بقلم جورج أبو صعب
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب تمسّ بالأطفال الأوكرانيين عبر ترحيلهم من الأراضي الأوكرانية المحتلة من موسكو الى داخل الاتحاد الروسي،
والمعلوم أن تلك المحكمة هي الوحيدة من بين مؤسسات الأمم المتحدة التي ليس لها مقرّ على أراضي الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي تبتعد الى حد كبير عن تأثيرات جيو سياسة سلطة المكان أي السلطات الأميركية.
الأمر بالاعتقال صدرَ على خلفية اتهام خطير موجّه الى ساكن الكرملين الذي ردّ بعدم الاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي رفض قرارها واعتباره مسيّساً وغير ملزم لموسكو.
والملاحظ أن الردّ الروسي على الاتهام وقرار الاعتقال لم يتطرق الى صلب الموضوع، أي مسألة خطف الأطفال الأوكرانيين، بل اقتصر على رفض القرار واعتباره غير ملزم لروسيا وبالنالي عدم اعترافها به.
هذا الردّ الروسي نابعٌ من قناعة لدى موسكو بأن كل أجهزة ومؤسسات النظام الدولي الحالي باتت أسيرة إرادة وتأثير الغرب المعادي لموسكو وعلى رأسه الولايات المتحدة، ما يعيد طرح قضية على جانب كبير من الخطورة الا وهي قضية قدرة النظام الدولي الحالي على الاستمرار في ظل تفكّك أركانه وتناحرهم وتحاربهم بحيث لم يعد ثمة توافق بين القوى الكبرى على أحكام القانون والمواثيق الدولية بينهم، وقد باتت المؤسسات بدءاً من مجلس الأمن مسرحاً للتطاحن والتصارع بين تلك القوى التي تهمّش بتضاربها قدرة تلك المؤسسة على حفظ الأمن والسلم الدوليين.
القرار القضائي الجنائي الدولي في توقيته جاء ليندرج من ضمن الإصطفاف الدولي الغربي ضد غزو روسيا لأوكرانيا انطلاقاً من أن الرئيس بوتين هو المتهم بخرق القانون الدولي وقواعد العلاقات الدولية المبنية على حل الخلافات سلمياً والسعي للحفاظ على الأمن الدولي والسلام، وبالتالي قرار المحكمة يأتي في سياق ملاحقة بوتين باعتباره مرتكباً لمخالفات وجرائم ضد الإنسانية فكانت مسالة ترحيل الأطفال الأوكرانيين نقطة الانطلاق لفتح باب المحاسبة القانونية المترافقة مع المحاسبة السياسية والإعلامية التي يتعرّض لها سيد الكرملين.
من هنا، فإن قرار الاعتقال ظاهره قانوني قضائي محقّ بالمبدأ القانوني الدولي، ولكنه في الأساس يبقى قراراً مدفوعاً بموقف سياسي دولي غربي مناهض للرئيس بوتين، وفي مواجهته تتحرّك الآليات كافةً حتى القانونية منها من أجل محاسبته وتعقّبه بناءً على خرقه قواعد النظام الدولي.
بإمكان موسكو طبعاً رفض الامتثال للقرارات الدولية كافة، من مجلس الأمن الى محكمة العدل الجنائية الدولية، إذ لم يعد ثمة رادع يوقف قوة نووية كروسيا عند حدها رغم أن موسكو لا تستطيع التهوّر في مواجهتها القوى الغربية، وهي فوجئت بتحوّل عمليتها الخاصة في أوكرانيا الى مواجهة شاملة مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة ولسان حال الرئيس بوتين للأوروبيين والأميركيين يقول بإن "لا يتورطوا في الدفاع عن كييف وحمايتها كونها مسألة عائلية داخلية"، متجاهلاً كلياً أن المشكلة في الحسابات الغربية ليست أوكرانيا كبلدٍ بل كرمزية أوروبية جيو ستراتيجية وجيو سياسية واقتصادية،
وبناءً على هذا الاعتبار هبّ حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لمساعدة كييف في مواجهة الغزو الروسي.
مهما يكن من أمر فإنه لا بدّ من القول إن خطوة محكمة العدل الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسي تطور مهم وخطير لا بل إنعطافة تاريخية في مسار الصراع الدولي في أوكرانيا من شأنها التأسيس لمرحلة جديدة من المواجهة الدائرة على بعد أيام من زيارة الرئيس الصيني الى روسيا، في ما يُعتبر إحراج ديبلوماسي وسياسي بقالب قانوني للزعيم الصيني تشي جين بينغ وإظهاره بأنه يزور شخصاً بات موضع مساءلة قانونية وقضائية لا بل ملاحقة جنائية دولية .