بين الصين وإيران اختبارٌ صعبٌ ومصيري…. والعلاقة بينهما ليست "حريرية" !!

الصين وإيران

كان لافتاً موقف الصين الأخير حيال إيران بموضوع الحوثيين، حيث بادرت بكين الى الطلب من طهران المساعدة في كبح الهجمات التي تشنّها جماعة "أنصار الله" (الحوثيون) على السفن في البحر الأحمر، مستتبِعة هذا الموقف بتهديد ضمني لطهران من مغبّة استمرار التعدّيات الحوثية بإلحاق ضررٍ بالعلاقات التجارية بين البلدين.

" طوفان الأقصى" بدّل الحسابات وغيّر التوازنات

هذا الموقف الصيني الفريد من نوعه يُعبّر عن العديد من التغييرات التي تأتي بعد ٧ تشرين الأول، حيث أثبتت المواقف الإقليمية والدولية ذات الصلة بأوضاع المنطقة أن "طوفان الأقصى" بدأ يبدّل في الحسابات ويغيّر التوازنات ويؤثر في العلاقات الدولية والإقليمية.
بكين التي كانت قد اتفقت مع طهران على علاقات استثمار وتجارة لخمسة وعشرين عاماً، والتي تستورد من طهران ٩٠% من النفط الإيراني، والتي رعت اتفاق التطبيع السعودي- الإيراني وضمنته هي نفسها، ها هي بكين اليوم التي تستجدي من طهران وقف التهديد الحوثي للتجارة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر، وهي نفسها التي تبدو عاجزة عن "المَونِة " على الإيراني في أمر حيوي وحساس وخطير كأمر الملاحة التجارية.

بكين متوجّسة من التخادم الإيراني- الروسي

ما يهمّ الصين بالطبع وبالدرجة الأولى هو خطها التجاري أي خط الحرير الذي يربطها بأوروبا عبر دول آسيا، هذا الخط الذي استثنت منه إيران واستبدلته بباكستان ليمرّ من خلالها دلالة على فقدان الصينيين للثقة بالشريك الإيراني المفترض، لا سيما بعدما أدركت بكين في السنوات الأخيرة اهتمام طهران بتخادمها مع الروس والأميركيين أكثر من تخادمها مع بكين، الأمر الذي دفع الصين الى تعزيز العلاقات التجارية والسياسية مع إسلام آباد يقيناً من الصينيين بأن إيران متّجهة نحو تأمين مصالحها في شرق آسيا لنقل الصراع الى باكستان وجنوب آسيا، بما يهدّد أمن واستقرار الصين على المديَين المتوسط والبعيد، علماً أن بكين ومنذ توقيع الاتفاقيات التجارية والاستثمارية مع الإيرانيين في العام ٢٠٢١ لم تستثمر شيئاً حتى الآن في إيران،
من هنا يمكن القول إن العلاقات الصينية- الإيرانية تمرّ حالياً في اختبار كبير يجعل بكين تتوجّس أكثر فأكثر من التخادم الإيراني- الروسي منذ ٢٠٢٢ والإيراني- الأميركي منذ دخول الرئيس الديمقراطي جو بايدن البيت الأبيض مع إدارته، فيما على حدودها تحدٍ هندي يسعى لبناء الممر المنافس لطريق الحرير مع السعوديين والإماراتيين والأردنيين والإسرائيليين، ويفاقم من المنافسة الهندية- الباكستانية على خطوط المصالح الجيو سياسية والجيو إقتصادية .

الاتفاق السعودي- الإيراني بلا ضامن مؤثِر

كان من المتوقّع أن لا تطلب الصين من إيران كبح جماح الحوثي، بل أن لا تسمح إيران من تلقاء نفسها بالإضرار بمصالح الصين الاقتصادية الدولية، لكن على ما يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، والسؤال الذي يُطرح في ظل التوتر الصيني- الإيراني المستجدّ : ما مصير دور الصين في رعاية الاتفاق السعودي- الايراني؟


طبعاً من المبكر الإجابة على هذا السؤال، لكن اذا تفاقم الخلاف الصيني- الإيراني أو دعونا نسمّيه التباعد الصيني- الإيراني فإن الاستنتاج الأول سيكون بلا شك بأن الاتفاق السعودي- الإيراني بات بلا ضامنٍ وأقله بلا ضامنٍ مؤثِر ما يعني بلا سقف يحميه، الأمر الذي سيدفع بالمملكة التي لا تريد أي عودة لصدام مع إيران الى انتهاج دبلوماسيتها الناعمة والمدوِّرة للزوايا مع الإيرانيين، ما سيؤدي الى تبديلات في نهج معالجات ملفات سعودية- إيرانية مشتركة في المنطقة ذات اهتمام كبير حيوي ومشترك كما في اليمن ولبنان.


من هنا، فإن البلدين أمام الاختبار الصعب في هذه المرحلة، وإيران لا تبدو كثيرة الاهتمام بالصين ومراعاة لها، وما أحداث الحدود مؤخراً بينها وبين باكستان وتبادل الصواريخ إلا وجهاً من أوجه الاستعداد لنقل المعركة المقبلة من غربي آسيا (أي الشرق الأوسط) الى شرقيها (الوسط والجنوب الآسيوي) مع ما يستتبع ذلك من إعادة خلط لأوراق أساسية في المنطقة والعلاقات الدولية في هذه البقعة المتفجّرة من العالم.

الوجه الآخر لمخاطر التخادم المصلحي

في آخر المواقف ذات صلة بالموضوع، طلبت واشنطن من بكين التدخّل للضغط على إيران لوقف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر : عندما تتوافق المصالح الدولية تنتفي الخصومات ولو الى حين، فواشنطن التي تتخادم مع إيران لا تأثير لها عليها، والصين التي تُعتبَر شريكة لإيران لا تقوى على التأثير على شريكتها الشاردة والمتفلّتة، وهي معادلةٌ تعبّر لوحدها عن فشل تحالف "حارس الازدهار" في وقف العدوان الحوثي، والفشل الصيني في وقف الجموح الإيراني في المنطقة فهذين الفشلين وتقارب واشنطن من بكين هما الوجه الآخر لمخاطر التخادم المصلحي .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: