بشير الجميّل ضحية المؤامرة المزمنة على لبنان

06c2eafc-173e-470e-8f71-627d3a8c6ad8

ليست مصادفة تزامن اغتيال الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميّل مع تنفيذ إيران أولى عملياتها التفجيرية في لبنان من خلال حزب الله ضد القوات الأميركية والفرنسية التي كانت متمركزة في محيط مطار بيروت آنذاك.يومها بتاريخ 23 تشرين الأول 1983، كانت الأدلة الموجودة تشير إلى تورط إيران، فالجهاد الإسلامي الذي اشتهر بالهجوم، كان جبهة لحزب الله الذي كان يعمل كوكيل لإيران.

اليوم وبعد مرور 40 عاماً على هذين الحدثين، أصبحت قراءة المشهد أكثر اكتمالاً، خصوصاً بعد ما شهده لبنان منذ العام 1983 وحتى يومنا هذا، بحيث اتضح للجميع أن المطلوب بقاء لبنان ساحةً بيد الأطراف الإقليميين والدوليين وورقة مقايضة في إطار الصراعات بين القوى واللاعبين المتوسطين والكبار، فلو كُتب لتجربة الرئيس الشهيد بشير الجميل أن تنضج لكان من المستحيل أن تستمر المؤامرة على لبنان بوجود هذا الشخص في بعبدا.

فبشير الذي وحّد اللبنانيين حوله إثر انتخابه رئيساً للجمهورية، وانفتح على الشريك اللبناني الآخر المسلم في الوطن، وأقنع عُتاة معارضيه وعلى رأسهم آنذاك الرئيس صائب سلام، رحمة الله عليه وعلى الشرفاء الوطنيين من أمثاله، شكّل عقبة كعداء أمامهم لأنه بكل بساطة كان لينجح في سحب لبنان من سوق التداول والعمالة والتآمر بمصيره وعليه.

هذا البشير لم يكن ليناسب المتآمرين على لبنان بدءاً من طهران التي كانت قد أطلقت منذ العام 1979 تصدير ثورتها الإسلامية الى شعوب ودول المنطقة، بحيث كان لبنان أول تلك الدول المستهدفة لكونه طري العود الوطني، والمستباح دولةً وشعباً ومؤسسات نتيجة حرب أهلية طاحنة دمّرت الحجر والبشر، مقسم منهار، يمثل بتلك الميزات أفضل الساحات لتمركز الثقل الإيراني فيه والإنطلاق منه باتجاه العالم العربي.

فالعقبة الكعداء المانعة بات لا بد من إزاحتها خصوصاً بعد فشل محاولات شرائها أو تطويعها أو تجاوزها لأن البشير كان واقفاً هنا، صلباً كصخرة لا تتزحزح، عنيداً بوطنيته، مصمماً على إنقاذ لبنان وإعادة بنائه دولة سيدة حرة ومستقلة، وإعادة الكرامة للبنانيين، وإصلاح البلد وقطع يد الفساد والمزرعة، فهكذا نموذج رجال ورؤساء لا يتآلف مع مخطط القوى الإقليمية من سوريا الى إيران الى ما هو أبعد منهما آنذاك، لأن المطلوب سلطةً مطواعةً ودولةً ضعيفةً واقتصاداً منهاراً وأوضاعاً إجتماعية بائسة كي تمر مؤامراتهم بخير وأمان، فيسهل بذلك قضم لبنان وابتلاعه وضمه الى مقاطعة 19 في سوريا أو إلحاقه بالجمهورية الإسلامية في إيران، وتحويله الى قاعدة متقدمة لتصدير الثورة وللحرس الثوري الإيراني في المنطقة.

كان المطلوب إلغاء بشير من المعادلة، وللأسف نجحوا في إلغائه، ومنذ ذلك الحين واذا استعرضنا المحطات التي مر بها لبنان من مأساة الى مأساة ومن كارثة الى كارثة، حيث لم ينجح الرئيس أمين الجميّل بأكثر من إدارة الأزمة بالحد الأدنى من الأضرار، محاولاً استعادة شيء من هيبة الدولة لكن من دون نتيجة، وقد بدأ عود الشيعية السياسية في لبنان الموالية لإيران وسوريا ينمو بسرعة وصلابة، وبعده حَرفَ ميشال عون مسيرة الإنقاذ وحوّلها الى معركة بقائه في بعبدا تحت شعار التحرير وفق حرب عبثية مع السوري دمّرت المناطق الشرقية ليزيد عليها حرب إلغاء قضت على القوة المسيحية كما على وحدتهم، فبات لبنان لقمة سائغة في فم التنين منكشفاً ضعيفاً منقسماً، فتعهّده السوري بلحظة تقاطع مصالح إقليمية ودولية إثر حرب الكويت لينفذ أجنداته الإنتقامية، وليبسط سيطرة أمنية إستخباراتية بالقمع والتنكيل تماماً كما كان يفعل مع شعبه في سوريا، وقد غطاه رئيسان للجمهورية هما المرحوم الرئيس الياس الهراوي والرئيس إميل لحود بعدما اغتيل الرئيس الشهيد رينيه معوض الذي كان سيشكّل عقبة جديدة بوجه المتآمرين، كونه بكل بساطة أراد تنفيذ الطائف والإلتزام بالدستور اللبناني وبناء دولة.

وتمادت يد الإجرام والتآمر على لبنان واستباحت كل شيء حتى حياة الناس، فكان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي شكل تهديداً آخر للمؤآمرة والمتآمرين بعدما أيقنوا أنه اعتمد طريق بناء الدولة واستعادة سيادة لبنان بمواقفه المعارضة للإحتلال السوري الإيراني للبلاد، وهو أمر لم يكن مسموحاً به بعد لأن المطلوب بقاء لبنان ساحة متقدمة للصراع ولأجندة سوريا وإيران، ومن ثم إيران بشكل خاص، فكلّل اللبنانيون قافلة شهداء الحرية والاستقلال بثورة وطنية مسيحية- إسلامية قلبت الى حين طاولة التآمر بحيث أدّت الى خروج السوري من لبنان عسكرياً لكنه بقي من خلال حلفائه وحلفاء إيران وعلى رأسهم حزب الله، فتفرّق الثوار السياديون بعدما تراجع قسم منهم عن متابعة النضال وفضّل اللجوء الى أسهل الحلول بالمساومة والمحاصصة والتسويات ...

روح بشير وللأسف كانت أقوى من أن يتحمّلها البعض ... لأن المقاومة والصمود دونهما صعوبات وشروطاً تتطلب الإصرار والعناد في الحق وتجاوز الذات من أجل الوطن، فإنغمس لبنان أكثر فأكثر في الظلام انهياراً مؤسساتياً وفراغاً وتفريغاً للبلاد والمقدّرات وفساداً ضارباً في مختلف القطاعات وغياباً الدولة وهبيتها وقضائها، وانهياراً إقتصادياً ومعيشياً تلو انهيار من 2006 الى 2007 و7 أيار وانفجار 4 آب، بحيث تحوّل لبنان رويداً رويداً، عبر حزب الله، الى مختطَف بيد المشروع الإيراني الضاغط عليه، الى أن وصل الى ما وصل اليه في ظل العهد الحالي ومن فمه قالها : "الى جهنم" .

نعم، لم يكن بشير ليسمح بالوصول الى ما وصلت اليه البلاد حالياً لو أنه تمكّن ومنذ 40 عاماً من حكم لبنان ... لكنه كان عقبة أمام المتآمرين فأزاحوه، وهم أرباب ثقافة الاغتيالات والموت والتصفيات الجسدية ... فيما مشروع بشير كان الحياة والبناء والاستقلال والسيادة والحرية والكرامة ...

ليست صدفة اذاً أن يتزامن اغتياله مع دخول لبنان حقبة الظلامية والانهيار والسقوط في يد المتآمرين الإقليميين وحلفائهم المحليين، بل كان مخططاً له، فذنب بشير أنه برز منقذاً وحيداً في زمن ضرورة استمرار المؤآمرة وعدم نضوج مصير لبنان، وذنب لبنان واللبنانيين الوحيد أنهم آمنوا بالتغيير والإنقاذ مع بشير وتبنوا حلمه ... فسقط البشير لكن الحلم باقٍ ...

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: