من يتمعن بمضامين القرارين الاممي والعربي ، يجد امامه حقائق لا يبدو ان الكثيرين من المعلقين والسياسيين والمحللين ينتبهون لها وذلك في معرض احاديثهم ومداخلاتهم حول هذا التطور.
فالقرار العربي المتخذ من قبله وزراء خارجية دول الجامعة العربية بعودة سوريا لشغل مقعدها ، هو في الواقع الخطوة التي ضيقت الخناق نهائيا على بشار الاسد ونظامه حيث ان القرار المذكور ، اغلق الباب كليا امام هذا "التظلم" لاستمرار اللعب على التتاقضات العربية وقد جاء هذا القرار العربي ليترجم اتفاقا لا بل واجماعا عربيا على ضرورة التزام دمشق بمقتضيات القرار الاممي رقم ٢٢٥٤ كاساس لا مفر منه ولا مداورة فيه لحل جذري للازمة السورية وتداعياتها على المستوى الاقليمي والدولي .
اهمية القرار العربي بعودة سوريا الى الجامعة تنبع مما تتطلبه هذه العودة من النظام السوري : فبشار الاسد لم يعد الى الجامعة منتصرا لافعاله وحكمه طوال ١١ عاما بل عاد مرغما مكسورا بعدما انكشف عنه الغطاء الروسي كما الإيران الاول، لعدم رغبة موسكو في عرقلة مصالحها مع المملكة العربية السعودية تحديدا والثاني لعدم رغبة طهران في الاخلال باتفاقها مع المملكة والراعي الصيني الضامن .
نظام الاسد بعودته الى الجامعة العربية انما يعود الى نمط وسلوك وعالم مختلفين تماما عن ما عاش فيه طوال ١١ سنة ، فهو في الظاهر يعود الى الحضن العربي لكن هذا الحضن لن يستقبله بالورود والارز ، بل بجردة كاملة شاملة دقيقة ومفصلة بارتكاباته وجرائمه وبجدول اعمال مستقبلي للمرحلة المقبلة لا خيار امامه سوى تنفيذه والالتزام بمقتضياته .
اللافت الذي لم يأتي احد على ذكره ، هو ردة فعل النظام على قرار الجامعة العربية والتي جاءت فاترة باردة صاغتها وزارة خارجية النظام بعبارات المتابعة باهتمام للقرار العربي دون اي ترحيب وخاصة دون اي اعلان بالتزام النظام بهذا القرار .
نظام الاسد بان امام شبكة متكاملة من القرارات التي عليه تنفيذها والالتزام بها : بيان اجتماع عمان الوزاري الاخير والقرار العربي رقم ٨٩١٤ والذي يعني تفويضا دوليا وعربيا لانقاذ القرار الاممي رقم ٢٢٥٤ .
والواقع ان قرار الجامعة العربية ٨٩١٤ وبيان عمان التشاوري شكلا الاطار القانوني والسياسي لتنفيذ القرار الامني القاضي بدوره بانفاذ الحل السياسي في سوريا وتسليم السلطة الى مجلس حكم انتقالي يرفع يد النظام نهائيا عن ادارة البلاد وينهي سيطرته على مفاصل الدولة .
قرار الجامعة العربية اذا اعتمد على بيان اجتماع عمان التشاوري الذي ارسى مبادىء عودة سوريا الى اشغال مقعدها في الجامعة فيما القرار ٨٩١٤ وضع ركائز تنفيذ المبادىء التي تهدف لحل المسألة السورية من كافة جوانبها .
الباب فتح امام بشار الاسد لحضور القمة العربية وليته يحضر اذ عندها سيعتبر ذلك اعترافا كاملا منه بالقرارين العربي والاممي ومتطلباته وقبوله ضمنا بالتغيير السياسي القادم في سوريا .
الجدير ذكره ان القرار العربي جاء تتويجا لسلسلة من المبادرات واللقاءات والاجتماعات التشاورية التي رسمت مسارات تنفيذ القرار الاممي بدأ من زيارة وزير الخارجية المصري سوريا في شباط الماضي مرورا باجتماع جدة التشاوري في نيسان الماضي وزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان دمشق فالاجتماع التشاوري في عمان الشهر الحالي وصولا الى اجتماع وزراء الخارجية العرب منذ ايام معدودة والقرار ٨٩١٤ .
يجب ان لا ننسى ان الزلزال الاخير الذي ضرب تركيا وشمال سوريا ، كانت له تداعيات دفعت باتجاه تسريع الحل السوري اذ ان تركيا بعد الزلزال لم تعد قادرة على تحمل اعباء النزوح السوري على اراضيها وهي باتت تواجه صعوبات جمة في ايواء مواطنيها المنكوبين فازداد الضغط باتجاه انهاء الملف السوري الشاذ وتسريع الحل السياسي وعودة النازحين الى ديارهم .
عودة النازحين السوريين باتت النقطة المحورية والبند الاول على جداول عمل دول المنطقة وبخاصة الدول العربية وقد تصدرت مسألة النازحين السوريين كل النقاشات سواء اثناء اجتماع جدة التشاوري في ١٥ نيسان الماضي او اثناء اجتماع عمان التشاوري في الثاني من الشهر الحالي .
جوهر القرار الاممي الموضوع اذا قيد التنفيذ عربيا يتناول تشكيل هيئة حكم انتقالي تنتقل اليها كل صلاحيات السلطات التنفيذية تمهيدا لاحداث التغيير السياسي المطلوب والذي يعني انهاء حكم الاسد لصالح نظام حكم جديد لسوريا .
عودة الاسد اذا الى الجامعة عودة كما قال عنها السعوديون مشروطة بقبول الاسد بالتغيير السياسي الذي يعني قبوله بالوصول الى مرحلة انتهاء نظامه الامر الذي يطرح اكثر من علامة استفهام حول قبول الاسد بهذه النتيجة وقد يرفضها وبالتالي كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة والخيارات مفتوحة في كل الاتجاهات .
وسائل اعلام سعودية سربت مطالب العرب من نظام الاسد والمتطابقة مع مندرجات القرار الاممي ٢٢٥٤ وابرزها :
ضمان وصول المساعدات الانسانية عبر الحدود
اعادة اللاجئين
استئناف عمل اللجنة الدستورية
الافراج عن السجناء
اجراء انتخابات
والالتزام بوقف العمليات العسكرية اي منع تمدد النفوذ العسكري للنظام في مناطق جديدة .
الالتزام باخراج جميع القوات الاجنبية من سوريا اي ايران وميليشياتها وروسيا وهي امور تبدو عصية على النظام العاجز عن حكم نفسه فكيف بحكم القوات الاجنبية .
اهمية القرار العربي ٨٩١٤ اقراره مبدأ الخطوة بخطوة وصولا الى تطبيق كامل للقرار الاممي ٢٢٥٤ بدءاً من خطوة ايصال المساعدات الانسانية لكل محتاجيها في سوريا وبما في ذلك وفق الاليات المعتمدة في قرارات مجلس الامن ذات الصلة .
واهميته السياسية تكمن في انها تثبت فشل نظام الاسد في حل قضية بلاده بالشكل الصحيح والناجح ما دفع بالدول العربية الى استعادة المبادرة واخذه الى نهج واسلوب مختلفين لحل القضية يستندان الى قرارات الشرعيتين الدولية والعربية وبالتالي عودة مأزومة وغير مختارة من قبل النظام ومغايرة تماما للشروط التي كان يريدها ويتمناها لو كان منتصرا في حروبه وسياساته في حكم سوريا .
فالاسد بات امام المطرقة والسندان : مطرقة القبول بشروط عودة سوريا الى الجامعة العربية والمنبثقة من الشرعيتين الاممية والعربية وسندان عواقب عدم التزامه بتلك الشروط . وبالامس اعلن وزير الخارجية الاردني أيمن الصفدي ان بلاده ستقوم بعمل عسكري داخل سوريا في حال لم يلتزم للنظام السوري بقرار الجامعة العربية وعدم توقف تدفق المخدرات نحو الاراضي الاردنية ودول الخليج والعالم .
من هنا نعتقد ان ١٩ ايار الحالي سيكون تاريخا مفصليا لمصير القرار العربي بحيث اذا حضر بشار الاسد القمة العربية سيعني ذلك قبوله بالشروط وبقرارات الشرعيتين الاممية والعربية وان لم يحضر فسيكون ذلك دليلا على عدم رغبته لا بل عدم قدرته على الالتزام بالشروط المفروضة عليه والياتها وبالتالي ستفتتح ابواب عمل عسكري كبير بمشاركة اميركية مباشرة تنهي النظام وتفرض بالقوة التغيير السياسي في سوريا .
الاسابيع المقبلة حافلة بالتطورات والاهم ان نظام دمشق بات اعجز من ان يسند اليه أي دور خارج الحدود وهو بالكاد لا يضمن بقاءه في المستقبل القريب
