كتب ميشال فلاّح
هي ليست المرة الاولى التي تتصدر فيها “مَكْرُمات” المحكمة العسكرية صدارة الأخبار، خصوصاً وأن هذه الهيئة القضائية “الاستثنائية” ما زالت تلعب الأدوار المرسومة لها، بحرفية وإتقان، متى كانت القضية تتعلق بحزب الله وعناصره “المقاومين”، أو بأحد الذين يسيرون في نهجه.
وجديدها، الإفراج عن المتهم بقتل الجندي الإيرلندي شون روني، أحد عناصر الكتيبة الإيرلندية العاملة في قوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان “اليونيفيل”. المتهَم، المفرج عنه بكفالة مالية، ينتمي الى “حزب الله” ويدعى محمد عيّاد. وكان القرار الاتهامي الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان، بداية العام الحالي، قد وَجّه اليه، إضافة الى أربعة فارين مِن وجه العدالة، تهمة القتل، وجميعهم ينتمون الى “الحزب”.
والاعتداء الذي سقط فيه الجندي الإيرلندي وأُصيب فيه ثلاثة آخرون من زملائه بجروح، قد حصل في 14 كانون الأول من العام الماضي حين تمّ إطلاق الرصاص على سيارتهم المدرعة أثناء مرورها في منطقة العاقبية جنوب صيدا.
قرار المحكمة الاستثنائية، استثنائي، في القانون والسياسية، وفي التوقيت خصوصاً، مع اشتعال الجبهة اللبنانية الجنوبية.
ويُثبت، أي القرار، تبعية المحكمة العمياء لحزب الله، وهذا أمر لا لبس فيه ولا نقاش، وأن كل الاوساط القانونية والحقوقية ترفع الصوت منذ مدة غير قصيرة، حول هذه المحكمة. ليس من منطلق سياسي، وإنما قانوني، إذ لا يجوز أن تبقى هذه الهيئة فضفاضة الصلاحيات، وكأنها الوصية على اللبنانيين، فتُلاحق مَن تشاء وتحمي مَن تشاء.
والسلسلة تطول، بين قضايا تم لفلفتها وحماية الجناة فيها كميشال سماحة، ومحمود الحايك (عنصر حزب الله المتهم بمحاول اغتيال بطرس حرب)، وزميله الآخر المُدان باغتيال الضابط في الجيش اللبناني سامر حنا، وغيرها الكثير من القضايا، وصولاً لعنصر “الحزب” الذي قتل الجندي الإيرلندي.
كما أن المحكمة، وبالتوازي مع حماية المحسوبين على “الحزب” او ينفذون أجندته، تعمل على ملاحقة مَن يجرؤ على رفع الصوت بوجه “الحزب”، مِن الشيخ أحمد الاسير وصولاً لكيندا الخطيب وغيرهم الكثير الكثير.
في المحصلة، ارتكابات المحكمة العسكرية، وصلت الى مرحلة لا يمكن التغاضي عنها، إذ هي شريكة في توتير الداخل اللبناني، بدل إحقاق الحق، وشريكة في زرع الفتنة الطائفية، عبر استهدافها لشرائح معينة وحمايتها لأخرى.
مواجهة هذه المحكمة وإعادتها الى حجمها القانوني الطبيعي، أي ان تكون هيئة لملاحقة العسكريين المرتكبين أثناء خدمتهم، لا ان تكون “محكمة عرفية” مُسَّلطة فوق رقاب اللبنانيين، وأداة لحزب ميليشياوي، يُسِّخر كل شيء، ومِن ضمنه القضاء، للقضاء على ما تبقى مِن سيادة الدولة ومؤسساتها الشرعية، ولانتهاك مستديم لكرامة اللبناني.
