مع وصول الشغور الرئاسي إلى الشهر التاسع ومن دون أن تلوح أية معالم على موعد انتهائه ووضع حدٍ للفراغ المؤسساتي الناجم عن غياب رأس الدولة، تتزايد سيناريوهات التهويل بتراجع الدور المسيحي في الدولة وفي المؤسسات حيث يتمّ التركيز من قبل الأطراف التي تقف وراء هذه الحملات، على الهجرة المتزايدة في صفوف المسيحيين نتيجة الإنهيار المالي والإقتصادي وضبابية الأوضاع الإجتماعية.
لكن الواقع مختلف بالكامل عن هذه الصورة التي يسعى البعض إلى تكريسها في ذاكرة المجتمع عموماً والمسيحيين خصوصاً، بهدف تخويفهم ودفعهم على القبول بخيارات سياسية وتفاهمات مشبوهة، حيث تكشف أوساط سياسية واسعة الإطلاع، عن أنه لا يجوز الإستخفاف بقوة المجتمع المسيحي أو بحقوقه، مشيرةً إلى أن العدد غير مهمٍ.
وتوازياً، تكشف هذه الأوساط، وبالأرقام، أن الوجود المسيحي في الإدارات غير مهدد ولم يتراجع، على الرغم من الحديث عن امتداد الشغور الرئاسي إلى موقعي حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش، وبالتالي خطة هيمنة الثنائي الشيعي على هذه المواقع بفعل الشغور وعدم قدرة حكومة تصريف الأعمال على التعيين، والأهمّ بسبب الأمر الواقع.
وتشير إلى أن 35 بالمئة من المواقع الخاصة بالمسيحيين في المؤسسات الرسمية شاغرة حالياً، بينما 44 بالمئة من مواقع المسلمين شاغرة، وهو ما يُسقط بشكل واضح كل نظريات تخويف المسيحيين ودفعهم إلى الإحباط كما سبق وحصل في محطات سابقة من قبل جهاتٍ معروفة داخلية وإقليمية.
وبالتالي، فإن هذا الواقع يقود إلى المواجهة من قبل القوى والأطراف المسيحية، التي ترفض أي نظريات تقوم على العدد وعلى النفوذ في الإدارات، والعمل على بلورة مقارباتٍ تؤكد على أن اتفاق الطائف هو الذي يحمي ويحفظ دور ووجود كل الطوائف في لبنان ومن بينها الطائفة المسيحية، علماً أن الأزمة المالية وانفجار الثورة في العام 2019 قد دفعت بكل اللبنانيين إلى القلق والخشية على المصير والهجرة إلى الخارج من أجل تأمين الإستمرارية، وتشدد الأوساط على أن هذه المعادلة تنسحب على كل أركان الوطن بكل شرائحه.
لكن المواجهة التي تتواصل من قبل المسيحيين لكل مشاريع ومؤامرات الداخل والخارج الهادفة إلى استضعافهم، تضيف الأوساط، تستلزم بحثاً ونقاشاً في تطبيق اتفاق الطائف بعيداً عن أي استنسابية أولاً وتطبيق اللامركزية الموسعة التي نصّ عليها الطائف ثانياً، وذلك على الرغم من أن هذا الطرح والذي يترافق مع الحديث عن الفدرالية، يدق جرس الإنذار لدى فريق الممانعة الذي يريد استغلال كل مقدرات المجتمع المسيحي في مجالات الإقتصاد والمال والصحة والتربية وغيرها من المجالات.
وفي الخلاصة فإن اللامركزية الموسعة ووفق الأوساط نفسها، هي أساس المقاومة السياسية لأية مشاريع هيمنة خارجية على لبنان ومؤامرات هادفة إلى تغيير وجهه وتخويف أبنائه، كما أن هذا الطرح هو الذي يحقق الحل المنشود والتركيبة السياسية التي يبحث عنها المسيحيون اليوم.
