"القوات" و"العونيون" وثورة الـ 58

WhatsApp-Image-2023-04-26-at-11.08.35-AM

كثيراً ما يُحكم على ظواهر الأمور لا على بواطنها وكثيراً أيضاً ما يُكتفى بالنتائج وتُهمل الاسباب. فكيف متى كان هذا النهج متعمّداً من قبل بعض الاطراف السياسية مستعينة بصانعي الرأي وخدمة لمصالحها وأجنداتها ولو على حساب المصداقية والمنطق. هذا هو واقع الحال في توصيف تقاطع المواقف عند أكثر من إستحقاق بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" في الاشهر الاخيرة.

لذا يحلو للبعض الحديث عن إصطفاف مذهبي أو عن "معراب 2" وإلباس كل المواضيع ثوباً طائفياً، فيبالغ برسم سيناريوهات عن تحالف قواتي – عوني مع إدراكه أنها من نسج الخيال ولا تتعدى إطار التلاقي العفوي التكتي لأن الخلاف بينهما جذري وذو بعد إستراتيجي والأهم لأن الثقة معدومة.

خلال إتفاق معراب سعت "القوات اللبنانية" الى اكثر من هدف، فيما تبين أن "التيار" سعى الى هدف واحد أوحد هو الوصول الى السلطة.

سعت "القوات" الى طي الصفحة الدموية بين الطرفين كي لا تتحول "كربلائية" وتتوارثها الاجيال.

سعت "القوات" الى كسر النهج الاستعلائي بفرض الرؤساء منذ الطائف وتهميش القوى الوازنة في المكوّن المسيحي.

سعت "القوات" الى الاستجابة لمطالبة الأكثرية الصامتة من المسيحيين بوضع حدّ للخلاف بينها وبين"التيار" لأنه برأي هذه الاكثرية يُبقي الدور الوطني المسيحي ضعيفاً وثانوياً ويُغرق المسيحيين باليأس والإحباط من الخلافات والانقسامات والتشرذم.

سعت "القوات" الى قطع الطريق على وصول مرشح اصلي من "8 آذار" بعد كبوة "14 آذار" بمجرد فتح الرئيس سعد الحريري الباب على التفاوض مع رمز "الوفاء والولاء" لـ"الخط" النائب السابق سليمان فرنجية تحت ذريعة إستحالة وصول مرشح "14 آذار" سمير جعجع بعد عشرات الجلسات عوض الضغط للتوصل الى مرشح خارج هذين الاصطفافين. حينها قالها جعجع بوضوح في 20/1/2016: "فرنجية 8 آذار اصلي، امّا عون فـ 8 آذار تايواني" وبالتالي فالتعامل والتعاطي مع عون هما اسهل بكثير اذ انه يمكن الوصول معه الى طريق وسطية". لم يجزمها فقال "يمكن الوصول"، فيما استحالة الوصول مع فرنجية كأنت أمراً محسوماً مجزوماً.

سعت "القوات" الى وضع ضوابط وأطر لعهد العماد ميشال عون وفق رؤيتها ومبادئها عبر إلزامه التعهد مباشرة على الهواء أمام اللبنانيين – لا بل العالم أجمع - بالنقاط العشر لـ"إعلان معراب" التي تمحورت حول المبادئ الكيانية والسيادية والدولتية. مع الاشارة الى أن كثراً ممن قالوا يومها "هوشعنا" لهذا الاتفاق، يقولون اليوم "أصلبه". هذا بديهي عند البشر فهم دوماً يُقنِعونَ أنفُسهم بأن الأحداث يمكن تفسيرها عند وقوعها من خلال مفهوم "الإدراك المتأخر" اي رؤية الأحداث الماضية على أنه كان من الممكن التنبؤ بها بشكل حتمي قبل حدوثها.

لذا اتفاق "معراب 2" غير وارد إذ إن ثقة "القوات" بـ"التيار" ورئيسه النائب جبران باسيل ومؤسسه العماد عون معدومة بعدما تنصلوا من إلتزامهم بالنقاط العشر ولم يطبقوا اي نقطة منها. في عام 2016، مشت "القوات" أكثر من نصف الطريق لتحقيق مساعيها الواردة أعلاه. أما اليوم، فهي ثابتة في تموضعها ضمن صفوف المعارضة. وإن إكتفت عام 2016 بتعهد عون بالنقاط العشر، فهي في العام 2023 لن تقبل بأقل من تطبيق هذه النقاط العشر على ارض الواقع لتفكّر بإمكان إعادة بناء الثقة.

في الخلاصة، العلاقة بين "القوات" و"العونيين" اليوم أشبه بالعلاقة بين "الكتائب" و"السوري القومي الاجتماعي" وتصديهما لثورة 1958 التي خيضت ضد الرئيس كميل شمعون. إجتمع الاثنان على رفض الثورة، لكن "الكتائب" حينها كـ"القوات" اليوم موقفها ينبع إنطلاقاً من دعمها لمفهوم الجمهورية وسيادة الدولة وسلطة القانون. أما "التيار" فكـ"القومي" الذي أيّد شمعون إنطلاقاً من مصالحه الخاصة والقائمة على التصدي للمد الناصري وعروبته التي تتعارض مع مفهوم "سوريا الكبرى" و"الهلال الخصيب" وتفوّق ابناء بلاد الشام على باقي البشر وكذلك على التصدي للوحدة بين مصر وسوريا حيث نُكّل بالقوميين… إنها علاقة ظرفية تكتية ومن الاجرام إدراجها في إطار الاصطفافات الطائفية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: