“المهزلة” وبري و”البيان رقم 2″

202334145532651Z0

بعد 5 أشهر على تعطيله المسار الدستوري لإنتخاب رئيس الجمهورية مراهناً على عامل الوقت، وتكرار سيناريو التعطيل الذي دام سنتين ونصف السنة وفرض من خلاله وصول العماد ميشال عون الى سدة رئاسة الجمهورية، ها هو فريق الممانعة ينتقل الى “تكتيك” جديد لفرض مرشحه.

فبعدما تلمّس، عقب الاجتماع الخُماسي في باريس، أن تسويق رئيس “تيار المرده” النائب السابق سليمان فرنجية يزداد صعوبةً دولياً وأن إستمالة بعض النواب المتأرجحين (خصوصاً من “المستقبليين السابقين”) ليس بالأمر السهل، ما يعني أن حظوظه الى تراجع، ها هو فريق الممانعة يسارع الى “الخطة ب” بإعلان ترشيح فرنجية والترويج أن لا حظوظ لسواه، وكأنه يستدرك الفرصة قبل أن تضيع من يده ويحاول تمرير فرنجية عند أي “غفلة دولية” من جراء تفاقم إنشغالات عواصم القرار بشبح حرب عالمية ثالثة قد يكون إجتياح الرئيس الروسي لأوكرانيا شرارتها من جهة، وعلى وقع الضغط المعنوي وتداعيات الانهيار محلياً والترويج أن إيصال أي مرشح يملك الحظوظ أفضل من الفراغ من جهة أخرى.

لذا أطل رئيس مجلس النواب ورئيس حركة “أمل” نبيه بري معلناً “البيان رقم واحد” عبر الحديث الذي نُقل عنه الخميس 2 آذار 2023 في صحيفة “الأخبار” بعنوان: “برّي: مرشحنا فرنجية ومرشّحهم تجربة أنبوبية! لا تكرار لتجربة ميشال سليمان وتعديل الدستور متعذّر لترشيح قائد الجيش”. فوجّه الرسائل الآتية:

  • “مرشحنا معروف وهو سليمان فرنجية. الورقة البيضاء سمّته من دون أن تكتب اسمه(…) في الجلسة الأولى للانتخاب في 29 أيلول حصلَ على 63 صوتاً”، أي تبنّي فرنجية للمرة الأولى بهذا الوضوح وتوجيه رسالة ضمنية الى باسيل ليكون شريكاً في صناعة الرئيس لأن الأصوات الـ63 هو مساهم بها.
  • التنصل من أي مسؤولية عن التعطيل عبر تحميل المسؤولية للموارنة، كأنه يعرض على باسيل خيارين: الشراكة وإما تحمّل المسؤولية، بقوله “ليست بين المسلمين والمسيحيين، ولا بين المسلمين والمسلمين، ولا بين المسيحيين والمسيحيين، بل بين الموارنة والموارنة”.
  • قطع الطريق على قائد الجيش العماد جوزاف عون بقوله إن انتخابه “يتطلب تعديلاً دستورياً أعتقد أن حصوله في الوقت الحاضر متعذر، إن لم يكن أكثر لأن الظروف الحالية لا تتيح حصوله، أضف عقبة أكثر تعقيداً تمنع تعديل الدستور في أي حال في ظل حكومة مستقيلة”، متنصلاً من سابقة 2008 وإنتخاب العماد ميشال سليمان ومعتبراً أن ذلك “كان استثناءّ له دوافعه وظروفه الموجبة”.
  • تمرير Pass لبعض النواب المستقلين والمحسوبين على “17 تشرين” الذين لم يدعموا المرشح الذي حصد أكبر إجماع في صفوف قوى المعارضة أمثال بولا يعقوبيان لتواصل إعاقتها أوسع إجماع قد تصل اليه المعارضة وتتذرّع بموقف بري عبر قوله “أما مرشحهم فليس سوى تجربة أنبوبية” للقول إنها محقّة برفض مرشح المعارضة.

أما الرسالة الأهم، فهي تذكير بري بغزوة “7 أيار” وقوله “هل أذكّر بأنني من الدوحة في اليوم الأخير على أثر توقيع الاتفاق في 21 أيار 2008 أعلنت رفع الحصار من وسط بيروت”.

