بوتين والأسد ومحور المستبدّ المستجدي

WhatsApp Image 2022-11-16 at 10.48.22 AM

الديكتاتورية العميقة قاسم مشترك بين ركائز محور الممانعة الثلاث روسيا وسوريا وإيران، وهي عقيمة لا تنجب أوطاناً ولا مستقبلاً مهما طال أمدها. هذه الديكتاتورية المستبدّة قد تتجسد بشخص أو عائلة أو جماعة. هي تخجل من ذاتها، فلا تجرؤ على المجاهرة بهويتها كما كوريا الشمالية لا بل تصرّ على التلطي بوشاح الديمقراطية والإلتفاف الشعبي.

في سوريا، ديكتاتورية آل الاسد مغلّفة بـ”ديمقراطية الـ99.99%” ومفهوم “البيعة”. في إيران، ديكتاتورية “تيوقراطية الولي الفقيه” متمسّكة أيضاً بـ”مسرحية ديمقراطية صناديق الاقتراع” للاختيار بين أبناء البيت الواحد. أما في روسيا، فديكتاتورية فلاديمير بوتين متستّرة بالتداول الديمقراطي في الحكم بينه كرئيس جمهورية أصيل وكرئيس حكومة إنما بمفاعيل رئيس الجمهورية عملياً.

في هذا الإطار، لطالما تربّع على رأس الديكتاتوريات عبر السنين رؤساء مسكونون بجنون العظمة وبعنجهية عرقية أو قومية أو تاريخية أو بـ”شبق توسعي جغرافي”. يسعى هؤلاء في أحيان عدة الى تغليف إستبدادهم وبطشهم بإلتفاف شعبي مصطنع وهم المستخفون بوجع شعبهم وبحقه بحياة كريمة وبالسعي الى السعادة.

لكن مرات عدة يُستدرج هؤلاء الى مواجهات في الداخل أو غزوات لدول الجوار كان يمكن تلافيها بقليل من “التواضع” أو ببعض “التنفيسات” ذات الطابع الديمقراطي، فيقعون في الفخ الذي يكون نقطة مفصلية إما لإنهيار هذه الأنظمة أو لبدء العد العكسي لذلك. أحد أبرز مؤشرات ذلك، حين يستجدي المستبدّ مرتزقة للقتال دفاعاً عنه، ما يعني فقدانه حصانة شعبه وإنهيار سطوته فيصبح أسير هؤلاء المرتزقة أو حتى الأنظمة الحليفة التي يقاتل متسلحاً بـ”عضلاتها”.

هذا هو واقع الحال مع بشار الأسد في سوريا، فبعدما صرّح “عندما يكون عندي دعم الشعب لست بحاجة الى أحد لأن الشعب هو أقوى شيء وهذا كلام ليس إنشاء بل هذه حقيقة (4 آب 2013 )”، سارع لتبرير إستجدائه تدخل روسيا وإيران وميليشياتها على رأسها “حزب الله” ميدانياً وقتالها شعبه لضمان بقائه بقوله: “الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيته وجواز سفره بل لمن يدافع عنه ويحميه (25 تموز 2015 )”. ثم راح يشكر “حزب الله” على اصطفافه الى جانب الجيش السوري بقوله: “إخوتنا الأوفياء في المقاومة امتزجت دماؤهم بدماء إخوانهم في الجيش وكان لهم دورهم المهم وأداؤهم الفعال والنوعي مع الجيش في تحقيق إنجازات (26 تموز 2015 )”. في الإطار نفسه، ذكرت وكالة انترفاكس الروسية في 27 آذار 2016 أن الأسد أبلغ بوتين بأن استعادة تدمر كانت مستحيلة من دون مساعدة روسيا.

اليوم، وإن نجح الأسد مرحلياً في البقاء في الحكم إلا أنه سقط نهائياً منذ اللحظة التي إستجدى فيها بندقية غير سورية وأصبح مسكوناً بهاجس الخوف من شعبه وبمطامع من سلّفوه دموياً. هذه الحقيقة الحتمية، يقف بوتين على بابها قارعاً مع توقيعه في 14 تشرين الأول 2022 مرسوماً يسمح بانضمام مواطنين أجانب للقوات المسلحة وبتنظيم خدمة الأجانب في الجيش الروسي. هذا المرسوم مفصلي حتماً في مسيرة القيصر الروسي مهما طال أمدها وإقرار بفقدانه الغطاء الشعبي وتقهقر هيبته كبطل أسطوري التي لطالما عمل على تسويقها.

لنتذكّر الخطيئة القاتلة للرئيس العراقي صدام حسين حين غزا الكويت في 2 آب 1990 والتي أدت إلى نشوب حرب الخليج الثانية عام 1991 وجعلت العراق محاصراً دولياً حتى عام 2003 حين إجتاحت القوات الأميركية العراق ونجحت بالقبض على صدام حسين في 13 كانون الأول 2003 ثم إعدامه في 30 كانون الأول 2006. إنها خطيئة دفع ثمنها بشكل تراكمي وسدّد الدفعة الأخيرة بعد 16 عاماً على حبل المشنقة. من يدري لو لم يغزُ صدام الكويت لكان ما زال حاكماً للعراق حتى اليوم.

ها هو محور الممانعة يفقد مناعته الشعبية في روسيا كما في سوريا. ها هو بوتين كما الأسد يستجدي مرتزقة للقتال في صفوفه. ها هي إيران تترنّح على وقع دماء مهسا أميني وغضب الشعب الذي لن يرقى الى ثورة مجدية ما لم نشهد إحتضاناً له من الجيش. إنْ نجح النظام الإيراني بقمعها، فهذا لن ينفي المؤكد وهو أن أي ديكتاتور متى أصبح مهووساً بخوفه من شعبه أو فاقداً لإلتفافه حوله فيعني أن ساعة أجله دنت.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: