لا شك بأن الهجوم الذي نفذته مسيّرة أمس على القاعدة الأميركية في المثلث السوري- الأردني- العراقي، والذي ذهب ضحيته لأول مرة ٣ جنود أميركيين و سقوط ٢٥ جريحاً لم يكن ابداُ كسائر الهجمات التي دأبت الفصائل المسلّحة الموالية لإيران على توجيهها ضد قواعد أميركية في العراق وسوريا مؤخراً.
طهران تضغط على واشنطن لإجبارها على التفاوض
هذه المرة، سقط دم أميركي لثلاثة جنود فضلاً عن الجرحى ما يعني أمرين :
الأول ارتفاع وتيرة الضغط الإيراني على واشنطن لإجبارها على التفاوض مجدّداً معها لاستكمال فصول الإعداد لتسويات إقليمية قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، الثاني قلق طهران من أي تغيير في السياسة الأميركية في حال عودة الجمهوريين ولا سيما الرئيس السابق دونالد ترامب الى البيت الأبيض.
هل تردّ واشنطن على هجوم إيران؟!
المهم في ما حصل أنه “حَشرَ ” إدارة الرئيس جو بايدن في الزاوية الضيقة في عزّ انطلاق حملته الانتخابية ومنافسته الشرسة لترامب والجمهوريين بحيث لم يترك من مجال أمام الذي حصل إلا للردّ على الهجوم وعلى إيران وميليشياتها وفصائلها التابعة جميعها للحرس الثوري الإيراني، فالرئيس بايدن قالها بإن واشنطن ستردّ على هذا الهجوم بالوقت وبالطريقة المناسبة، متّهماً جماعات متشدّدة مدعومة من إيران، فيما تعالت أصوات برلمانية أميركية مؤثرة كصوت السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، الذي طالب الإدارة الأميركية بالردّ القوي على مقتل الجنود، الأمر الذي يشي بأن الردّ الأميركي على الهجوم سيكون بنفس مستوى الألم والجرح اللذين أصابا إدارة الرئيس بايدن والجيش الأميركي.
ردّ البيت الأبيض على إيران بالإكراه لا طوعياً
إيران كما سبق وذكرنا تلعب بأوراقها في هذه المرحلة الانتقالية الشديدة الخطورة على المنطقة للضغط على الرئيس بايدن لحمله على تقديم تنازلات والسير في تسويات قبل انغماسه كلياً في المعركة الانتخابية، وهي تُدرك في مكان ما بأن ما قبل ترامب إن عاد الى البيت الأبيض لن يكون أبداُ بالنسبة اليها كما ما بعد، وبالتالي تسعى طهران لتأكيد قدرتها ليس فقط على زعزعة أمن المنطقة بفتح جبهات والوصول الى حدّ تطلاق صواريخ على باكستان، بل أيضاً قدرتها على خربطة أي توجّه أميركي أو غربي لا يراعي مصالحها في المنطقة، من هنا فإن إدارة البيت الأبيض ستردّ مكرهةً لا بطلةً لأن الرأي العام الأميركي حساس جداً ومؤثر جداً على مسار حملة الرئيس بايدن، فهو لا يستطيع الامتناع عن الردّ وإن بالرد الشكلي، بل أن هذا الردّ هذه المرة سيكون بلا أدنى شكّ نوعياً بكل معنى الكلمة.
هل يكون العراق مسرحاً للردّ الانتقامي الأميركي
واشنطن قادرة على ضربٍ أعنفٍ للحوثيين وميليشيات إيران في سوريا والعراق، مع ترجيح أن يكون العراق المسرح الفعلي والأقوى للردّ الأميركي، فأهمية ما حصل هذه المرة وما سيحصل من ردّ أميركي انتقامي هو أنه سيُخرج لأول مرة العلاقة بين واشنطن وطهران من التماهي والتخادم الطويل الأمد الذي لطالما تميّزت به العلاقات بينهما في المنطقة. هذه المرة لن تقوى واشنطن على عدم إنزال أوجاعٍ بجماعات إيران الإقليميين لأن المُصاب أليمٌ، وقد أُريق دم أميركي لا تستطيع إدارة بايدن تجاهله والقفز فوقه وكأن شيئاً لم يكن.
تغيير من قواعد التخادم الى قواعد الاشتباك
باعتقادنا وبالاستناد لبعض المعلومات المتقاطعة، ستشهد الأيام القليلة المقبلة تطورات عسكرية أميركية في المنطقة تذهب عكس التوجّه نحو الانسحاب من العراق كما كان يُبحث، لأن الهجوم أمس على القاعدة العسكرية سيفرمل لا محال أي فكرة انسحاب لعدم تكرار إظهار علامات ضعف على غرار الانسحاب المذّل من أفغانستان .
الرئيس بايدن وإدارته لا يمكنهما إظهار أي علامة ضعف هذه المرة، ومن هنا هل يكون ما حصل بداية تدحرج تغيير ما في الجيو سياسة الإيرانية في المنطقة وربما في قلب إيران نفسها ؟
الأيام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال، لكن المؤكد أن إيران هذه المرة قد تجاوزت الخطوط الحمر مع واشنطن وخرجت عن التخادم والتماهي مع الديمقراطيين، ما سيعني تغييراً أميركياً لقواعد التخادم والتماهي لتحل محلها قواعد اشتباك جديدة ترسي معادلات عسكرية واستراتيجية وجيو سياسية جديدة على مساحة المنطقة.
الردّ قد لا يستثني سوريا
الردّ الأميركي يمكن أن يشمل سوريا أيضاً خصوصاً وأن في جنوب سوريا أكثر من ٥٠ نقطة وجود إيراني وميليشيات تهدّد أمن الأردن وقواعد أميركية تصل للتنف، من هنا فإن واشنطن الديمقراطية أمام تحدٍ كبير هذه المرة والردّ سيستهدف ميليشيات إيران وبخاصة حزب الله المتمركز جنوب سوريا والأكثر تحرّكاً ميدانياً ضد أمن الأردن، والذي يُعتقد أنه المحرّك الأساسي إن لم يكن المتورّط في الهجوم على القاعدة الأميركية.
حماقة إيرانية يدفع ثمنها حلفاؤها
يبقى أن أي ردّ أميركي على الهجوم قد يؤدي بدوره الى رفع أسهم الرئيس بايدن شعبياً في هذه المرحلة من معركته الانتخابية، الأمر الذي يُطرح معه السؤال عن مدى خدمة الهجوم الإيراني على القاعدة حملته ومعركته السياسية في واشنطن في هذا التوقيت أم أن ما حصل حماقة إيرانية ستدفع طهران من خلال وكلائها ثمنها .