المبادرة الأسقفية المارونية والتحديات الراهنة

68c696d5-2ae1-4f47-aa6a-35476ed842e2.j

كتب كبريال مراد في صحيفة نداء الوطن:
عند كل منعطف تاريخي أو مرحلة دقيقة، تتحرّك البطريركية المارونية. تقارب المخاطر بعقلية "أم الصبي" الحريصة على الكيان اللبناني واستقراره وديمومته وازدهاره. من هذه الخلفية، يمكن قراءة التحرّك الذي تقوم به اللجنة الأسقفية المارونية للشأن الوطني، والتي تضم المطران بولس مطر وراعي أبرشية البترون منير خير الله وراعي أبرشية أنطلياس أنطوان بو نجم، وراعي أبرشية أستراليا أنطوان شربل طربيه.

يعود تشكيل اللجنة إلى أكثر من سنة، بالتزامن مع اندلاع العدوان الإسرائيلي على لبنان. والتطورات التي حصلت، دفعت بالبطريركية المارونية إلى تجميد عملها، من دون التخلّي عن أهدافها.

وفي الأيام الأخيرة، عادت اللجنة للتحرّك، قارعة أبواب معراب والصيفي وبنشعي، على أن تستكمل لقاءاتها في الأيام المقبلة، تحت عنوان "المصالحة المسيحية والوطنية"، من دون أن تحدّ نفسها بمهلة زمنية لتحقيق ذلك.

وبينما يصر أعضاء اللجنة على إبقاء نقاشاتهم بعيدة من الإعلام، ذكرت معلومات "نداء الوطن" أن الحركة الأسقفية هي راهنًا في مرحلة استكشافية لتطوير الأفكار والوصول إلى منهجية عمل للمواضيع الوطنية والمسيحية.

وهي بذلك، تفصل المسارات بين المصالحة المسيحية والمصالحة الوطنية، لأن لكل ملف خصوصياته ومقارباته. وهي لذلك، تدعو إلى تجاوز الماضي بلا نسيانه، وعدم اللجوء للتوتير والشارع والسجالات العنيفة.

قبل سنوات، طرح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الحياد الإيجابي درعًا واقية للبنان... فأثبتت التجربة أنه كان على حق. فهل يأتي هذا الهدف من ضمن برنامج عمل اللجنة؟ الوقائع تشير إلى أن موضوع حصرية السلاح الذي يتصدّر المشهد اللبناني والاهتمام الدولي راهنًا ضمن روزنامة عمل اللجنة. وهو ما دفع بعض من التقاها للقول "إن ما تطرحه ضروري وجيّد، لكنه ليس أولوية راهنًا".

ابتعاد اللجنة عن هذا الملف لا يعني أنه لا يقارب من قبل الدوائر البطريركية بوسائل أخرى. لكن اللجنة هذه، وبحسب ما سمعه من التقوها، مهتمة بالاتفاق المسيحي على العناوين الكبرى والاستراتيجية ولو حصل اختلاف بوجهات النظر على مواضيع معيّنة، من دون أن يتحول الاختلاف الى خلاف.

خلال اللقاءات، سمع الأساقفة ممن التقوهم من شخصيات نيابية وسياسية أن السنوات الماضية شهدت اتمام المصالحة بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" وقد أفضت إلى نقاط إيجابية، على الصعيد الرئاسي وقانون الانتخاب واستعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني واقتراع المغتربين. وأمّنت حضورًا مسيحيًا أكثر وزنًا في الحكومة والبرلمان وإدارات الدولة. كذلك حصل بين معراب وبنشعي.

أمّا ما تلا ذلك من اختلافات، فيعود، بحسب أصحاب وجهة النظر هذه، إلى مواضيع مرتبطة بقضايا سياسية، يحصل توافق أو اختلاف حولها. والأهم اليوم، أن لا تكون المصالحات المرجوة شكلية أو مفتعلة. إذ إنها تحتاج الى نضوج ظروف معيّنة، فتأتي المصالحة المرجوة بشكل طبيعي.

وإذا كان البيت المسيحي يحتاج إلى تحصين مستمر، فالصعيد الوطني يتطلّب إعادة ترميم. وقد سمع الأساقفة من بعض من التقوهم أن "لا مصالحة بين فريق أعزل وفريق يملك السلاح، لأن هذه الخطوة تتحوّل إلى فرض واستسلام. وبالتالي، فمسألة حصرية السلاح بيد الدولة تشكّل مدخلًا طبيعيًا لعودة الجميع للتساوي في كنف الدولة.

الأكيد أن الحراك الكنسي سيتواصل. وفي العودة إلى محطات عدة، منذ ما قبل الطائف وما بعده، تبرز تحركات أسقفية مماثلة، هدفها ردم الهوّة بين المكونات، وإعادة وصل ما انقطع. نجحت الخطوات المماثلة مرة، ولعبت الظروف عكسها مرّات. لكن اليأس ليس في قاموس بكركي، التي ستتحرّك على رجاء النجاح.

في المحصّلة اليوم، لا تزال المبادرة الأسقفية في طور مرحلتها الأولى، لتنتقل بعدها إلى جوجلة الأفكار التي توصّلت إليها، تمهيدًا لوضع آلية عمل واضحة. عندها، تشير المعلومات إلى أنه "لكل حادث حديث، والكنيسة المارونية التي كانت في أساس تكوين الكيان، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مخاطر تآكله وتصدّع أعمدته. لكنها ستبادر وتواصل حراكها الذي لن يستثني أحدًا، لحماية الدولة وجميع أبنائها".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: