المستنقع النووي لإيران

علم-ايران

منذ الأمس تتوالى المواقف المتناقضة بين كل من الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي وإيران حول مسودة الاتفاق النووي الذي وضعه الأوروبيون ووافقت عليه واشنطن.

ففي حين يعلن منسق العلاقات الخارجية في الإتحاد الاوروبي جوزف بوريل أنه تم التفاوض على ما يمكن التفاوض عليه ونص الاتفاق المقدم لإيران نهائي،تعلن واشنطن تأييدها للمسودة الأوروبية النهائية، كما تعلن الخارجية الأميركية أن واشنطن مستعدة للتوصّل إلى اتفاق سريعا على أساس مقترحات الإتحاد الأوروبي.

وإذ يشدّد بوريل على أنه لدينا نص نهائي وثمة قرارات يجب اتخاذها في العواصم المعنية للعودة للاتفاق النووي، تنقل وكالة أنباء إيرانية عن مسؤول إيراني أن طهران قدمت رداً مبدئياً على نص الإتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي، ضاربة عُرض الحائط كلام بوريل الذي عاد وغرّد قائلاً : "إننا تفاوضنا وقدمنا نصاً نهائياً للإتفاق النووي، وعلى الدول المعنية إتخاذ قراراتها الآن لنتمكن من إحياء الإتفاق.

ومع كتابة هذه السطور، أعلنت إيران عزمها مراجعة نص الإتحاد الأوروبي النهائي لإحياء الإتفاق النووي.

هذه المواقف ولا سيما من الجانب الإيراني المرتبك وغير السوي مع الموقفين الاوروبي والأميركي، له دلالاته العميقة التي يمكن اختصارها بالآتي :

- أولاً : ثمة خلاف كبير داخل آلة الدولة في الجمهورية الإسلامية بين تيار متشدّد يتزعمه الحرس الثوري الإيراني وتيار سياسي ديبلوماسي في وزارة الخارجية ودوائر القرار السياسي حول موضوع توقيع الإتفاق من عدمه، ففي حين أن التيار المؤيد يرى أن التوقيع أهون الشرين لأن الاتفاق يضمن على الأقل عدم زعزعة الداخل الإيراني الآخذ بالتآكل الشعبي والاقتصادي والمعيشي، بينما عدم الإتفاق سيعني وضع إيران تحت الفصل السابع وتشديد العقوبات الدولية وإنهاء العلاقة مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية.لذلك نجد التردد والتناقض أحياناً بين مواقف إيرانية رسمية تعتبر أن الإتفاق قَطعَ أشواطاً وأن إيران مستعدة للتوقيع، ومواقف تتردد وتتراجع خصوصاً عندما توضع طهران أمام ساعة الحقيقة كما هي الحال الآن، مع حشرها في زاوية المسودة الأوروبية النهائية للتوقيع أو عدم التوقيع.

- ثانياً : إيران في مرحلة جيو سياسية إقليمية حرجة لأنها تُدرك أن التوجّه العام في السياسة الإقليمية والدولية ذاهب نحو تجريدها من قوة تأثيرها على دول المنطقة، ما يطرح بعمق مسألتي : ميليشياتها وعلى رأسهم حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وتوابعه، وسلاحها الصاروخي الباليستي الذي لا يطمئن العرب ودول الخليج وبخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لذلك تسعى طهران ومن خلال أوراق الضغط التي تمتلكها مباشرة ولكن بالغالب غير مباشرة ( عبر أذرعها في المنطقة ) الى تصعيد مواقفها من خلال تلك الأذرع، وصولاً الى استغلال أي ملف حامٍ كمثل الوضع في غزة وملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، حيث تحرّك تلك الأوراق سياسياً وأمنياً وعسكرياً لإثبات وجودها ودورها التخريبي، إن لم تراعَ مصالحها الحيوية في المنطقة.بعبارة أوضح، ليس في وارد صنّاع القرار الإيراني عودة إيران الى داخل حدودها والتوقف عن مشروعها التوسعي أقله الى الآن، وبذلك فإن الإتفاق النووي العتيد يبقى ورقة من بين أوراقها الأخرى الضاغطة التي تحركها صعوداً أو هبوطاً تبعاً لأجندتها ودرجة اشتداد أو تراخي المواجهة مع محيطها الإقليمي أو الدولي.

- ثالثاً : بعدما كانت إيران تشدد، من ضمن شروط إبرام الإتفاق النووي، على رفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة والغرب، وإعطائها ضمانات بعدم إلغاء الإتفاق لاحقاً عند وصول إدارة أميركية جديدة الى السلطة غير الديمقراطيين، ورفع العقوبات كاملةً عنها، اذا بها اليوم تخرج بشرط جديد متعلق بنواحٍ تقنية مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية وآليات التفتيش، لكن طهران تصرّ على اعتبارها موضوعاً سياسياً تطلب التفاوض عليه.شرط غير مدرجٍ في مسودة الإتحاد الأوروبي النهائية، ونشدد على وصف المسودة بالنهائية، لان ذلك يعني عدم إمكانية العودة الى تفاوض جديد، فالوقت بدأ ينفد بشدة إزاء التخصيب الجاري على قدمٍ وساقٍ، وأوروبا مستعجلة لإنجاز الإتفاق لأسباب جيو إقتصادية ليس أقلها الطاقة، بحيث أن توقيع الإتفاق مع إيران يتيح للإتحاد الأوروبي العودة الى العلاقات النفطية والغازية مع طهران، وبذلك تأمين مصدر جديد آخر من مصادر الطاقة للقارة الأوروبية.وفي هذا السياق، نرى أن الضغوط التي تمارسها إيران عبر أمين عام حزب الله حسن نصرالله على ملف التفاوض اللبناني- الإسرائيلي في جزء منها له علاقة بابتزاز الأوروبيين من خلال منعهم من الإستفادة من الغاز الإسرائيلي قبل البتّ بمطالب إيران الإقليمية والنووية والتي للأوروبيين مصلحة مباشرة في قبولها، إنما من دون الذهاب الى حد الخضوع للعب الإيراني بالورقة النووية، لا لشيء الا إنفاذاً لقرار أميركي غربي بتجنب سباق تسلّح في المنطقة يجعل الدول العربية ولا سيما الخليجية مالكة بدورها للسلاح النووي.

- رابعاً : إن بند التعاون بين إيران ووكالة الطاقة الذرية الدولية شأن تتفاوض أيران فيه مع الوكالة، وهذا ما يؤكده الجانب الأوروبي، وبالتالي أمام طهران فرصة أما للموافقة على المسودة التي هي حصيلة كل المناقشات والمفاوضات والتعديلات الأخيرة التي أُدخلت، وإما فثمة مشكلة ستؤخر التوقيع أو تحبط الإتفاق.وفي هذا السياق، تجدر الإشارة الى أن الإختلاف في المواقف بين طرف أوروبي- أميركي يعتبر النص نهائياً وغير قابل لأي تعديل إضافي أو نقاش، وبين موقف الوفد الإيراني الذي يريد تقديم أفكار جديدة على المسودة الأوروبية بما يوحي بإعادة فتح باب النقاش، يثبت العرقلة الإيرانية لإبرام الإتفاق وعدم وجود رغبة حقيقية لدى طهران لمثل هذا الإتفاق، خصوصاً وأنها تقدمت جيداً في برنامج التخصيب وباتت على مسافة أسابيع قليلة أو ربما أقل من إمكانية أنتاج القنبلة النووية .اللافت أن كل الأطراف تتكلم عن تحقيق تقدم وعن التوصل الى الإتفاق، لكن ما من طرف يعلن رسمياً عن الجهة التي تعرقل توقيع الإتفاق، وهذا النمط من التصرف أشبه ما يكون باستراتيجية الغموض الإيجابي في اللغة الديبلوماسية لمحاولة تجنب المطبات القاتلة للإتفاق.لحظة الإتفاق النووي حانت ... والكرة في الملعب الإيراني ... فإما التوقيع وإما الذهاب الى العقوبات والفصل السابع ... وبالإنتظار تصعيد كلامي وسياسي وتوتير أمني في المنطقة كل بحسب إمكاناته ودوره ...

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: