كتب هشام بو ناصيف:
قبل أن تطالبنا القلوب الرقيقة بالتعاطف مع بيئة حزبالا، حريّ بها أن تسأل نفسها سؤالا مثلّث الأوجه:
1) هل يتعاطف نصراللّه نفسه مع بيئته؟
2) هل يتعاطف معها ملالي ايران؟
3) هل تتعاطف البيئة مع نفسها؟
السؤال الأوّل مشروع لسبب بسيط: اسرائيل برهنت قدرتها على البطش بأهل الجنوب العام 2006. كلفة المغامرة كانت واضحة آنذاك، ولكنّ بروباغندا نصراللّه تحرّكت لاقناع البيئة الشيعيّة المنكوبة بأنّها “انتصرت”، بل وحقّقت “نصرا الهيّا”. ثمّ استمرّت الأمور كأنّ شيئا لم يكن، حتّى أقحم نصراللّه بيئته بالآتون مجدّداً قبل أشهر بحجّة “اسناد” غزّة. وبين هذه الموقعة، وتلك، سقط المئات من المقاتلين الشيعة بسوريا بمواجهات عنوانها الظاهر محاربة داعش، ونتيجتها الفعليّة ابقاء عائلة الأسد قابعة على صدور السوريّين، كي تحكم، وتنهب، وهم يفقرون. السؤال البديهي هنا هو هذا: ان كان نصراللّه نفسه لا يتورّع عن اقحام رجاله بمعركة قاسية تلو المعركة، فعلى أيّ أساس نطالب نحن بأن تكون قلوبنا عليهم أكثر منه هو؟
السؤال نفسه مشروع بالنسبة لملالي ايران. شيعة لبنان عندهم خطّ دفاع عن نظامهم، وطموحاتهم النوويّة، ومشروعهم الاقليمي، ليس أكثر. هل يظنّ أحد أنّ الخامنئي يفقد ليلة نوم هانئة واحدة لأنّ لبنانيّين ماتوا؟ للتذكير: منذ قبض الخميني على السلطة، مات عشرات آلاف الايرانيّين بحملات قمع هي ثمن بقاء الاسلاميّين بالحكم. لم يعرف عن الخامنئي مبالاة كبيرة بالدم الايراني المراق كي يبقى هو بالسلطة. من باب أولى أّلا يأبه كثيرا بمن يسقط في لبنان.
ولكن السؤال الأكبر طبعا يبقى سؤال البيئة عن نفسها. 14 آذار عام 2005 لم تكن ضدّها، بالعكس. كانت فرصة لبناء البلاد مجدّدا، بعد أن صارت للمرّة الأولى منذ عقود حرّة من كلّ الاحتلالات. ولكنّ البيئة الشيعة اختارت الولاء لمن ناصب 14 آذار العداء منذ اليوم الأوّل، حتّى كسرتها على وقع الدم، والاغتيالات، وصولا الى اجتياح بيروت والجبل. ثمّ كان أن كسرت هذه البيئة عاميّة 17 تشرين على وقع صيحات “شيعة شيعة شيعة”، مع أنّ الفاسدين الذين نهبوا اللبنانيّين لم يوفّروا الشيعة لأنّهم لم يوفّروا أحدا أساسا. كلّ هذا من أجل ماذا؟ السيطرة على لبنان، والاستقواء على الآخرين، واهانة رموزهم، وصولا الى كلام نوّاف الموسوي المريع قبل أيّام عن الشهيد بشير الجميّل. حسنا. لنكن صريحين: السلبطة الشيعيّة على لبنان يرفدها السلاح. ومن يعطي الشيعة السلاح لا يفعل ذلك مجّانا – بل لقاء دورهم بمشروعه الاقليمي. ان كانوا هم قابلين بهذا الدور مقابل تصريفه بالداخل هيمنة على القرار اللبناني، وان كانوا، تاليا، مستعدّين لدفع أثمانه، فكيف نطالب نحن بالحرص عليهم أكثر ممّا يحرصون هم على أنفسهم؟
أطرح هذه الأسئلة للتفكير، لا للشماتة، لأنّني أحتقرها. وآسف طبعا للأطفال الذين قصفت أعمارهم باكرا، ولموت أيّ بريء مدني. ولكنّ أسفي لن يعيدهم الى قيد الحياة. ولا حملات الوعظ الأخلاقي عن ضرورات “التضامن الوطني” ستنفعهم بشيء: الأصل حمايتهم وهم أحياء لا زجّهم بالآتون ثمّ التفجّع بعد رحيلهم. هذا أكيد. والأكيد أيضا أنّ مسارعة ذميّي السياسة اللبنانيّة وزجّاليها لتقديم الطاعة لحزبالا بحجّة “التضامن الوطني” مثيرة للغثيان. حسابات هؤلاء لها علاقة بالانتخابات النيابيّة القادمة، وبالطموحات الرئاسيّة الدائمة، لا بعذابات الناس.