أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن باريس ستواصل دعم التعافي المستدام للبنان والوقوف الى جانب الشعب اللبناني، لكنه لفت إلى أن "السلطات اللبنانية تدرك جيداً توقعاتنا"، وهي اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يتضمن قانوناً بشأن السرية المصرفية وقانوناً بشأن إعادة هيكلة المصارف يحمي مصالح المودعين الصغار وأصول الدولة اللبنانية والإصلاحات الهيكلية، بدءاً بإصلاح مجلس الإنماء والإعمار".
وفي حديث خاص لـ"النهار"، كشف بارو عن أن الخليجيين لم يعودوا يريدون تمويل نموذج اقتصادي مختل في لبنان، وحض الحكومتين اللبنانية والسورية على العمل على تأمين الحدود بين بلديهما مبدياً استعداد باريس لتسهيل الحوار بين لبنان وسوريا حول هذه المسألة.
وتطرق أيضاً الى التهديدات لوحدة سوريا واحتمالات ضرب ايران والخطة العربية لغزة. وهما نص الحوار:
لعبت فرنسا دوراً كبيراً في انتخاب الرئيس الضيف، فماذا تنتظرون الآن من الحكومة اللبنانية الجديدة وكيف ستساعدونها على الخروج من الأزمة التي عانت منها نتيجة الحرب الإسرائيلية والانهيار المالي والاقتصادي؟
أنتم محقون في الإشارة إلى أن فرنسا وقفت دائماً إلى جانب لبنان والشعب اللبناني. فقد كانت أول رحلة ثنائية لي كوزير لأوروبا والشؤون الخارجية إلى لبنان لتعزيز وقف إطلاق النار والتشجيع على إجراء الانتخابات الرئاسية. وكان لبنان أيضاً موضوع أول خطاب لي أمام الأمم المتحدة، في اليوم نفسه الذي تولّيت فيه منصبي. وقد أثمرت جهودنا المشتركة في النهاية: فقد فتح وقف إطلاق النار والانتخابات الرئاسية فصلاً جديداً للبنانيين. وقد لمسنا الأمل لدى السكان عندما تجولنا في شوارع بيروت مع رئيس الجمهورية في 17 كانون الثاني؛ ويجب أن يصبح هذا الأمل حقيقة واقعة.
سنواصل دعم التعافي المستدام للبلاد والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني، كما يعلم رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد جوزيف عون، الذي يزور فرنسا في 28 آذار/مارس في أول زيارة له خارج الشرق الأوسط.
رسالة أصدقائكم السعوديين والخليجيين إلى اللبنانيين: لن نقدم قرشاً واحداً إلى لبنان حتى ينزع سلاح حزب الله وحتى يسلموا سلاحهم إلى الجيش الوطني، فكيف للبنان أن يفعل ذلك بوجود جيش ضعيف وطائفة شيعية مرتبطة بهذا الحزب؟
هذا ليس ما يقوله لنا شركاؤنا السعوديون والخليجيون. فهم لم يعودوا يرغبون في تمويل نموذج اقتصادي مختل، كما كان يحدث في الماضي، ويجعلون دعمهم مشروطاً بإجراء إصلاحات هيكلية جادة: وهذا هو نهجنا أيضاً.
وفيما يتعلّق بحزب الله، كان الرئيس عون واضحاً في خطاب تنصيبه حول ضرورة المضي قدماً نحو دولة قوية ذات سيادة تحتكر القوة الشرعية، وقادرة على ضمان حماية جميع الطوائف. وهذه عملية طويلة الأمد. ومع اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء حالة الشغور المؤسساتي، تم اتخاذ الخطوات الأولى في هذا الاتجاه. ويجب أن يستمر هذا العمل، ولا سيما من خلال تعزيز الدعم الدولي للقوات المسلحة اللبنانية. ونحن نعمل على ذلك.
الوزير لودريان في مهمة إلى لبنان، متى برأيك يمكن تنظيم المؤتمر الخاص بمساعدة لبنان وإعادة الإعمار؟ هل يطمئنكم التعيين المرتقب لحاكم جديد للمصرف المركزي إلى عزم الطبقة السياسية على إخراج لبنان من الأزمة؟
لقد وقفنا إلى جانب اللبنانيين في محنتهم، وسنستمر في مؤازرتهم على طريق إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي واستعادة الدولة ذات السيادة.
سيعقد المؤتمر حول لبنان الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية قبل نهاية العام، وفق جدول زمني سيتم العمل عليه مع السلطات اللبنانية وشركائنا الدوليين، ولا سيما المملكة العربية السعودية. وقد يسبقها اجتماع دولي أولي على هامش الاجتماعات العامة لصندوق النقد الدولي في نهاية نيسان. وهناك عدد من المراحل التمهيدية الضرورية لإنجاح هذه العملية.
إن السلطات اللبنانية على دراية تامة بتوقعاتنا التي أكد عليها شركاء لبنان الدوليون الرئيسيون مرة أخرى في 27 آذار: اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بما في ذلك قانون بشأن السرية المصرفية وقانون بشأن إعادة هيكلة المصارف وتسويتها يحمي مصالح صغار المودعين وأصول الدولة اللبنانية؛ إصلاحات هيكلية بدءاً من مجلس الإنماء والإعمار.
وسيكون الحاكم الجديد لمصرف لبنان أحد المسؤولين الذين سيلعبون دوراً محورياً في هذه العملية المشروطة التي يجب أن تشكل قطيعة مع ممارسات الماضي التي كان سلفه للأسف أحد مهندسيها الأساسيين، والتي أوصلت لبنان إلى حافة الهاوية.
-هل تعتقد أن الجيش اللبناني قادر على ضمان الأمن على الحدود اللبنانية السورية؟
لقد لاحظنا بقلق التوترات التي ظهرت الأسبوع الماضي على الحدود السورية اللبنانية بين القوات المسلحة اللبنانية وقوات الأمن السورية. ولا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بالانجرار إلى تصعيد يمكن أن يقوض قيام دولة لبنانية قوية وسوريا مستقرة. ونحن نرحب بالحوار السياسي والعسكري الفوري بين الطرفين وندعو إلى مواصلته وتعزيزه لتجنب التصعيد.
وكما تعلمون، فإن الحدود بين لبنان وسوريا يسهل اختراقها، وهي غير مرسّمة بدقة، ويصعب السيطرة عليها وهي مصدر للكثير من عمليات التهريب. وتسعى كل من الدولة اللبنانية والسلطات السورية الانتقالية إلى تحقيق هدف تعزيز السيطرة وتأمين هذه الحدود. وندعو الطرفين إلى العمل على تحقيق ذلك بطريقة متضافرة وبناءة. وفرنسا مستعدة لتسهيل الحوار بين لبنان وسوريا حول هذه المسألة، وهو أمر ضروري لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
نحن ملتزمون، من جهة، بتعزيز السيادة اللبنانية، لا سيما من خلال دعم القوات المسلحة اللبنانية، ومن جهة أخرى، بتنفيذ عملية انتقال سياسي سلمي في سوريا يمثل جميع مكونات المجتمع السوري، بهدف بناء سوريا حرة وموحدة ومستقرة ومسالمة وذات سيادة مندمجة بالكامل في محيطها الإقليمي والمجتمع الدولي.
كيف تعملون مع الأميركيين لحمل إسرائيل على الانسحاب من لبنان؟ يبدو أن الأميركيين يعطون الإسرائيليين الضوء الأخضر للبقاء في لبنان؟
وكجزء من آلية مراقبة فرنسية-أميركية، نعمل على ضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تفاوضنا عليه مع الأميركيين. واليوم، وعلى الرغم من التوترات، فإن وقف إطلاق النار صامد وانسحبت القوات الإسرائيلية من 99 بالمئة من الأراضي التي كانت تحتلها في لبنان.
أما فيما يتعلّق بالمواقع الخمسة التي يحتلها الجيش الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، فقد اقترحنا، بالاشتراك مع الأمم المتحدة، نشر وحدات من اليونيفيل هناك لتقوم، بالاشتراك مع القوات المسلحة اللبنانية، بإنشاء مناطق حظر عسكري تشرف عليها آلية مراقبة وقف إطلاق النار. وندعو جميع الأطراف إلى الأخذ بهذا الاقتراح.
بعد عودة التوترات في جنوب لبنان، تحدثت مع نظرائي اللبنانيين والإسرائيليين في نهاية الأسبوع الماضي للدعوة إلى احترام الالتزامات التي تم التعهد بها بموجب وقف إطلاق النار المتفق عليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وسوف نواصل نقل هذه الرسالة إلى الجميع، ونحن نواصل الحوار مع الولايات المتحدة لتحقيق هذه الغاية.
هل تعتقدون أن إيران معرّضة لخطر هجوم إسرائيلي، وماذا تقولون للإيرانيين حول دعمهم لحزب الله والميليشيات العراقية والحوثيين؟
إننا نؤيد التوصل إلى حل ديبلوماسي للتحديات التي يفرضها البرنامج النووي الإيراني. إن نافذة الفرصة قصيرة، وندعو السلطات الإيرانية إلى اغتنامها على وجه السرعة. فمن دون التوصل إلى اتفاق سريع وقوي، يكون خطر الخيار العسكري حقيقيًا.
لطالما استنكرنا سياسة إيران المزعزعة للاستقرار في محيطها الإقليمي، وندعوها، كما فعلنا دائماً، إلى التوقف عن دعم ورعاية هذه الشبكة من الجهات السياسية-الميليشياوية الفاعلة وتحرير الرهائن الذين تحتجزهم طهران.
هل أنت متخوف من تقسيم سوريا كما تفعل إسرائيل مع الدروز في الجولان؟
نحن ملتزمون بوحدة سوريا، مع احترام التعددية العرقية والدينية في البلاد. إن الانتقال السياسي الذي ندعو إليه مع السلطات الجديدة في البلاد يجب أن يكون شاملاً وتمثيلياً بالكامل، وأن يضمن هذه التعددية. وهذا ما دفعنا لبذل جهود وساطة كبيرة تُوِّجت في 10 آذار باتفاق بين السلطات في دمشق وشركائنا الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يجب أن يضمن حقوق الأكراد ومصالحهم في سوريا المستقبل، ويمكنهم من مواصلة القتال ضد داعش التي يشكّلون رأس الحربة فيه. ويجري الآن حوار مماثل بين السلطات وممثلي الدروز في محافظة السويداء، ونأمل أن يؤتي ثماره.
هل ستلقى الخطة العربية لغزة قبولاً إسرائيلياً وأميركياً؟ وكيف ستنتهي الحرب في غزة برأيك؟ وهل ينوي نتنياهو تحويل الخطة الأميركية لغزة إلى ريفييرا في الشرق الأوسط؟
إننا نؤيد مع نظرائنا الألمان والإيطاليين والبريطانيين هذه الخطة التي تفتح آفاقاً واقعية لإعادة إعمار غزة، وإذا ما تم تنفيذها، ينبغي أن تؤدّي إلى تحسن سريع ودائم في الظروف المعيشية الكارثية للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة. يجب أن تكون جهود الإنعاش وإعادة الإعمار مدعومة بإطار سياسي وأمني متين، مقبول لدى الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، يضمن السلام والأمن على المدى الطويل لكلا الشعبين. ومن الواضح لنا أنه يجب ألا تحكم حماس قطاع غزة بعد الآن وألّا تشكل تهديداً لإسرائيل.