اللعبة الإقليمية القذرة على حساب غزة

150614222241_gaza_war_624x351_ap_nocredit

أما وقد دخل قطاع غزة حال الهدنة المتفق عليها بمبادرة وجهود مصرية بالدرجة الأولى، وبدأت الرؤوس تبرد وينقشع غبار المعارك لا بل التقاصف المدمّر الذي لا يدفع سوى الأبرياء في القطاع أثمانه المقيتة، بات بالإمكان تحليل ما جرى بالمعطيات الآتية :

- أولاً : تقاطع أجندة بين تل أبيب وطهران، مع إلتقاء مصالح الإسرائيليين والإيرانيين في هذا التوقيت حيث رئيس وزراء تصريف الأعمال مائير لابيد بحاجة لتسجيل انتصار ميداني يثبت من خلاله أنه الرجل القوي القادر على ضرب آلة الإرهاب الفلسطيني بالمنظور الإسرائيلي، وبالتالي اكتساب أوراق عشية إنتخابات إسرائيلية مبكرة تحاول إخراج إسرائيل من عنق الزجاجة السياسية الداخلية.ومصلحة إيران في لحظة حشرها مجدداً في فيينا حول ملفها النووي حيث الأميركيون لا يقبلون بآليات رفع العقوبات عنها، والتي تقترحها طهران بعدما بات من المستحيل أن تقبل طرحها إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، كما بات من المستحيل الإستجابة لشرطها بضمان إستمرارية الإتفاق رغم تبدّل ساكن البيت الأبيض بعد الرئيس جو بايدن والديمقراطيين. فإيران أرادت إثبات امتلاكها أوراق خربطة أي وضع إقليمي من بوابة فلسطين، وبالأخص ذراعها الغزاوي حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس، فجاءت "همروجة " الأيام الثلاثة لتحقق أهدافها، واذا كانت القيادة الإسرائيلية أعلنت قد أنها حققت أهدافها من العملية فبالإمكان القول إن إيران أيضاً حققت ما أرادته من إبراز قوتها في غزة، وإن كانت الغلبة الجيو سياسية دائماً الى جانب إسرائيل نظراً للوضعية الجغرافية والديمغرافية المريحة لها، في مقابل واقع قطاع غزة ذات الكثافة السكانية وضيق الأمكنة الخالية وأماكن اللجوء ما يلحق كل مرة بالشعب الغزاوي أفدح الأضرار والخسائر.

- ثانياً : سابقة لم تُسجل من قبل تجلّت في حصول الفصل بين حماس و"الجهاد" وإرسال إسرائيل منذ اللحظة الأولى رسائل بأنها لا تستهدف حركة حماس وأنها تحصر عمليتها وضرباتها ضد "الجهاد". والأدهى أن حركة حماس قبلت بعدم الإنخراط والتورط في هذه المعركة.

هذه الظاهرة تعكس عدة حقائق ليس أقلها :

- مع أن حركة حماس مدعومة أيضاً من إيران إلا أنها ومنذ 2018 خرجت من كونها أداة إيرانية خلافاً للجهاد الإسلامي وسرايا القدس، فاذا بحماس تعيد تموضعها بالإنفتاح على عمقها العربي المباشر ألا وهو مصر وقطر، إضافة الى تركيا، ما أعطى مصر القدرة على التأثير المباشر والميداني على قرارات حماس بنفس الوقت الذي أبقت فيه نفسها تابعة للخط الإخواني المدعوم قطرياً وتركياً.

- أبت حركة حماس التورط في حرب لا ترى مصلحة لها فيها وهي التي لا زالت تعاني من تداعيات الجولة الماضية في العام الماضي والخسائر الكبيرة التي تكبّدتها، لاسيما وأن هذه الحرب الخاطفة أرادتها حركة الجهاد الإسلامي وحماس لا تقبل بأن تكون الجهاد مَن يحدد قرار الحرب والسلم في القطاع وأن تتزعم القرار الغزاوي، وقد تنامت بين الحركتين الحساسيات السياسية والقيادية للشارع الغزاوي منذ أكثر من عام، بما أوحى لحماس أن ثمة فوارق بينها وبين الجهاد لا يمكن التوافق عليها رغم أنهما في الخندق الواحد نفسه ويتشاركان رفض السلطة الفلسطينية الحالية ويستفيدان من دعمٍ إيراني، لكن على درجات تعزز أكثر وضعية الجهاد على أرض الصراع.

– طموح حركة حماس بأن تطرح نفسها أكثر من قبل بديلاً سياسياً عن السلطة الفلسطينية في تمثيل الشعب الفلسطيني وقيادته، أكثر منه تنظيم عسكري مقاوم، خصوصاً في ظل ما يُحكى عن تغييرات مرتقبة في القيادة الفلسطينية وهيكليات السلطة التي لا يزال محمود عباس يتزعمها رغم تقدمه في السن وحالته الصحية المتراجعة.

نحو إنهاء العمليات في خلال وقت محدد كي لا يطول الأمر، الذي لو حصل كان سيُحرج كثيراً حركة حماس وقد يضطرها للتدخل.من هنا تحوّل اهتمام حركة الجهاد نحو تقليل الخسائر أكثر منه البحث عن تحقيق انتصارات، خصوصاً بعدما أدركت حياد حماس وعدم استعدادها لدخول المعركة.سرايا القدس في بيان جديد لها أظهرت للعلن ما يدور في النفوس بحيث أكدت على ترابط الساحات وعدم السماح بالإستفراد بجزء من فلسطين كرد مباشر على حيادية حماس والضفة وغياب أي تفاعل من عرب 48 كما كان قد حصل مؤخراً في المواجهات العام الماضي.فهذا الغموض في وحدة الصف الفلسطيني والغزاوي يطرح أكثر من إشكالية حول مآل مشروع المقاومة الفلسطينية برمته:

1 – هناك العنصر البشري الغزاوي الذي بات ضاغطاً على القيادات الفلسطينية في غزة في ظل تكوّن قناعة ويقين بأن الشعب بات وقوداً لصراعات تتجاوز حدود قضية فلسطين، فمَن تابع خلال الأيام الثلاثة الأخيرة المقابلات مع الشارع الغزاوي يستخلص الإنهاك الذي وصل اليه من تلك الحروب المتتالية وغير المجدية والتي يدفع القطاع فواتيرها من لحم شعبه الحي وممتلكاته ومنازله ومتاجره، في ظل أزمة إقتصادية خانقة زادت من نسبة البطالة في القطاع لتتجاوز 50% وانعدام الخدمات الصحية والبلدية والتعليمية وسواها.أحد الموطنين الغزاوين قالها لإحدى مراسلات تلفزة أجنبية "لم نعد نريد الحروب ... لقد تعبنا وإنظري الينا بأية حال أصبحنا ..." فلعل في هذا الكلام الصادق من مواطن غزاوي خير دليل على انتفاء الحاضنة الشعبية التي لطالما ظللت ودعمت المقاومة الفلسطينية عبر عقود.

2 – بوجود قيادة الجهاد في إيران وقيادة حماس بين قطر وتركيا يتضح بجلاء عمق المأزق الفلسطيني الغزاوي، بحيث أن القائد الذي لا يكون مع شعبه يتحوّل رويداً رويداً الى موضع شبهة واتهام بترك الشعب، وهذه الظاهرة إن دلت على شيء فعلى عدم قدرة القيادات على العيش في قطاع بات محصوراً ومدمراً وآيلاً للسقوط، فضلاً عن ترهل السلطة الفلسطينية نفسها وضعفها وخلافاتها الداخلية مع غزة ومع فصائل منظمة التحرير وسواها من تداعيات سيئة على الفلسطينيين.

3 – الإستغلال الفاضح للقضية الفلسطينية بحيث باتت ورقةً بيد قوى إقليمية في طليعتها إيران تفاوض بها وتقايضها ولا تتوانى عن إشعالها خدمةً لأجنداتها الإقليمية والدولية اذا لزم الأمر، فتحوّل الفلسطيني الى وقود لصراعات ظاهرها حق لكن باطنها خبيث ومنافي لمصلحة الفلسطينيين، وفوق كل هذا لا أحد من تلك الدول التي تتلاعب بالورقة الفلسطينية يورط نفسه مباشرة مع إسرائيل، لا بل يتخادمون معها في أكثر من ملف و من موضع.ما حصل في الأيام الثلاثة الماضية في قطاع غزة فصلٌ جديدٌ من فصول التخادم على حساب الشعب الفلسطيني والقطاع المتهالك ... فصل جديد من اللعبة الإقليمية القذرة على حساب الفلسطينيين وقضيتهم.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: