“شكراً لكم، شكراً لكم. فحبيبتي قُتلت، وصار بوسعكم أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة. وقصيدتي أغتيلت. وهل من أمةٍ في الأرض، إلا نحن، تغتال القصيدة”!.
بهذه الأبيات الشعرية العاتبة، الواضحة والفظة، يبدأ الشاعر نزار قباني باستذكار من اغتال زوجته، بلقيس، في عملية انتحارية وقعت في السفارة العراقية في بيروت، منذ 42 سنة بالتمام والكمال.
سبق هذه العملية ولحقها اغتيالات وتفجيرات كثيرة في هذه المدينة التي لا تزال تعيش تلك المعضلة “الأبدية”: مدينة كثيرة الحياة لا يتركها الموت البتة، فيمرّ عليها كل فترة ليأخذ بعض أولادها وزوارها إلى لحدِهم. لم تكن بلقيس هي المستهدفة، بل السفارة العراقية التي تعمل فيها في بيروت.
تفجير السفارة الذي وقع في 15 كانون الأول من العام 1981 تناسب مع ظروف إقليمية ومحلية دقيقة. الحرب الإيرانية – العراقية في أوجّها، تماماً كما هي الخلافات السياسية والأمنية بين سوريا والعراق، فيما الحرب الأهلية تستعر وتزداد فوضى في لبنان. وغالباً كما يُعلّم التاريخ، لم تبقَ تلك الصراعات الإقليمية في حدود مضبوطة، بل تتمظهر في بيروت. لهذه المدينة قدرة رهيبة على اجتذاب كل نزاعات الشرق الأوسط لتكون شريكة في سفك الدماء وحلقات رقصات الموت. بعد تفجير السفارة، اتُهم “حزب الدعوة” العراقي الشيعي بتنظيم العملية، وهو حزب تأسّس في العراق وكان مموّلاً وموال للجمهورية الإسلامية، الناشئة حديثاً في إيران.
العملية التي أودت بحياة حوالى 60 شخصاً، بينهم السفير العراقي وبلقيس وغيرهم، كانت حلقة أخرى من حلقات نقل إيران للصراعات الدموية إلى أراضٍ أخرى، ونهج من الاغتيالات وأعمال العنف، التي غالباً ما تمارسها إيران. هذا وسوف يلحق هذه العملية عمليات أخرى، تستهدف السفارة الأميركية في بيروت، ومراكز القوات المتعددة الجنسيات فيها.
هذه إيران وهذه أدواتها، منذ أن وضع حكم ولاية الفقيه يده على السلطة في طهران. إيران تقرّر وأدواتها تنفذ، وهذا ما يتم الآن في كل المنطقة، من اليمن إلى غزة والعراق وجنوب لبنان. عسى أن تتركنا إيران لنرتاح ونبنى بلادنا ونديرها كما نريد، فلا حاجة لأن نبكي كل فترة على بلقيس أخرى.