كانت لزيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد يائير ليبيد الى فرنسا، ولقائه الرئيس امانويل ماكرون بوصلة واحدة متمثلة بملف التفاوض بين لبنان واسرائيل، حول التنقيب الغازي وترسيم الحدود البحرية .اثر الزيارة اعلن الرجلان العمل معا من اجل تفعيل التوصل الى اتفاق غازي في اسرع وقت .باريس دخلت على خط التفاوض المجمّد، حول الترسيم للدفع باتجاه الخواتيم المطلوبة، خاصة وان الجانب اللبناني بتركيزه على الخط ٢٣ وحقل قانا، تنازل فعليا عن الخط ٢٩ ما يفترض معه تسهيل التوصل الى اتفاق .باريس لا تنظر بعين الرضى الى محاولة حزب الله ومن ورائه ايران، عرقلة التفاوض والتوصل لنتائج بعد عمليات المسيرات التحذيرية التي اطلقها الحزب منذ ايام فوق حقل كاريش .وكان لافتا في خلال المؤتمر الصحافي المشترك في الاليزيه، تطابق النظرة الفرنسية والاسرائيلية الى الدور التخريبي الذي تقوده ايران في المنطقة، وضرورة الرد على هذا التهديد، ما يشير الى استمرار باريس في نهجها الذي اطلقته اثر زيارة الرئيس ماكرون الى المملكة العربية السعودية مؤخراً، والبيان المشترك الفرنسي - السعودي الذي ادان الدور الايراني المزعزع للاستقرار في المنطقة .في كلامه الى الاعلام مع الرئيس الفرنسي ذكّر ليبيد ماكرون، بانه العام ٢٠١٨ كان اول مسؤول دولي يطالب بضرورة توقيع اتفاق جديد مع ايران، وكان هذا الطرح محقا لانه لا يمكن للوضع الحالي ان يستمر، اذ سيؤدي الى سباق تسلح في الشرق الاوسط ما سيهدّد السلام العالمي .ليبيد عبّر عن خشية اسرائيل من توصل ايران الى امتلاك السلاح النووي، ما تنكره طهران الى الان ، كما تخشى تل ابيب من ان رفع العقوبات سيُمكّن الجمهورية الاسلامية من تعبئة صناديقها المالية، ما يمدّها مجدّدا بامكانات تمويل جماعاتها وحلفائها، على حدود اسرائيل مثل حماس وحزب الله .فانطلاقا من المواقف الفرنسية الاسرائيلية المعلنة في باريس يمكن استخلاص الاتي :اولا : دخول فرنسي قوي على خط التفاوض لمؤازرة مهمة هوكستين، التي تعثرت بعد عملية مسيرات ايران عبر حزب الله، بما لباريس من امكانيات تواصل وتفاوض مع طهران والحزب، لمحاولة ثنيهما عن اية عرقلة او تهديد اخر لحقل كاريش، والتفاوض الحاصل بين بيروت وتل ابيب بخصوص الترسيم .ثانيا : اهتمام فرنسي بانجاز الاتفاق الغازي بين لبنان واسرائيل ، لمساعدة لبنان ومساعدة اوروبا في تأمين مصادر غازية قبل فصل الشتاء المقبل . ومن هنا الاندفاعة الفرنسية بدعم اوروبي لتعزيز التنقيب الاسرائيلي، ولتمكين لبنان من البدء من الاستفادة من ثروته، لانقاذ وضعه المتهالك ولو على المدى المتوسط اقتصاديا وماليا .ثالثا : تعزيز الوضع الاسرائيلي الغازي لايجاد شبكة امان اقليمي، لمضاعفة انتاج وتصدير الغاز الاسرائيلي الى اوروبا من خلال مصر، وقد وقّع في شهر حزيران الفائت بروتوكول تصدير الغاز من اسرائيل الى مصر، لتسيّيله واعادة تصديره لاوروبا في اطار استراتيجية تنويع مصادر الغاز للقارة الاوروبية والاستغناء عن الغاز الروسي .رابعا : الخشية الاسرائيلية الغربية من التسلح النووي الايراني، لا تنبع من رفض فكرة القنبلة الشيعية بقدر ما تنبع من الخشية من توصل الدول العربية، وبخاصة الخليجية الى امتلاك السلاح النووي، ما يشكل خطرا اكبر على اسرائيل التي ومن اهداف حملات التطبيع تحاول خلق استراتيجية بديلة، لحماية تداعيات هذا التسلح، ولا يزال القلق الاسرائيلي مركزا على المملكة العربية السعودية، تحديدا في هذا السياق لمحاولة جرّ الرياض الى التطبيع، ما يفسر التركيز الاميركي - الغربي الحالي، في جزء منه لهذا الاتجاه فضلا عن الحاجة للطاقة .
