كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
يبدأ اللبنانيون في 4 أيار المقبل التوجّه إلى صناديق الاقتراع لاختيار مجالس بلدية ومخاتير. ويأتي هذا الاستحقاق بعد 9 سنوات على الانتخابات الأخيرة وسط غياب أزمة النزوح السوري عن برامج معظم البلديات، وعجز الدولة عن وضع هذا الملف على سكّة الحلّ.
راهن الشعب اللبناني على الاستحقاق البلدي لإحداث تغيير يكون البداية لتحسين أوضاع البلدات. وتشكّل البلديات المنطلق لتحقيق الإصلاح والذهاب نحو اللامركزية الموسّعة ولاحقاً الفدرالية. ومن دون سلطات محلية قويّة لا يمكن التأسيس لمرحلة جديدة لنظام إنمائي يحاكي تطلعات الشعب.
بعد الأزمة المالية والاقتصادية عام 2019، ضرب الترهّل البنى التحتية للدولة، وأصبحت مداخيل البلديات بلا قيمة نتيجة انهيار سعر صرف الليرة، وانفجرت أزمة النزوح السوري وأضحت تحدياً أمام البلديات منذ شتاء العام الماضي من دون علاج جذري.
انفلش النزوح السوري في القرى والبلدات دون حسيب أو رقيب، وارتفعت الصرخات المطالبة بوضع حدّ لهذا الانفلاش أو الاحتلال المقنّع. وازدادت عمليات السرقة والقتل والتعديات، وبات النزوح عبئاً كبيراً على البلدات وأرهق البنى التحتية ودخل كمنافس كبير للبنانيين اقتصادياً.
حاولت بعض البلدات فعل شيء ما وخصوصاً في الشمال، وأتت جريمة خطف وقتل منسق «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان لتشعل نار وجود النازحين وتضيء على عمق الأزمة، خصوصاً بعد إثارة ملف مثلث بساتين العصي- كفرحلدا- بيت شلالا، الذي شكّل أكبر بؤرة للوجود السوري في البترون والشمال المسيحي القريب من جبيل.
كادت حادثة سليمان أن تفجّر فتنة بين المسيحيين والسوريين لولا استيعاب الأمر، عندها حزمت البلديات أمرها وبدأت سلسلة إجراءات في جبل لبنان والشمال لمحاولة تنظيم النزوح.
وإذا كان هناك من بلديات تحركت لضبط النزوح، إلا أن بعضاً منها كانت متآمرة ولم تحرّك ساكناً، إما لاستفادتها من تقديمات بعض المنظمات أو خوفاً من السوريين أو من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبالتالي لم يوضع حدّ لهذا الملف الوجودي.
واجتمعت اتحادات بلديات المناطق العام الماضي وبدأت باتخاذ سلسلة إجراءات لضبط النزوح، وكانت هناك قواسم مشتركة أو برنامج عمل عابر للأقضية، وتمّ التشديد على الالتزام بتنفيذ القرارات والتعاميم الصادرة عن وزارة الداخلية والبلديات، على أن تقوم البلدية والمختار باتخاذ القرارات التي تقضي بتنظيم وجود النازحين، بالتنسيق والتعاون مع السلطات الإدارية والأمنية المختصة، توصلاً لتطبيق القوانين اللبنانية المفروضة والتعاميم المرعية الإجراء المتعلقة بتنظيم وجود النازحين السوريين، ومنع السكن في المحلات والمستودعات والسماح بسكن عائلة واحدة في كل مسكن مستوفٍ للشروط الصحية وتسجيل عقود الإيجار أصولاً للعمال المستوفين الشروط القانونية.
وأكدت معظم الاتحادات في الشمال وجبل لبنان على مراعاة نوع العمل المسموح به بموجب قوانين العمل اللبنانية، وفي مقدّمها توفر الكفيل اللبناني وإقامة صادرة عن المديرية العامة للأمن العام اللبناني، ومراقبة المؤسسات التي تقع ضمن نطاق البلديات والالتزام بتطبيق القوانين اللبنانية والتقيد بالتعاميم الصادرة عن الوزراء المختصين.
واتخذت الاتحادات قراراً بإجراء مسح شامل ومن ثم دورياً على أمكنة تواجد النازحين، بهدف إحصائهم والتأكد من المستندات الثبوتية ومدى ملاءمتها للأصول والشروط القانونية المرعية الإجراء، والعمل على إبلاغ الأجهزة الأمنية، بهدف تسهيل ترحيل المخالفين.
وضبطاً لعمل المنظمات، تم الاتفاق على منع دخول الجمعيات المحلية والأجنبية إلى النطاق البلدي إلا بعد موافقة البلدية أو المختار، ومنع قبول الهبات والإعانات من دون موافقة البلدية والمختار وبعد تحديد نوعيتها والغاية منها ووجهة صرفها، وإلزام المدارس عدم تسجيل أي طالب غير لبناني وغير مستوف للشروط القانونية المفروضة.
سقط النظام السوري وتغير الواقع، والنازح السوري ما زال في لبنان وبعض القرارات بقيت حبراً على ورق، حتى النازح الذي ترك البلد بعد الحرب الإسرائيلية وسقوط الأسد عاد، وأُضيفت إليهم أعداد جديدة. وعلى رغم نفي الدولة أن يكون النظام الجديد قايض عودة النازحين بإعادة ودائع السوريين، إلا أن حل هذه المسألة لم يصل إلى المستوى المطلوب، لأن كل محاولات الضبط التي حصلت العام الماضي ذهبت أدراج الرياح، وسط طمع اللبناني وتجذّر السوري، وعدم اتخاذ الدولة اللبنانية قرارات جازمة بمعالجة هذه الكارثة، واستمرار مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بسلوكها المنتهك للسيادة، وبالتالي من يتجرأ من المرشحين إلى البلديات لطرح هذا الملف من بابه الواسع؟