وبعد 48 ساعة، ها هو بري يعلن “البيان رقم 2” في حديث عبر صحيفة “الجمهورية” بعنوان: “برّي لـ”الجمهورية”: لترشيحات تتيح التنافس… وإحسموا أمركم!”:

  • يقول بري: “البلد منكوب، ووضعه ينحدر من سيّء إلى أسوأ، وخطيئة التعطيل فاقمت الانهيار الذي باتت آثاره المدمّرة تهدّد حاضر البلد ومستقبله، وبالتالي لا يمكن أن يستمر الحال على ما هو عليه”.
    لماذا إذن يعطل بري إنتخاب رئيس منذ بدء المهلة لإنتخابه في 1 أيلول 2022؟ ألم يكن البلد منكوباً؟ ألم تفاقم أوراق بري وفريقه البيضاء الانهيار؟
  • يقول بري: “انّ إتمام الملف الرئاسي بات واجباً وطنياً وانسانياً وأخلاقياً، ومن هنا كانت المبادرة إلى إعلان تأييد ترشيح الوزير فرنجية، وهي خطوة لعلّها تحفّز سائر الأطراف على تقديم مرشح أو مرشحين”.
    لماذا لم يحفّز نجاح المعارضة بترشيح ميشال معوض منذ الجلسة الأولى بري و”الحزب” وحلفاءهما على إعلان ترشيحهم لفرنجية؟ ألم يكن إتمام الملف الرئاسي واجباً وطنياً وانسانياً وأخلاقياً منذ اللحظة الأولى تخلفوا عنه؟
  • يقول بري: “نحن جاهزون للنزول إلى المجلس النيابي، حيث أنّه في اللحظة التي تتوفر فيها فرصة التنافس، سأبادر فوراً إلى الدعوة الى جلسة انتخابية، ولتجرِ الانتخابات ولينجح من ينجح”.
    بري يعلن جهاراً أنه يأخذ جلسات إنتخاب الرئيس رهينة ويضبط الإفراج عنها وفق ساعة مصالحه وحظوظ مرشحه، فلماذا لم يترك الانتخابات تنتقل للجلسة الثانية طيلة 11 جلسة ولينجح من ينجح؟ ألم يكن الأجدى به أن يكون رئيساً للمجلس فيطبّق القانون ويدعو الى جلسة إنتخابية عوض أن يكون رئيساً لحركة “أمل”؟
  • يقول بري “إنني عقدت 11 جلسة، وكما شهدنا جميعها، لم تكن سوى جلسات مسرحية، لا بل مهزلة، ولذلك لست مستعداً لأن أدعو إلى أي جلسة تتكرّر فيها المسرحية والمهزلة”.
    فمَن حولها مهزلة ومسرحية سوى نواب حلف المانعة وهم “يتمخترون” خارجين من الجلسات لتعطيل النصاب ورئيس مجلس يرفع النصاب قبل أن يعدّ عدد النواب الحاضرين في القاعة؟
  • يقول بري: “مرشحنا هو الوزير سليمان فرنجية، فليتفضلوا ويتفقوا على مرشح أو أكثر، ولننزل إلى المجلس ونحتكم للعبة الديموقراطية في جو التنافس الصحي، وننتخب رئيس الجمهورية (…) مَن لا يكمل النصاب، عليه في هذه الحالة أن يتحمّل المسؤولية”.
    فهل يعقل لمَن عطّل منذ 5 أشهر اللعبة الديمقراطية أن يحاضر بها اليوم مزايداً ومحمّلاً المسؤوليات؟

السير بلعبة “حزب الله” وبري اليوم يصبح غباءً لا إحتراماً لديمقراطية إستفاقا عليها بعد 5 أشهر. أما تعطيل النصاب فهو تعطيل لـ”ضرب التنصيب” الذي يُحاك للمعارضة. الأمر يشبه مبارة “كباش”، فهل يُدان اللاعب الذي كان جاهزاً على الوقت وينتظر خوض المباراة بإشراف الحكم (أي الدستور) أم اللاعب الذي تنصّل عن الحضور لأشهر كي يواصل التمرين وأخذ المنشطات؟ هل يكون خوض المباراة بعدها شجاعة أم “ضرب جنون” واستسلام لديكتاتورية مغلفة بـ”الديمقراطية”؟ زمن “أرانب” الرئيس بري و”الخزعبلات”… ولّى.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: