سارع أثر هجوم داهوك للإعلان عن التعبئة بحجة الدفاع عن العراق وسيادته إستغلالاً من طهران للقصف التركي لمحاولة التقاط اللحظة العراقية الجامعة المنتفضة ضد الأتراك، وإظهار طهران نفسها منقذةً العراق والعراقيين، يبادر حزب الله في لبنان، وبحجة تهديد إسرائيل لمصالح لبنان في مياهه وأرضه، الى حمل لواء المواجهة لمحاولة الاستثمار في لحظة توحّد اللبنانيين أمام أي خطر إسرائيلي، وإظهار إيران نفسها من خلال ميليشاتها في المنطقة على أنها الضمانة لأمن الدول التي تتواجد فيها وسلامتها.من هنا انعدام مصلحة إيران وميليشياتها في المنطقة ومنها لبنان والعراق في قيام دول قوية ومؤسسات دستورية ورخاء وازدهار وتطور في البلدان التي تحتلّها، لتبقى يد إيران على تلك الدول المنهارة، مبرزةً وجودها كمنقذة ومدافعة عن سيادة الدول والشعوب التي تحتلها ومصالحها.

ففي العراق ومنذ العام 1984، نسقت مجموعة الطالباني مع مجموعة العمال الكردستاني بإشراف إيراني مباشر مع ايران مباشر، وهي نفسها أي إيران تحاول راهناً حمل العراقيين، وبحجة إعتداء تركيا على سيادة العراق وأمنه العراق، على مواجهة الأتراك ربما عسكرياً، وطهران تضغط بهذا الإتجاه لأن في ذلك خدمة لها، فيما تبقى هي من الخلف ممسكةً بخيوط العراق وتحارب تركيا بالعراقيين.

العراق ولبنان اليوم هما ضحيتا إيران … بالوكالة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: